تجاورت معه في الحافلة في طريق عودتنا من افتتاح الجنادرية عام 1988 وكان قد تقرر انتقالي من جدة للرياض ،وتقرر تقاعده هو ،وهنا مازحته قائلا كأنك تتقاعد فرارا من مزاملتي في القسم نفسه، ابتسم ولم يجب لأن المزحة لا تحتاج لجواب ،ولكنه أعطاني ما هو أجمل من أي جواب حيث قال سيأتيك زميل راهنت عليه ودافعت عن بعثته لفرنسا قبل سنوات وقلت لكل اللجان المتخوفة: لا تخافوا على معجب فأنا أزكيه وأنا أضمنه.
كان ذاك هو الكبير علما وخلقا البروفيسور محمد الشامخ، وعاد معجب زميلا لنا في القسم وفي السفريات العلمية وكان يكشف كل مرة أن رهان الشامخ كان شامخا بحق وفي محله ،ولكن هذا الذي ظل محلقا في كل محفل وتعددت نتاجاته لم يشأ أن يقيد علمه في سجل مدني وعلمي، ترك بحوثه تعوم حرة كإشارة سيميولوجية حرة، وكأنما يطبق عمليا نظرية (موت المؤلف) بأن يتحرر النص من قائله ويتخلص من سلطة الأب (المؤلف) وهنا ينطلق كل بحث ،ويتخلص هو من القيد، ولا شك أن الكتاب بمثابة الجاسوس على صاحبه (تذكروا الجاسوس على القاموس)، وكتبك شهادة عليك وسجل مرصود عنك مدى الدهر، فإن شئت أن تكون حرا من أثر يكشفك فاترك ابحاثك تطير كما العصافير لا تقيدها شجرة نسب ولا شجرة خشب، وهنا سترى أن البعثرة حرية.
أقول هذا لأسكت لوعة ما فتأت تقرصني كلما تكلمت عن معجب الزهراني في مجلس عربي في بقعة عربية ما، ثم تفاجئني الأسئلة عن كتبه فاقول: له كتاب وله رواية أما بحوثه فهي أكثر من أن تعد ولكنه .....!!!
لقد قلت له هذا مرارا ومرارا ومرارا، وعشرات وعشرات، وكنت كل مرة أتلقى منه ابتسامة وينتهي الكلام.
قرر أن يتبعثر ليظل حرا ....
لا بأس، ولكنه صار مثل بطل درامي يمثل دوره كاملا على المسرح فإذا نزل لبس عمامته وقال: متى أضع العمامة لن تعرفوني، وهنا ليس لنا إلا ان نعود لأستاذه محمد الشامخ ونطلب منه صيانة السيارة المضمونة سلفا، وهذه هي مسؤولية الكفيل الضامن.
لمعجب أن يستمتع بحريته وبعثرته ولكن لنا أن نقول له: ضع نفسك في سجل يرصدك لغيرنا، أما نحن فقد عرفناك وشهدنا لك واعتززنا بك زميلا ورفيق مسار وشريك علم وخلق.