أحمد فلمبان يرسم الألم في اللوحة ويكتب رأيه بمشرط النقد
ضيفنا اليوم فنان له مكانته في ريادة الفن التشكيلي السعودي (ريادة البدايات والتعليم والممارسة التشكيلية) وصاحب قلم لا يشق له غبار، كسب الكثير من المؤيدين لطرحه كما واجه الكثير من ردود الفعل الرافضة لآرائه التي سببت غضب وتخلي الكثير عن التعامل معه إما لعدم مقاربته للحقيقة (كما يقال) أو لحساسية النقد في بيئة تشكيلية طرية العود لا زالت تتشكل، ومع ذلك لا يتردد في أن يقول ما يراه (هو) بشفافية ومصداقية يؤكدها حضوره المستمر لكل مناسبة والتقاءه مع من يخالفونه الرأي دون ضغينة (رأي شخصي مبني على تعاملي معه) يكتب بمشرط التصحيح ويلملم الجراح حينما يرى عكس ما قال أو انتقد، يعتمد على رأيه في ما يشاهده في المعارض على أن العمل المعروض يصبح ملكا للمشاهد، أي كانت نظرته وثقافته ومختزله الأكاديمي، أو خبراته فكيف إذا كان متمكنا من أدواته، لدي الفنان احمد مختزل للمشهد التشكيلي أو الثقافي الكثير، تجعله لا يتردد في أن ينتقد أعمال ينقصها الإتقان في التنفيذ أو غياب الموضوعية، فالفنان أحمد رجل التعليم والفن والصحافة، يمتلك بيتا تشكيليا من زجاج ويرمي بيوت زملائه بالنقد إلا أن مبدأه الإصلاح.
قسوة النقد وحساسية التشكيلين
الكتابة عن الفنان أحمد فلمبان أو من يشاركه هم الكتابة التشكيلية إضافة إلى إبداعه التشكيلي يدفعنا لأن نتحدث ولو باختصار عن هذا الجانب الذي أصبح جزءا من سيرته.. ومسيرته في هذا المجال، فللفنان أحمد فلمبان نهج في جانب النقد
يسعى من خلاله إلى تفسير أو توضيح العمل الفني بعد اختزاله، وتحويله إلى مختبر ثقافته وخبراته، يحلل.. ويقارن ويقارب.. ويبحث عن القيم الفنية، يترجم معانيه بمروره على ما يحمله العمل من إشارات.. ومعاني ورموز، من خلال قراءاته للشكل في اللوحة، أو قطعة نحت، مستكشفا دلالاتها وإبعادها التعبيرية واصفا التأثير الذي يبقيه العمل في المدرك متعاملا بمرونة وتطوير لما اتفق عليه النقاد من السبل التفسيرية والتقديرية في النقد المرتبطتين ببعضها، فالأولى تفسر، والأخرى تحكم، ويمكن هنا أن نكون أقرب كثيرا من نهج الفنان أحمد في مجال النقد فهو أكثر مباشرة في طرح الرأي، خلاف الكثير من النقاد الذين يجاملون ويلجئون للنقد الانطباعي الوصفي.
والحقيقة إن وجود أقلام بهذه الحدة والمباشرة في النقد مهما كان ألمها، فهي مهمة في هذه المرحلة وهو الأمر الذي يعيه الفنان أحمد وأمثاله ممن لا يجدون لكتاباتهم قبولا أو قناعة وإنما عداء ومواجهة، وهي الحقيقة التي قوبل بها لنقاد على مر تاريخ الفنون على اختلاف تخصصاتها أدبا أو تشكيلا أو سينما ومسرح نتيجة ما يتعامل معه النقاد خلاف ما يراه أو يرضى به المنفذ للعمل الفني الزاخر والمشحون بالقيم الفنية والموضوعية لا يرى تفاصيل النقص فيها سوى الآخر (الناقد) أو صاحب النظرة العميقة وليس العابرة.تختلف تماما عن ما يحمله المؤدي أو المنفذ الذي يمثله الفنان من ثقة وغيرة على عمله، متناسيا أن لحظة عرض عمله يصبح ذلك العمل ملكا للمتلقي مهما أضفى الفنان على عمله من تعبيرات أو وصف أو فلسفة وتفسيرات، حيث تتداخل المسائل الواقعية والمتخيلة أو المبطنة، وهذه النظرة تبرز جلية في غالبية الكتابة النقدية تقريباً..
الإنسان في لوحات أحمد فلمبان
من يشاهد لوحات الفنان أحمد فلمبان وأنا منهم يصدم بالتكوين العام للوحة (صدمة الاندهاش) في كيفية تعامله مع الألوان ومزجها واستخراج الوجوه والأجساد من تلك العاصفة اللونية، لا يقتنع بأسلوب النقل أو المطابقة ويبحث عن الجمال في ما تبقيه فرشاته في اللوحة من تأثير (مقصود) وليس عفويا مع أن المشاهد يراه عفويا، وقد نتفق على العفوية المدروسة كالفوضى الخلاقة، ينغمس الفنان أحمد في أعماق الإحساس الإنساني ويعيش ما يشعر به الآخرين من ألم، ليصبح جزءاً من ذلك الإحساس ويتحول من خلاله إلى حالة من الانفعال المحرض على الإبداع والتعبير ليحول لوحته إلى قصة ورواية يجمع فيها حقيقة الألم في صور لا تخلو من البعد عن التزيق والتجميل وإنما إلى شكل يثير رد الفعل الإنساني.
كان معرضه الذي أقامه في جدة ثم الرياض حاملا قضية تخص المرأة قل إن يقدمها فنان أو يلتفت إليها تحت عنوان «المجتمع ذكوري».
ضم 37 لوحة بمقاسات موحدة (50×50 سنتيمتراً) عبر فيها عن المرأة في كل مكان في العالم، حيث قال عن هذا الشعور في تصريحاته الإعلامية إنه يسعى من خلال المعرض إلى إظهار نصف إمكانيات البشر بشكل عام طارحا موقفه من قضايا المرأة بأنها أصبحت في هذه المجتمعات مطيّة تتحمل وِزر الرجل وأخطاءه وحماقاته، وتبقى هموم المرأة ومعاناتها في داخلها وصراخها ودموعها وألمها تُحفر في ذاكرة الزمن وتُختزن في مستودع عقلها الباطني، لافتاً إلى أن ذلك انعكس سلباً على المنظومة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
ويوضح أنه لن يتم الخروج من هذه الإشكالية في ظل الإصرار على تأخّر المجتمع في ثقافته وفكره، والإصرار على مفاهيمه إلى أن تجد المنفذ المناسب، واليوم الذي تُطبق فيه التعاليم الإسلامية، مؤكداً أن الإسلام دين المساواة والرفق واللين والعدل ونصرة الضعفاء والمظلومين والمستضعفين في الأرض وإعطاء الحقوق والأمان للخائفين.
كتاب جمع الذكريات والتجارب
(ذاكرة على السطح) كتاب يشتمل على 300 صفحة باللغتين العربية والإنجليزية جمع بين دفتيه ما قاله الفنان أحمد فلمبان وكثير مما لم يقله ذكريات الطفولة والدراسة في مختلف المراحل مرورا بالدراسة في إيطاليا وصولا إلى العمل والفن والحضور التشكيلي والكتابة النقدية الذي يقول عنه الفنان أحمد إنه استحضار لذكريات الماضي، الطفولة والدراسة والوظيفة، علاقتي بشتى أنواع الفنون، المضامين الفنية، رحلة الغربة، ملامح من إيطاليا، ونماذج من أعمالي الفنية خلال نصف قرن، ونماذج من أعمال الفنانين السعوديين خريجو الأكاديميات الإيطالية، ونماذج من أعمال أبرز الفنانين العرب خريجو الأكاديميات الإيطالية، ولمحات للكثير من الأحداث والقصص والقيم الاجتماعية».
إصداراته في مجال الفن التشكيلي
لم يتوقف الفنان أحمد فلمبان عن الركض على سن القلم وفضاءات الورق فاصدر كتاب بعنوان «التشكيليون السعوديون» قامت على طباعته الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ضم ما يتجاوز 400 فنانة وفنان مع عرض عمل واحد لكل فنان مع ما تضمنه الكتاب من رصّد لبدايات المعارض الفردية والجماعية التي أقيمت قبل 1973.
- monif.art@msn.com