لقيت كتابتي عن (البحث عن أستاذي عبدالقادر) قبولًا واسعًا، وعبر كثير من زملائي وقرائي بما يناسب سابغ كرمهم، وكل واحد مستحق مني الشكر والثناء، ولولا الإطالة على القراء لكنت أوردت جميل عباراتهم المعبّرة عن صدق مشاعرهم وحسن تفاعلهم؛ ولكني اليوم أجد من واجب القراء عليّ أن أشاركهم قراءة رسالة ابنة أستاذي السيدة الفاضلة (نازك عبدالقادر محمد محمد علي) بعثتها إلى زوجتي العزيزة أم أوس حفظهما الله، تقول نازك:
«السلام عليكم أختي د. وسمية
والله لساننا يعجز عن قول شيء فقد غمرنا حبكم للوالد. والله لو كان بيننا اليوم لفرح هو أيضًا فرحًا شديدًا وأكاد، بمعرفتي به، أن أقول: لعبّر عن فرحه بكم بقصيدة من تأليفه وبفرحه بالمجال العلمي الذي اتخذه أخونا د. إبراهيم الشمسان؛ فهذا المجال هو حب الوالد وعشقه، فما إن يخطئ أحد في الأسرة أو ضيف أو مذيع في التلفزيون في كلمة باللغة العربية حتى نجده يصحح لنا ذلك الخطأ. والله لقد ساعد الوالد في رعاية غرس أرض طيبة مباركة بأهلها، فيا نعم من غرس ويا نعم من ساعد ورعى واعتنى ويا نعم الحرث أثمر. أصله ثابت في الأرض وفرعه تطاول في السماء وازدهى. والله إن الوالد قلبه يسع الجميع كما أعرفه أنا، يحب الكل بقدر حبه لأولاده، بل أكثر. فهو عندما يفرح لفرح أبنائه أو أحد غيرهم كما في يوم العيد أو النجاح الأكاديمي تجده يقبل رؤوسنا.
ولا أريد أن أقسم بالله لكم؛ ولكن كأني أراه يقبل رأس أختنا د. وسمية وأخينا د. إبراهيم فرحًا بهما وبأبوته لهما كما كان يفرح لنا.
ويا أخي د. إبراهيم أنت والوالد جنود خفية سخَّرها الله لحب اللغة العربية ولجعل من حولهم يحبونها؛ لأنها لغة أعظم الأديان على وجه البطحاء. والقرآن لا يحفظه فقط من ينكبون على تلاوته، بل ومن ينكبون على دراسة وتدريس لغته وهذا اختيار من عند الله فهنيئًا لمن كان هذا قدره.
وثمَّ أمر أخير وليس آخرًا؛ فقد ضربتم أنت والوالد أعظم مثال على الدبلوماسية الشعبية القائمة على أساس متين وهو الإنسانية البحتة التي تسعى عديد من الحكومات لتبني بها جسور العلاقات الدولية بين الدول ولم توفق في ذلك العديد منها؛ ولكنكما أنت والوالد ضربتما أروع مثل فيما أوصي به رسول الإنسانية جمعاء حيث قال صلى الله عليه وسلم (ألا لَا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا أحمرَ (2) على أَسْودَ، ولا أسودَ على أحمرَ، إلّا بالتَّقوى).
فأبي عندما حمل المعول ليزيل أنقاض السيل فهذا حب الإنسانية التي هي أعلى وأسمى وأجل من حب الذات وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (فأحبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك) أيحب أبي لنفسه أن يكون بين أنقاض السيل،كلا والله، فكيف يحب ذلك؟ هل إنسانيته، لا وألف لا، لن يرضى بذلك لمن أحبوه وأحبهم لإنسانيتهم التي وجدها فيهم. ولو أعطوني نوطي جدارة لمنحتهما لسفيري الإنسانية الأستاذ الوالد عبدالقادر محمد محمد علي والأخ الدكتور إبراهيم الشمسان وزوجته التي تتجسد فيها كل معاني الإنسانية والتي أكرمنا الله بها أختًا. لقد نجحت سفارة الإنسانية في تخطي الحدود الجغرافية وجمعت أروع بلدين المملكة العربية السعودية والسودان، وكانت السفارة هي اللغة العربية (قرآن بلسان عربي)، فهي إن شاء الله لغة العالم الإسلامي الأوسع في المستقبل، وسامحوني مرة أخرى على التطويل؛ ولكن منذ أن قرأت المقال تجول في رأسي كثير من الخواطر والذكريات مع الوالد. وأقول لأخي الدكتور إبراهيم تعليقًا على خاتمة مقاله الصحفي (عندما حان الوفاء حالت دونه الوفاة) أقول لأخي الدكتور: والله لقد أوفيت والدي حقه في قبره إلى أن تقوم الساعة إن شاء الله. قال رسول صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
سنتان من العلم والتعلّم مع الوالد مضافة على ما سبق من علمك دفعت بك إلى التعلّق باللغة العربية، وهي علم ينتفع به، فكيف تكون الوفاة حالت دون الوفاء. لقد شهدت في رسالتك التي نلتها في القاهرة بأنك تهديها للأستاذ عبدالقادر، لما ثقفته من علمه وأدبه، وهذا إقرار أمام خلق الله، أفلا يقبلها الله أرحم الراحمين حسنة لوالدي في قبره، أسأل الله أن يقبلها في ميزان حسناته إلى أن تقوم الساعة، وأسأل الله أن يكرمك على هذا يا د. إبراهيم. ويكرم أختي د. وسمية في الدنيا والآخرة.
أختكم نازك»
- الرياض