سؤال بات يتردد -مؤخرا- بكثرة، بكل حمولاته، محيلا للمقارنة القائمة أبدا بين الأمس واليوم، دون التمعن بتباين الظروف، على اعتبار أن الحركات النسوية العربية الحقوقية التي بدأت قوية وحملت على عاتقها قضايا الوطن العربي المصيرية كالتخلص من الاستعمار الأجنبي والمشاركة الفاعلة في التقدم الاجتماعي في بلدانها، باتت تعيش للأسف هي الأخرى واقعا مترديا يعد انعكاسا للواقع المتردي العام، وهو ما دفع بالبعض لمحاولة نفي وجود حركة نسوية في العالم العربي بالمفهوم العلمي الدقيق بالقول إن ما يوجد لا يعدو كونه تيارا فكريا نسويا تتبناه جملة من النساء ويشهد حاليا محاولة إحياء بعد ما سمي بالربيع العربي بسبب زيادة موجة العنف، فيما اكتفى بعض المعنيين بالحركة بالقول بتراجعها وتذبذب مواقفها بين الفاعلية وعدمها.
وتطرح ملاحظة، على كون الحركة تشهد تباينا كبيرا من حيث النضج والديناميكية، تبعا لأوضاع كل بلد تنتمي له ومستوى التطور الاجتماعي والسياسي فيه، ويؤخذ على غالبيتها انحصارها في دائرة النخب النسوية الضيقة بخاصة العاملة في الهيئات التنفيذية الرسمية بعيدا عن هموم العامة وقضايا التخلف والفقر وانعدام التأمين الصحي، والعنف ضد المرأة، كما يؤخذ عليها فشلها بعد تفكك الاتحاد النسوي العربي في تكوين إطار جديد تتوحد للعمل من خلاله في مجابهة ما يهدد هويتها وحراكها باتجاه القضايا المصيرية الكبرى.
وعودا لبدايات الحركة، نجد أنه في الوقت الذي نهضت الحركة النسوية الحقوقية الغربية على يد نساء من الطبقة الكادحة قادت الحركة النسوية العربية نساء الطبقة المخملية، تترأسهن نور الهدى محمد سلطان (هدى شعراوي)، ابنة محمد سلطان باشا، رئيس المجلس النيابي الأول في مصر في عهد الخديوي توفيق التي تجيّر لها العديد من مكتسبات الحركة في تلك الفترة الذهبية من عمرها الوليد، وربما هذا ما أعطى الحركة فيما بعد طابعها النخبوي العام.
وقد عانت هدى شعراوي من الذكورية في وقت مبكر من حياتها، فبعد فقدان والدها، قام الوصي عليهم، بإلحاق أخيها الصغير بالمدرسة دونها، كما تم تزويجها أيضا في سن صغيرة جدا لزوج يكبرها بأربعين عاما، وهو ما قد يفسر حماستها الشديدة للحركة، ففي 16 مارس عام 1923م أسست شعراوي الاتحاد النسائي المصري بهدف رفع مستوى المرأة الأدبي والاجتماعي، لتنال المرأة المصرية حقوقها السياسية والاجتماعية كما ورد في المادة الثانية والثالثة من القانون الأساسي لهذا الاتحاد الذي تولت قيادته على مدار نحو ربع قرن حتى وفاتها عام 1947.
وبدأت الحركة النسوية وفق طابع وطني قومي، في إطار سعيها لمناهضة الاستعمار وبعد الاستقلال ساهمت في عملية التنمية. ويعزو البعض جذور نشأة الحركة النسوية في البلاد العربية لمنطلقات فكرية أسست لها كتابات أحمد فارس الشدياق والمحامي مرقص فهمي، وقاسم أمين بخاصة عبر كتابه «المرأة الجديدة»، حيث نذر أمين نفسه لهذه القضية معبرا عن بعض مطالبها.
ومع انطلاق الحركة انتعشت في المقابل حركة النشر، فصدرت نحو 25 مجلة وصحيفة تتملكها وتحررها نساء في كل من القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد، كما قامت جمعيات عدة، كجمعية الترقية النسائية في مصر، وجمعية يقظة الفتاة العربية في بيروت، وجمعية نهضة الفتاة في طرابلس، وجمعية النهضة النسائية في بغداد. وعقدت مؤتمرات نسائية كذلك لبحث القضايا الوطنية والقومية وقضية المرأة، وفي عام 1922 عقد أول مؤتمر نسائي في بيروت بدعوة من الاتحاد النسائي اللبناني، كما عقد المؤتمر النسائي العام في لبنان وسوريا عام 1928.
وفي عام 1938 عقد المؤتمر النسائي العربي الأول، وتم عقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944م، بحضور مندوبات البلدان العربية.
وطالبت شعراوي التي تم تزويجها في سن صغيرة برفع سن الزواج للفتاة إلى 16 سنة على الأقل وتحقق طلبها في عام 1923م كما طالبت بفتح أبواب التعليم العالي للفتيات وبإشراك المرأة في العملية الانتخابية، إضافة إلى المكسب الذي حققته الحركة في مؤتمر المرأة العالمي في المكسيك عام 1975 باستصدار قرار يدين الصهيونية بصفتها حركة معيقة للتقدم والتنمية، ومن أبرز نتائج الحركة في الوقت الراهن في المغرب إدخال تعديلات على مدونة الأحوال الشخصية للأسرة في حين أغلقت الحركة في الغرب معظم ملفاتها بعد أن تحقق لها تقريبا جميع ما سعت لتحقيقه!
شمس علي - الدمام