تدخلت هيئة الأمر بالمعروف في أعمال أحد الأندية الأدبية قبل أسبوعين للتأكد من صحة معلومات تعمد البعض ترويجها والتأثير بها على أعمال الطرف الأول الذي وجدها فرصة جيدة لتنفيذ أعماله في العلن بكل قوة ومواجهة، واستغلها بعض العاملين في القطاع الثاني للترويج عن مواجهات مختلفة، وتوالت المتابعات الإعلامية والمواجهة بين الطرفين. وفي غضون ذلك رفع آخرون أصواتهم مطالبين بمنح المؤسسات الثقافية حصانة وحماية ونوعاً خاصاً من التعامل من قبل قطاعات كثيرة تتدخل في أعمالها أولها «الهيئة» وهي ليست آخرها بكل تأكيد!
المطالبة بكف الأيدي عن القطاعات الثقافية يجب أن تنفذه هي بإعلان التشريعات وبناء الصورة الاعتبارية عبر مرجعيتها «وزارة الثقافة والإعلام» لا أن تنتظر من الآخرين إسداء الخدمات والحماية والمساندة كأنها جمعيات خيرية لا بقاء لها إلا بالدعم والغوث والتبرعات، والدعاء أيضاً.
أما اقتراح الحصانة لهذه القطاعات فاستعلاء في غير محلة يتوازى مع شعور بعض قياديي المؤسسات بالفوقية على المجتمع و»ادعاء الخصوصية» والترديد الدائم بأنها ذات طابع مختلف ورسالة نوعية، وتمادت في هذا الادعاء فأفقدتها علاقتها بالناس، وباتت أسيرة لفئة صغيرة وأعضاء منغلقين على أنفسهم.
المؤسسة التي تظن نفسها فريدة كان الأجدى أن تؤدي دوراً مغايراً فتتحدث بصوت واضح ومنظم عن «معنى الحسبة» وحدودها، وتعين الجمهور على فهم المصطلح، وتتعاطف مع الجميع،باعتبارها الأقوى، حين تنال منهم بعض الأجهزة بدعوى حماية الفضيلة المتخيلة، أو المختلف عليها. وفي ذلك اقتراب المؤسسة الثقافية من الناس الذين يدفعون الثمن مثلها كل يوم، وفي مواقع شتى، لكنهم يتكلمون وينتقدون ويقولون رأيهم ولو باللجوء إلى أضعف الإيمان، لكن لم يبتكر أحدهم خصوصية، بل أعلنوا التظلّم وتغييب حقهم في خوض حياة صنع البعض لها إطارات جائرة.
وينك؟
خرج هذا البرنامج فجأة ليحظى بمتابعة الكثيرين واحترامهم لأسباب عدة ربما كان أهمها الجدارة في الإعداد والتقديم، والحرص على استيفاء المعلومات عن الضيوف، وتقديم البرامج بهدوء الواثق المثقف دون صراخ أو مناوشات أو إدعاء بطولة.. يضاف إلى ذلك الالتفات إلى أسماء يغفل عنها الإعلام الثقافي جهلاً أحياناً، ومع سبق الإصرار أحياناً أخرى.
أتت الحوارات التي بثتها «روتانا خليجية» أسبوعياً متنفساً للوعي والفنون والمعرفة والجمال مع عناية بالشجن ونوافذ الحنين والذكريات التي تمثل، لغير جيل الشباب الآن، عبقاً لا يمكن وصفه فهو يستعيد بعض ثراء حياتهم «المعتقة» وعمرهم الذي تقاسمته «دروب التعب» كما حدث في حوار الفنانة الغائبة ابتسام لطفي، أو مع الأستاذ عبد الكريم الخطيب صاحب برنامج «الأرض الطيّبة» الشهير، أو «الصوت الشجي» غالب كامل.
هذا النوع من البرامج لا يحتاج ميزانيات ضخمة، ولا استديوهات كبيرة فارهة، بل يتطلب إعداداً وتقديماً ووعياً بالشخصيات والتاريخ الثقافي والفني مع أرشيف متكامل يعضد الفكرة، ويأخذها صوب المتابعين والنجاح.. وأظن المذيع المتمكن محمد الخميسي قد نجح في ذلك كثيراً.
وصاية!
اقترب معرض الكتاب بجدة وهناك أصوات تشير إلى غياب دور نشر عربية شهيرة، وأظن في ذلك وصاية على المعرفة والإبداع في زمن تكسّرت الحواجز، وذابت المقصات. لا نرضى عن كتاب يتعرض لمحرمات متفق عليها، لكن من غير المنصف حجب دور نشر بكاملها لها قوائم مميزة في الأدب والترجمة والفكر لأنها أصدرت كتاباً يتعارض مع قناعاتنا ورأينا الثقافي.
محمد المنقري - جدة