المرأة في اللوحة التشكيلية بين ابتذال للجسد وبين دورها في الحياة والمجتمع
المرأة رمز الجمال والعاطفة ومنبع الحب والحنان في كل مهامها او موقعها في كل المجتمعات وبمختلف الديانات هي الأم والزوجة والأخت والابنة، أخذت حيز كبير في لوحات الفنانين في كل موقع قدم على أرض الله الواسعة على اختلاف الثقافات وميول الفنانين وكيفية التعامل مع هذه الكائن الأهم في حياة الرجل، المتميزة عنه بصفات الجمال والرقة وفوق هذا وذاك صفة الحياء التي تشكل إطاراً يضفي عليها مسحة تزيدها جمالاً.
فقد كانت المرأة مصدراً من مصادر الاستلهام والرئيسية في لوحات الفنانين علة اختلاف وتطور مراحل الفن وبكل الأساليب والمدارس الفنية، فقد تسابق فنانو الواقعية على إبراز جمال المرأة وولم يتخلَ عنها الفنانون، ففي كل أسلوب منها تظهر المرأة الأجمل من بين بقية العناصر روحاً وإحساساً حتى لو شابها ما شابها من تشوية أو تطمس للمعالم في الانطباعية والتجريد.
المرأة في اللوحات العالمية
لا شك أن ما تم استلهامه للمرأة في اللوحات العالمية أو ما تبع ذلك من تقليد عند بعض الفنانين العرب رغم قلة عددهم من امتهان لجسد المرأة واظهار مفاتن الجسد أكثر من الروح قد يكون للعقد الجنسية عند هؤلاء الفنانين مبدءاً لهذا التوجه مع قلة الاهتمام بها إلا من قلة مقتنين بغض النظر عن قدرات أولئك الفنانين في إبراز دقة التفاصيل خصوصاً في عصر النهضة. إلا أن موضوعنا اليوم هو الفنان العربي الذي حرص على كرامت لمرأة العربية وأظهرها في أجمل صورة.. وإبراز دورها في الحياة والمجتمع.
الأمومة والتفاعل مع المجتمع والأسرة
عندما نمعن النظر في استلهام الفنان العربي للمرأة في لوحاته نجد أنه يمر بحالات من الحيرة في كيفية إبرازها في اللوحة بين رغبة حين يتعلّق الأمر بثيمة المرأة، يبدو بعض الارتباك على منجز الفنان العربي؛ ذلك أن دافع إبداعي وبين إمكانية رضا المتلقي وعدمه كون المرأة حالة مستثناة في مجتمع محافظ من أن تظهر في أي عمل فني إبراز الوجه أو الجسد في غير الهدف المقنع ولو كانت على حالات الحشمة في اللباس.
ليحدث بعد ذلك مشكلة كيفية إظهار جمال المرأة الذي لا يتوقف على الوجه كما فعلها الغرب.. من هنا يبدأ الفنان التشكيلي في البحث عن الحلول تبعاً وتنفيذاً لرغبته في أن تكون للمرأة مكان ومكانة في إبداعه كونها تشكل نصف المجتمع.
ولنفترض أننا أقمنا معرضاً بكل حرية التعبير تكون المرأة مصدر الإلهام فيه بمشاركة من بلاد عربية وأجنبية، فستظهر الفوارق في تناول المرأة بين الفنان العربي والغربي، لوجدنا أن الفارق يكمن في نظرة الفنان العربي لهذا الكائن المهم في حياته وما اعتاد عليه من احترام وتقدير مما يدفعه لأن يبرزه فيما يحفظ لها هذه المكانة الاجتماعية والعاطفية والأسرية عكس نظرة الغربي للمرأة وليكن مقولة الفنان بيكاسو خير دليل على تلك النظرة في جملة جاءت في كتاب لفرانسوا جيلو بعنوان: «حياتي مع بيكاسو»، يقول فيها بيكاسو: (المرأة إما أن تكون ملاكاً أو ممسحة).
لقد اعتنى الفنان العربي بالمرأة في لوحاته فالتقط دورها الاجتماعي من خلال لوحات تبرز العلاقات الأسرية واجتماع الأسرة «أبناء وأب وأم» على سفرة العشاء أو لتناول فنجان قهوة أو عند إعداد العروس للزواج أو أي مناسبة تختص بالسيدات.. كما نرى المرأة في لوحات أخرى شريكة للرجل في الحياة والعمل اليومي في بناء المنزل أو الحقل كما هي لوحات الفنانين: عبدالجبار اليحيا المعنونة بالـ(البناء) أو تمثال الفلاحة للفنان المصري محمود مختار وهي تملأ الجرة من النهر أو ما استلهمة الفنان العربي العراقي محمد حكمة في نصب أو تمثال (كهرمانه) التي تملأ الجرار بالزيت من أسطورة تاريخية.
كما نرى مشاركة المرأة في المواقف الوطنية كما رسمها الفنان إسماعيل شموط وهي ترفع العلم الفلسطيني. أو ما نراه في كثير من اللوحات العربية من حنان وأمومة المرأة ودورها في النشء كما نراها في لوحة لوئي كيالي وغيرهم.
المرأة وتراث الوطن.
لا شك ان وجود المرأة في اللوحة التشكيلية لا تقل عن وجودها في القصيدة والرواية ويصبح استلهامها وتوضيفها في تلك الإبداعات ملك للمبداع ونظرته لها إن كانت تلك النظرة دونيه أو هدف للتسويق أو أنها جزء من تركيبة المجتمع ونسيجة الاجتماعي، كلما ارتقى بها المبدع منحها التكريم، وكلما أضفى عليها ما فرض عليها كأن تكون موديلاً للتعري وإبراز الجسد للتسويق كما هي اليوم في الإعلانات المبتذلة كلما أصبحت خارج عقلية الرجل الشرق خصوصاً الفنان الشرقي الذي يحرص دائماً وأبداً على أن يرى المرأة في اللوحة كما يحب أو يراها في مجتمعة ويسعد ويفخر أن يعرض تلك اللوحات في المعارض العلمية كما عرضها الغربيون في لوحاتهم مشاركة في الحياة ومكملة للرجل وما تقوم به من أعمال أو تلبسه من لباس أو تنتجه من مشغولات تشكل تراثا يستحق إبرازه من خلال مبدعته ومنتجته، لا أن تكون هي السبيل لهذه الرسالة بل الأصل فيها.
هذه الإطلالة القصيرة والسريعة لا يمكن أن تفي بالغرض أو أن تبين ما منحت المرأة فيه من اهتمام التشكيليين الذين أبدعوا وساهموا في تكريمها ووضعها في موقع تفخر به كشريك في الحياة مع الزوج والأبناء، أو اهتمامها بروح وأصل البيئة فلاحة كانت أو أم في منزلها أو في محاربة مناضلة وليست جسداً فقط بقدر ما هي أم العقول والرجال.
- monif.art@msn.com