عبد الله شاهر رسم اللوحة وصمم الشكل الجمالي وأحال مرسمه إلى متحف
له في كل زاوية في المفتاحة التشكيلية بصمة، وفي كل لوحة وجه جميل لعسير.
برز مع أول حضور للفن التشكيلي السعودي.. وضع لاسمه (تشكيلياً) مكاناً ومكانة.. يشارك في كل معرض ويساهم في كل مناسبة تخدم الفن التشكيلي، كُلف بإدارة مركز الملك فهد بأبها الذي يحتضن القرية التشكيلية عام 1425هـ، وكان ممن شهدوا ولادة مشروع القرية التي كانت وما زالت معلْماً تشكيلياً على مستوى المملكة لم يتكرر مثيلٌ لها ولم ينافسها منافسٌ.
لم يأخذ الفنان عبد الله شاهر هذا المنصب تشريفاً بقدر ما اعتبره تكليفاً، فأطلق لمسار تفعيل المركز والقرية التشكيلية العنان.. ووضع البرامج ولمّ شمل التشكيليين مكملاً بهذا التحرك ما بدأه من قبله ممن عمل على إدارة المركز والقرية، يشهد لهم الفنان عبد الله بالإخلاص في عملهم.
قام عبد الله شاهر بنشاط ملموس وحرّك الساكن ولفت الأنظار للقرية التشكيلية مع ما يقوم به من متابعة لتهيئة المكان والزمان للأنشطة الثقافية في مسرح المفتاحة، كل هذا على حساب إبداعه ومرسمه الذي له حكاية أخرى.
شاهر اسم وفعل تشكيلي
عندما يقدم أي كاتب أو ناقد أو مؤرخ لتوثيق مسيرة الفن التشكيلي السعودي يجد عبد الله شاهر أحد رموزها وعندما يتحدث النقّاد والمتابعون لتجارب الساحة نجد أن له حقه من التصنيف واعتباره من أصحاب الخصوصية في أسلوبه الفني.
زرته في مرسمه عام 28هـ كان وقتها ما زال يعمل في إدارة مركز الملك فهد والقرية التشكيلية، حاملاً همّ البرامج الثقافية والتشكيلية، فأصبح المرسم بمثابة الرئة التي يتنفس منها وعالمه الذي يجد نفسه فيه، ذلك لم يكن كما سمّاه (مرسماً)، بل متحفاً حيث يجمع فيه كل تفاصيل حياته، أخذني فيه إلى سنوات ماضية من عمره منذ أن كان طفلاً في المرحلة الابتدائية، دفاتره وأقلامه وخربشاته، لينقلني إلى محطات أخرى من تلك السنين الجميلة في وقتها والمؤلمة عند تذكر بساطة معيشتها وتلاحم أهلها وفطرية حياتهم دون تكلف أو تزلف أو تباغض، مقارنة بما عليه واقعنا اليوم بكل ما فيه من سوء.. لنبحر ونكمل الجولة مع عبد الله بدءاً بما تبقى من أول تذكرة سفر نقلته إلى خارج محيطه الذي اعتاد إليه نحو مجهول مهما كان تخيله المسبق له، إلى صورته لاعباً في كرة القدم ومصوراً وثق بكاميرته الصغيرة أحداثاً ومناسبات لم يعد لأماكنها ولا لكثير ممن فيها أثر سوى تلك الصور التي تملأ متحفه، لنمر على قصاصات من خواطره (في سن المراهقة) الجذوة لتي أشعلت فيه حب الأدب والكتابة والتأليف، لنختم بصوره منذ أن كان في الخامسة من عمره مروراً بمراحل الكبر والخبرات والتجارب، يكاد يذرف دمعة عند كل مرحلة يرى تذكاراً له فيها.
إذاً، فالفنان عبد الله شاهر بهذا المتحف (المرسم) مؤرخ وفنان وشاعر، عالم وأسرار لم يخف شيئاً منها، هو كذلك على طبيعته في التعامل مع الآخرين (بشهادتي)، ومن يريد أن يعرف أكثر عنه، فليزر مرسمه ويكتشف الكثير من محطات عمره التعليمي والرياضي والفني.
اللوحة.. والجمال.. عسير
نعم الجمال عسير على من لا يعيه ويحمل ثقافة التفاعل معه والتعامل به، كما أن عسير الجمال منطقة لا ينضب نبعها كانت وما زالت مصدر إلهام للشعراء والفنانين، وكان منهم عبد الله شاهر الذي أحاله جمال عسير إلى شاعر.. لكن باللون واللوحة والفرشاة.
شرب الواقع مع لبن والدته فارتوى حناناً من الطرفين، عشق كل ما حوله وهو في سن التوهج العاطفي فكان له مع كل وجه قصة.. ومع كل وادٍ حكاية.. ومع حكايات أمه خيال لا ينتهي وأساطير يراها في غصن شجرة وانهمار الغيث من غيمة تلامس جبال أبها.. تغازل أشعة الشمس.. بألوان الشروق مع كل صباح ومع ألوان الغسق عند الغروب ألوان تتشكّل وتتبدّل أحياناً تمر كالطيف وأحياناً تلج إلى أعماق وجدانه مجبراً، فالطبيعة العسيرية مزيج من الجمال.. تنتهي حالات الارتواء إلى مختبر انطباعاته ليمزجها بخبراته التراكمية الغنية.. ليحيلها إلى واقع على اللوحة فأجاد الطرح وحقق المكانة وكسب الإعجاب.
لوحات بنكهة جبال عسير وأهلها
من يشاهد إبداعات عبد الله شاهر يكتشف أنها تأتي دون استئذان، تتدافع من كنز بصري جمعها سنين طويلة، راقب أشعة شمس تنساب بين كتل الغيوم، تأمل تأثيرها على الشجر والحجر والماء، وتابع حركة ظل يهرب من الضوء، ولفت نظره جمال النقوش في رداء والدته، وفي الألبسة التراثية لرجال كل قبيلة في الجنوب فكانت عناصر تملأ كل جزء في اللوحة.
رسم الخضرة والماء وأطّرها بالوجه الحسن.. وجوه لا تشبه إلا وجوه البساطة والبراءة، بنات عسير.
مفاتيح ودلالات - وإيحاءات مشاهد وصور باختلاف أنواعها، وتباين في أماكن وجودها، وتمايز أسلوب صناعتها على اللوحة، أفرزت أنماطاً أينما نتجه، في البدء وإلى آخر لوحة في المعرض, المنظورة منها أو المستوحاة، وثمة صور تنتظر رؤيتها ما زالت في وجدان الفنان عبد الله شاهر، هو من يعرف حدودها ومحدداتها.. استجمعها في البصر وأذابها في بصيرة نشاطه المعرفي، الإدراك، التذكّر، التخيُّل، والتفكير المنطقي ليصبح كل ما رآه رسالة كتبها ألواناً وخطوطاً وعناصر عوداً إلى الخبرة الجمالية، أضافها إلى مكونات حياتنا كمعادلة إنسانية.
لقد نقلنا الفنان عبد الله شاهر من حالة الواقع المنظور المباشر، إلى حالات من التعبيرية والتجريدية والرمزية، متناولاً الواقع المرئي معيداً صياغته بصورة جديدة معاصرة باحثاً عن مظاهر الجمال، بصيغ مكّنته من تقديم إبداعه بمفاتيح سهلة ممتنعة تتيح للمتلقي الفهم المباشر للعمل، من خلال قواعد وأسس لإبداعه بعوالمه التي يشكّلها.
- monif.art@msn.com