في كلّ أوقات الحياة بتناقضاتها وأحوالها و تقلباتها، تحرّك هذا الإمضاء أسفل أروع القصائد والكتابات النثرية المؤثرة الملهمة في تاريخ الذاكرة العربية في العصر الحديث؛ ليوثّق ختما خالدا عرفته الأجيال التي عبّر عنها بآلامها وأحلامها وأحزانها وأفراحها اسمه: نزار قباني، الذي وضع في رفّ المكتبة العربية العديد من الدواوين والأعمال النثرية مثل: (قالت لي السمراء)، (الرسم بالكلمات)، (أشعار خارجة عن القانون)، (مئة رسالة حب) وغيرها من الأعمال النثرية والشعرية.
في إمضائهِ زاي خارجة عن سطر (التقليد) ممتدة إلى أعماق الدهشة الساحرة والانفعال الجمالي المؤثر، وإذا ارتبطت مع النون كأنها تلك العصا الشعرية النزارية التي ضرب بها القشرة الأرضيّة للحروف؛ ليهتزّ الإحساس والوجدان على مقياس - نزار - !
وحطم بتلك العصا تابوهات أمام العلن؛ ليصطدم في معارك جدلية لم يكن نصيرا له سوى: حرفه النزاري !
في منتصف إمضائه: قاف ملونة بكحل امرأة اسمها: بلقيس ؛ التي كتب فيها وأشواك الأسى في فؤاده:
« بلقيس..
يا عصفورتي الأحلى..
ويا أيقونتي الأغلى
ويا دمعاً تناثر فوق خد المجدلية
أترى ظلمتك إذ نقلتك
ذات يومٍ.. من ضفاف الأعظمية
بيروت.. تقتل كل يومٍ واحداً منا..
وتبحث كل يومٍ عن ضحية
والموت.. في فنجان قهوتنا..
وفي مفتاح شقتنا..
وفي أزهار شرفتنا..
وفي ورق الجرائد..
والحروف الأبجدية...
ها نحن.. يا بلقيس..
ندخل مرةً أخرى لعصر الجاهلية..
ها نحن ندخل في التوحش..
والتخلف.. والبشاعة.. والوضاعة..
ندخل مرةً أخرى.. عصور البربرية..
حيث الكتابة رحلةٌ
بين الشظية.. والشظية»
إمضاء الشاعر نزار قباني: عصا شعرية خالدة ممتدة إلى أعماق الخلود والإبهار.
حمد الدريهم - الدلم