هذه القصيدة معارضة للبيت الذي يتذمر فيه زهير بن أبي سلمى من سأم الحياة عند بلوغه الثمانين من عمره في معلقته الرائعة:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لًا أبا لك يسأم
يشكو زهير ثمانينًا سآمتها
وما شكوت بفضل الله من عمري
لقد بلغت ثمانينًا وأربعةً
لم أفقد الحسَ أو سمعي ولا بصري
وازددتُ حُباً لأيامي وبهجتها
وأعشقُ الليلَ في نومي وفي سمري
حب الحياة وعشق الناس أغنيتي
رضا الأحبة والأهلين مدخري
صدى الربابة والطِيران يطربني
حبٌ تغلغل في الوجدان من صغري
هزجُ «الهجيني» ووقع الحوطي يفرحنا
نكررُ اللحنَ مزهوين بالخدرِ
وأعشق الصوت والألحان تسحرني
من ينفخ النايَ أويعزف على وتر
وأعشق الشعر إلهاماً وعاطفةً
سحر حلال وآياتٌ لمفتكر
وأعشق الفن كل الفن يبهرني
العزف باللون والتشكيل بالحجر
أهوى الطبيعة والخلاّقُ مبدعُها
سبحان ربي وكم في الكون من عبر
الأرض والشمس آياتٌ مُسخرةٌ
كل المجرات مُجريها على قدر
أهوى الشواطئ والأطفال زينتها
وأعشقُ الرملَ في «القمراء» والمطر
أهوى الجمالَ ملاكياً تَتيهُ به
ذاتُ السهام وذات الغنج والخَفَر
أنسى وجودي إذا بانت بطلعتها
حورية الخلد ذات الدل والحور
أهوى السلامَ وأهوى العدلَ يُنصفنا
وأمقتُ الظلم والطغيان في البشر
واعشق الحق نورًا في بصائرنا
يهدي السبيلَ بلا خوفٍ ولا خورِ
أُجلُ قومي وأوطاني ومعتقدي
وأشكر الله في حلي وفي سفري
أدعو إلهيَ في سري وفي علني
أن ينقذ العرب من سفك ومن ضرر
وينشر السلمَ في الدنيا بأجمعها
تصفو الحياة لإبداعٍ بلا حذر
إني قنوعٌ رضيٌ لا يناسبني
ثوب التشاؤم والإيغال في الضجر
ما أكثر الحسن في دنيا نعايشها
في ضحكة الطفل والتغريد في الشجر
أرى الجمالَ جمالَ الروح ملهمها
رؤى الجمال فيجلوها إلى البصر
إن السعادة في الدارين مرجعها
مخافة الله في السراء والكدر
كل النعيم وكل السعد مجتمعاً
حال الخشوع سجوداً خلوة السحر
يامن وسعت جميع الخلق مرحمة
أنت الرحيم وغفار لمنكسر
إبراهيم بن عبدالله التركي «أبو قصي» - الرياض