«التحالفات العسكرية..نموذجأ»
الخير و الشر يظلان هما الفكرة التي يشتعل بهما الصراع، ويمكن وضع قوائم تفسير لمقصود دلالتي الخير والشر، وإن كانت تلك القوائم عادة ما يشوبها بعض النسبية فلا يُصبح الشر شرا عند البعض إذا لم يتعارض مع المصلحة العامة، ولا يُصبح الخير خيرا عند البعض، إذا تعارض مع المصلحة العامة وهو ما يعني أن لا قواعد جازمة لضبط قوائم التفسير تلك إلا من خلال هذه الزاوية.
وبذلك فالاحتساب القائم هاهنا هو أن كل شيء يتوافق مع المصلحة العامة غالبا يمكن اعتباره ضمن منظومة الخير، كما أن الاحتساب القائم على أن كل شيء يضرّ بالمصلحة العامة يمكن ربطته بمنظومة الشر.
والمصلحة العامة بدورها مصطلح قابل للكسر والجبر، وفق الكثير من المعطيات السياسية والدينية و الاقتصادية والأمنية.
وبذلك لا يُمكن أن نغفل عن أن «المصلحة» هي قاعدة مهمة في تحريك مسار قوائم التفسير تلك فهي محرك أيديولوجي يتحكم في ضبط تلك القوائم، وبذلك فما يتوافق مع المصلحة الجمعية أو الفردية هو خير وإن كان ممثلا للشر على مستوى الحاصل، وما لايتوافق مع المصلحة بصيغتها الجمعية والفردية هو شر وإن كان ممثلا للخير على مستوى الحاصل.
لكن هاهنا يجب أن لا نغفل أن التوافق في ذاته يستطيع أن يمثل «موضوعية»؛ باعتبار أن التوافق «كدال على ما يمثل المجتمع» هو معيار من معايير صحة الاتجاه، وهو ما يجعل بدوره «المصلحة العامة» ضابط لقوائم تفسير الخير والشر.
وبذلك فنحن هنا أمام قاعدتين تتحكمان في ضبط قوائم التفسير تلك هما التوافق كرمز للجمعية والمصلحة العامة ؛أيضا كرمز للجمعية، وهما بالتقادم وزيادة رقعة الاتفاق يتحولان إلى مفّسِر لدلالتي الخير والشر.
وبما أن الشر في مساره فيه إضرار للجميع سنّت قوانين لمحاربته، لكن بعض الشرّ قد تفلت أطرافه من القوانين المدنية أو المحلية، ليتجاوز كل زاوية ممكنة ،مما يحوله إلى «خطر دولي»،وهذا الخطر يستوجب معه إعادة صياغة قوانين محاربة هذا الشرّ وفق مساحة تمدده، فكلما اتسعت رقعة الشر زادت الأطراف المحاربة له.
ومن هنا نشأت فكرة «التحالفات العسكرية» لمحاربة الشر المتجاوز للحدود المختلفة، أو القوة الطاغية المتجاوزة للحدود المختلفة، وأحيانا لفرض هيمنة خاصة تدعي الخيّرية لمحاربة ذلك الشر، ونستطيع تحرير قائمة من المسوغات الدافعة لإنشاء تلك التحالفات لكن يظل العنوان الرئيس للتصنيف العام يتحرك ضمن ثنائية الشر والخير.
إن فكرة التحالفات العسكرية كمسار دولي تعود إلى زمن الحروب الصليبية عندما اجتمعت الدول المسيحية لمحاربة المسلمين، وما قبل ذلك كانت الفكرة تسير على نطاق قبائلي أو فئوي أو مذهبي، وبذلك فقد سنّت التحالفات العسكرية الحروب الصليبية هذا المسار.
ثم توسعت فكرة «التحالفات العسكرية» أثناء الحرب العالمية الأولى و الثانية لتتمثل من خلال «قوات الخلفاء» التي ضمّت كل من» بريطانيا وروسيا و إيرلندا وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات الأمريكية «وهو تحالف يذكرنا به اليوم بما يحدث في سوريا من تحالفات عسكرية سرية بين روسيا وفرنسا والولايات الأمريكية.
ثم تحالف قوات المركز التي ضمت كل من «ألمانيا والنمسا والمجر و بلغاريا والدولة العثمانية».
ولعل ما يميّز تلك التحالفات، ولا أقصد بالتمييز الصفة الخاصة بالإيجابية إنما المقصد قاصر على نوع التغيير الذي أنتجته، أقول ما يُميّز تلك التحالفات هو حاصل المواثيق و الاتفاقيات التي أعادت تقسيم دول منطقة الشرق الأوسط، وسلّمت فلسطين للإسرائيليين تحت مسمع ومرأى من العرب في ذلك الوقت.
أما على المستوى العربي والإسلامي، فأول تحالف عسكري متعدد الجنسيات كان من خلال الدولة العثمانية عندما تحالفت مع دول المركز أثناء الحرب العالمية الأولى، والذي كانت نتيجته تفكيك الإمبراطورية العثمانية من خلال ما نتج عنها من اتفاقيات سايكس بيكو وفرساي، ووعد بلفور وسان ريمو.
وأثناء إقامة الدولة العثمانية تحالفا عسكريا مع دول المركز كان هناك تحالف عسكري آخر في المنطقة وهو تحالف بريطانيا مع العرب الثوّار المناهضين للدولة العثمانية، هذا التحالف الذي بفضله انتصرت بريطانيا في حربها ضد الدولة العثمانية باعتراف مهندس ذلك التحالف السيد لورانس العرب في مذكراته «أعمدة الحكمة السبعة».
وبعدها ظهر التحالف العسكري العربي العربي أثناء الحرب الظالمة للعدوان الثلاثي على مصر ؛بريطانيا وإسرائيل وفرنسا،بعد إعلان جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس.
وكان أول تحالف عسكري عربي عربي عام 1948م حينما شاركت كل من السعودية ومصر والأردن و العراق وسوريا ولبنان في حرب ضد إسرائيل.
وفي سنة 1976م تم تشكيل «قوات الردع العربية» التي أقرتها جامعة الدول العربية من أجل إيجاد حل للحرب الأهلية اللبنانية، وتشكل هذا التحالف من ست دول عربية.
وفي عام 1982 تم إنشاء تحالف عسكري بين دول الخليج تحت اسم «درع الجزيرة» وهي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، وقد شاركت هذه القوات في حرب الخليج الأولى و الثانية وفي فضّ الاحتجاجات المعارضة في البحرين.
وفي عام 1991م تم تحالف عسكري ضم 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة من أجل تحرير الكويت من الغزو العراقي، وسُمي هذا التحالف «بعاصفة الصحراء».
وفي عام 2001م بعد أحداث الحادي عشر من أيلول أنشأت أمريكا تحالفا عسكريا لمحاربة القاعدة في أفغانستان، أو الإرهاب وانضم إلى هذا التحالف كل من بريطانيا و باكستان وكوريا وإيطاليا و إسبانيا وفرنسا وبولندا.
وفي أغسطس 2014 أنشأت الولايات الأمريكية تحالفا لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق أو ما يُعرف باسم»داعش» والذي توسع فيما بعد إلى سوريا لمحاربة الكتائب الداعشية هناك، وضم هذا التحالف كل من فرنسا وأستراليا وبلجيكا وكندا وهولندا.
وفي مارس 2015م أنشأت السعودية تحالفا عسكريا عربيا لمحاربة إرهاب الحوثيين، وضم التحالف دول الخليج بالإضافة إلى الأردن والسودان وباكستان،وقد حظي هذا التحالف الذي تقوده السعودية بتأييد دولي كبير وشعبي كبير محلي وعربي.
وفي سبتمبر 2015م انضمت روسيا إلى التحالفات العسكرية التي تهدف كما تزعم إلى محاربة داعش في العراق وسوريا وحماية النظام السوري الفاشي.
وبعد دخول روسيا على خط التحالفات العسكرية لمحاربة الإرهاب في المنطقة العربية.
وقبل نهاية السنة الميلادية أعلنت السعودية يوم 15 ديسمبر 2015م إنشاء تحالف عسكري إسلامي يضم 35 دولة لمحاربة الإرهاب، ويهدف هذا التحالف إلى مكافحة الإرهاب في الدول العربية عسكريا،ومحاربة الإرهاب فكريا وإعلاميا.
وبهذين الهدفين فإن التحالف العسكري الإسلامي لا يقتصر على محاربة الإرهاب في مستواه المادي، إنما أيضا في مستواه المعنوي، لأن المستوى المعنوي هو الأخطر؛ فهو من يؤسس الجانب المادي للإرهاب.
ويمكن أن نضع عدة أسباب للسعي إلى إنشاء التحالفات العسكرية ومنها:
*توحيد القوى، وفي هذا التوحيد تقاسم التكاليف الباهظة الذي لا تستطيع دولة بمفردها أن تتحمله لأي شر متعدد الجنسيات والحدود.
والحقيقة أن التحالفات العسكرية لا تنفرد ذاتها بخاصية تحقق التحالف؛ فهناك التحالفات الاقتصادية متعددة الجنسيات، التحالفات الحقوقية متعددة الجنسيات، وهناك بذور للتحالفات على المستوى الثقافي و الفني. حتى الإرهاب فداعش ماهي سوى تحالفات دينية متعددة الجنسيات ذوات خبرات عسكرية وغاية أيديولوجية واحدة.
إن تحوّل الكرة الأرضية إلى «قرية عالمية محوسبة» جعل تأثير قوة أي شر ردة فعل شاملة لأركان تلك القرية، وهو ما جعل «الضرر» قاسما مشتركا يخضع له الجميع.
*تكامل التجربة العسكرية؛ إن التحالفات العسكرية تسهل تكامل التجربة العسكرية باعتبار أن كل دولة تملك من الإمكانيات ما تفتقده الدولة الأخرى.
*وقبل هذا وذاك تظل استحقاقات المصلحة الخاصة لدول التحالف العسكري و ما يُمكن تحصيله من فائدة اقتصادية وأمنية وهيمنة هي المتصدّرة لرغبة إنشاء تلك التحالفات بصرف النظر عن المظلة التوصيفية التي تتستر بها.
أما أبعاد التحالفات العسكرية لمحاربة الإرهاب في المنطقة العربية و تنبؤات نظرية صدام الحضارات بحرب عالمية ثالثة يحركها الإرهاب، فهو حديث آخر.
- جدة