كنت طرحت هذا المفهوم في ندوة في جامعة البحرين عام 1992، ثم نشرته في كتاب وأعود إليه اليوم مع ظهور تويتر وانتشار ثقافة التغريد فيها، حيث نرى عياناً كيف تتصنع المعاني ليس بناء على مقاصد الكاتب الأصلي للتغريدة ولكن بناء على استقبال المغردين والمغردات لأي تغريدة تمر عليهم، وتكشف ردودهم على التغريدة الأصل ثم كيف تترحل المعاني ما بين الأذهان في منظر عريض من التنوع والتعدد غير النهائي، وسترى صاحب التغريدة الأصلية وهو في حرب ذاتية مفردة يحاول فيها استعادة المعنى لتغريدته، حتى ليصل الأمر أحيانا إلى حذف التغريدة، أو إتباعها بتغريدات تلو تغريدات كمحاولة لإنقاذ التغريدة المخطوفة، وهي مخطوفة في ظنه ووهمه ليس إلا، ومثال على هذا ماذا لو أن المتنبي خرج من قبره اليوم وقرأ ما كتب عن شعره على مدى القرون...!!!
بالنسبة له لقد كان واعيا منذ البداية أن النص يتحول منه إلى القارئ، وكان يعي أن القارئ هو صانع المعاني ومطلق عقالها، وقد قال كلمته عن الشوارد واختصام الناس حولها، ولا شك أن كل كاتب عظيم على مدى التاريخ وعلى مدى الثقافات كلها يدرك أن المعنى في بطن القارئ، وإن لم ينطقوا بهذه العبارة تحديداً، ولكننا نقديا وتنظيرينا نترجمها في هذه المقولة، وهي حقيقة متصلة يدركها من سبر حركة النصوص وعلاقات الناس معها وكيف تتحول إلى إشارة حرة ينسب لها كل من تناولها بعضا من فهمه وذوقه وعقله حتى ليصبح هو القائل الحي لها بما يسبغه عليها من معان، وما تويتر وتغريداتها إلا واقعة حية على هذه التفاعلية الذهنية البشرية ويظل القارئ هو سيد النص لأنه هو الذي يحركه ويوقظه ويمنحه دماً ينبض به قلبه.