حين تقرأ في الميتافيزيقيا وتخطر ببالك بعض الأسئلة الميتافيزيقية فإن أول ما يقفز إلى ذهنك هو تلك النظريات والقراءات والتفسيرات الفلسفية، ذلك لأن علاقة الميتافيزيقيا بالفلسفة رغم التقارب الشديد من حيث القشور الخارجية والمنظور العلمي العملي وتركيزه في طرح التساؤلات اللاهثة خلف الحقائق المخفية أو البحث عنها تبقى علاقة تائهة بين الأصل والفرع وبين الجزء والكل وبين البداية والولادة الاستكشافية اللاحقة!
فالميتافيزيقيا هو علم ما وراء الطبيعة، وهو علم يهتم بدراسة المبادئ الأولى للوجود ويفسر الظواهر غير الطبيعية بالأخص تلك الظواهر الروحية والنفسية، كما أنه يتوسع استقصائياً لدراسة الزمن والهوية والسببية والاحتمالات والفضاء والعقل والجسد، لذلك لدى العلماء الميتافيزيقيون دائماً قراءات في ظواهر الجن والأشباح، كما أنهم يحاولون أن يوجدوا قراءات موحدة ومنطقية ثابتة للعالم!
وقد ذهب باومجارتن ألكسندر جوتليب في تعريفه للميتافيزيقا في كتابه (ميتافيزيقا 1957) إلى القول «بأنها العلم الذي يدرس الأسس الأولى أو المبادئ الأولى التي تقوم عليها المعرفة الإنسانية، وهذه الأسس هي أسس أنطولوجية (مفهوم الوجود) وكوزمولوجية (مفهوم الكون) ونفسية ولاهوتية». والميتافيزيقيا كلمة إغريقية قديمة تشير إلى العلوم المختلفة عن المادة والطبيعة كما كتب أرسطو في كتبه القديمة.
وقد قسم الفيلسوف أرسطو الميتافيزيقيا إلى ثلاثة ركائز أساسية هي: اللاهوت الطبيعي والذي يهتم بدراسة الدين ونشأته وتصورات الكون والنشأة الأولى للإنسان بفطرته وكيانه ويطرح الأسئلة الوجودية المتعلقة بالعلل الذاتية للوجود وإثبات وجود منظم أعلى للأشياء بدليل ذلك الانسجام الكوني بين الأشياء. أما الركيزة الثانية فهي الكوزمولوجيا (مفهوم الكون) والتي تعنى بدراسة المبادئ التي اعتمدها (أرسطو) لتكون هي الأساس لكل التساؤلات والاستفهامات حول الكون، بالإضافة لدراسة السببية والجوهر والمادة، وهذا ما اعتمدته الدراسات الفلسفية في مناهجها. لذلك يقول كارل ساجان: «إن الكون هو كل ما هو موجود وما وجد وما سيوجد!» وقد عزا سبب تحرك المشاعر عند دراسة الكون بأنه بسبب الاقتراب من أعظم الأسرار!
أما الركيزة الثالثة فهي الانطولوجيا (مفهوم الوجود) حيث تركز في هذه الناحية على دراسة الأشياء بعينها ومحاولة إيجاد العلاقة بينها، فالميتافيزيقيون لا يخلطون بين الوجود العقلي والوجود المادي باعتبار أن الوجود العقلي يثبت الوجودية وينفي العدمية بينما الوجود المادي هو اعتبار الشيء أو المادة جزء من الكون يتأثر ويؤثر فيه، وهم بذلك لا يطرحون السؤال عن كيفية عمل الكون؟ بل كيف يتمثل؟! وهذا ما يشغلهم بشكل حقيقي!
ولأن هناك تداخلاً مادياً بين الفلسفة والميتافيزيقيا ولأن الفلسفة قد طرحت سؤالاً قديماً عن أصل البداية، أو من أين أتيت؟ فإن ذلك يقودنا للبحث عن الأصل والفرع بينهما، ولمعرفة الجزء من الكل، إذ يقول بعض الفلاسفة إن الميتافيزيقيا ليست إلا فرعاً من فروع الفلسفة، وقد أطلق أرسطو على مجموعة كتاباته الميتافيزيقية التي صاغها بالطابع عنوان (الفلسفة الأولى) وهو وبلا شك عنوان يفسر العلاقة الشائكة حول الأصل والفرع بشكل تراتبي فلسفي.
بينما أعاد التاريخيون ذلك العلم إلى ما قبل عهد أرسطو، وعزوا ذلك إلى أمرين: أولهما هو إشارة أرسطو لطاليس في تعريفاته للميتافيزيقيا، وطاليس قد عُرف بأنه أول ميتافيزيقي، والأمر الثاني هو شمولية الميتافيزيقيا في الماورائيات لتدخل في علوم أخرى كالطب والهندسة والموسيقى.
وعلى الرغم من شمولية الميتافيزيقيا ونظرتهم في تكوين الأشياء وأصولها إلا أن هذا العلم ما زال يستند على تنظيرات الفلاسفة أياً كانت تخصصاتهم العلمية، ومستوياتهم، وفي الوقت ذاته فإنها لب الفلسفة برغم ما وصل إليه الفلاسفة من تأملات في سد الثغرات الكونية، وتلك هي المفارقة!
عادل بن مبارك الدوسري - الرياض
البريد الالكتروني: aaa-am26@hotmail.com
تويتر: @AaaAm26