شرّف علامة الجزيرة الشيخ محمد بن ناصر العبودي قسم اللغة العربية في كلية الآداب – جامعة الملك سعود، وقبول علامتنا الحضور إلى هذا القسم إنما لما يمثله هذا القسم من ريادة؛ فهو أول قسم للغة العربية في بلادنا. وشعر الحاضرون والزميلات الشاهِدات عبر الشبكة بامتنان للجنة الثقافية ومقررها أستاذنا أ.د. محمد خير البقاعي؛ وللرجل النبيل الدكتور محمد المشوح الذي صحب الشيخ وكان ينقل له ما يتعذر عليه سماعه، كان اللقاء لقاءًا ثريًّا أحسن أستاذنا البقاعي في افتتاحيته الموجزة المعبرة خير تعبير من غير استبداد بوقت اللقاء فبادر بدعوة الشيخ للحديث، فبدأ الشيخ بكلمة شكر وترحيب بالحاضرين ثم سكت، وكان فهم أنه سيتلقى أسئلة يجيب عنها؛ ولكن أستاذنا البقاعي نقل له رغبة الحضور أن يسمعوا منه ما يريد أن يحدثهم به قبل أن يسألوا.
بدأ العلامة العبودي بذكر اسمه ومكان نشأته وتعلمه الأولي وأطاف بجانب من أعماله الإدارية ثم انتقل إلى حديث الذكريات عن رحلاته الكثيرة التي كتب عنها عددًا هائلا من الكـتب لا ينافسه في عددها أحد من الكتاب، هذا إلى ما أنجزه من معجمات قيمة لا غنى للباحثين اللغويين والمؤرخين والجغرافيين عنها؛ لأنها كتابة دراية ورواية لشاهد من شواهد العصر؛ فثم كتب رحلاته الكثيرة وكتاب الأمثال في نجد، والمعجم الجغرافي عن منطقة القصيم، ومجموعة معاجم عن الأسر في القصيم، ومعجم الأصول الفصيحة للكلمات الدارجة، وأما كتاب (كلمات قضت) فهو الكتاب الذي جعلته عمدتي وأنا أكتب معجم أسماء الناس في المملكة العربية السعودية.
تسمع الشيخ يتحدث بطلاقة وهدوء كأنه يقرأ لك من كتاب فلا يخرم اسمًا ولا يتلجلج في عبارة ولا تعرض له حبسة والأسماء على قدمها حاضرة والتواريخ كأنها مبسوطة أمامه لا يتمهل لتذكرها حتى كان هذا الأمر من دواعي دهشة من لا يعرف الشيخ وما تعود استماع برنامجه الإذاعي الممتع عن الرحلات، كان هذا من دواعي تعليق طريف لإحدى الزميلات حين قالت إنك أيها العلامة آية من آيات الله وإنك رزقت نعمة حفظها الله عليك ولا يكون هذا عادة إلا لفعل حسن يعتاده المرء ثمّ سألت فما ذلك العمل؟ وكان من جوابه حين أجاب أنْ لعل ذلك من محبة الخير للناس.
وأما أنا فحين أذن لي بالحديث بينت أن أعماله الجليلة المطبوعة على ورق ليست متاحة لكل أحد إما لنفاد المطبوع أو لغلاء ثمنها لتعدد مجلدات كل عمل أو لأن الجهة الناشرة لها لا توزعها بالكيفية الملائمة، وكان همي دعوته أن يعمل أو يأذن بأن يعمل على تصويرها وترفع على العنكبية لتكون بين أيدي الناس في كل مكان، وهو بهذا سيناله من الدعاء أضعاف ما يناله من حصلوا المطبوعات. وقد أجاب الدكتور المشوح عن هذا بأن بعض المواقع قد صورت أعماله، وهو يقصد بذلك كتب الرحلات وهو أمر حسن؛ ولكن الذي أرى الدارسين والمهتمين بتراث بلادنا بحاجة إليه لَمّا يصور، فلعل من نشروها يقدمون على نشرها؛ لما في ذلك من خير عميم. وفق الله علامتنا وحفظ عليه قواه ما أبقاه، ونحمد الله أن رزقت بلادنا بمثله.
- الرياض