ربيعٌ من الدهشة وموسمٌ من الجمال، هكذا يصف الشاعر الكبير جاسم الصحيح الشاعر السعودي الشاب حيدر العبدالله (25سنة) الذي مثل الوطن مؤخرا خير تمثيل في مسابقة برنامج أمير الشعراء الذي تنظمه وتنتجه وتدعمه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي على مسرح شاطئ الراحة وكان قد شارك في الجولات الأولى من المسابقة لهذا العام أيضا الشاعران السعوديان مفرح الشقيقي وحسن الصميلي إلى جانب عدد من الشعراء العرب.
وكشف العبدالله عبر مشاركته هذه عن موهبة شعرية أصيلة تنثال بعفوية وغزارة بعد أن تم نحتها وصقلها جيدا بالقراءة والتأمل والاطلاع مجسدا بنبوغه الشعري المبكر وموهبته الإبداعية المتميزة ظاهرة شعرية جديرة بالاحتفاء تمتلك صوتها الشعري المتفرد رغم بساطته الظاهرية الأمر الذي يجعل من شعره إبداعا سهل التلقي قادرا على فرض حضوره بقوة طاقته التخيلية والتصويرية، فهو السهل الممتنع الذي لا تمتلك حياله إلا أن تعتنق الدهشة.
يقول حيدر في قصيدته « تلويحة للكهرمان والمطر»، والتي ألقاها في الحلقة التاسعة من المسابقة: عربي أنا وقلبي ربابة/ أسمع الماء قبل بوح السحابة/ زمزمي دمي وهاجر أمي/ علمته أن لا يخون سرابه/ فدعوني أجرب اليوم قلبي/ مع ليل المريخ أطرق بابه/ ربما أينع الغياب وحنت /غيمة في سماء لانسكابه/ الحياة التي هناك توارت/ لن يرد الحياة غير الصبابة/ بدوي أنا وأعرف ريحي/ وغباره إذا الفضاء تشابه».
وهي أبيات غاية في الدفق الشاعري والشفافية مكتنزة بالعاطفة تعبر بأناقة عن قلق الإنسان العربي وتطلعاته النفسية وإحساسه المرهف وشغفه المفرط بسر الحياة الماء بكل تجلياته وصوره ورمزيته الوجودية.
ولنقف على سر نبوغ حيدر الشعري المبكر بالإضافة إلى موهبته وما حظيت به من عناية واهتمام على مستوى الأسرة والمحيط علينا أن نصغي له وهو يتحدث في مطلع الحلقة التاسعة من المسابقة بأن:» الشيء الذي أتمنى أن يختفي من العالم هي الضوضاء»، فهو يدرك بحساسية الشاعر وبصيرته بأن أحد أهم أعداء الشعر والإبداع عموما هي الضوضاء التي تخلق في وجه المبدع ألف ستار وستار يحول بينه وبين أن يبصر عوضا عن أن يصطاد لآلئ الوجود وكنوز الذات الغائرة، حيث الهدوء نعمة تمكن المرء من أن يصيخ السمع للكون وذراته ويستنطقها إبداعا وشعرا أشبه بالكشوفات يطلقه عبر تراكيب شعرية مبتكرة وأفكار جديدة تنم عن وعي شعري وثقافي عميق.
فالشاعر والحال هذه ليس صيادا عاديا للمعاني فحسب بل مبدعا قادرا على الاستمتاع بتفاصيل الحياة وتذوقها وسبر غور التجارب ومحاولة عيشها بعمق والتواصل الحميمي مع الأشياء والكائنات ومحاورتها وأبصارها دون حجب.
والحقيقة أن ما يثري من شاعرية العبدالله ويزيدها عمقا مع الأيام هو اطلاعه على تجارب شعرية متنوعة وها هو حاليا يعكف على ترجمة عمل شعري لأحد الرموز الشعرية العالمية وهو الشاعر الأميركي بيلي كولينز الذي عُين شاعراً للبلاط الأمريكي من عام 2001 إلى 2003.
كما ستصدر للعبدالله المجموعة الشعرية الأولى قريبا بحسب تصريحه، بعد أن جرب «كل الأشكال الشعرية، من عمود وتفعيلة، ونثر أحيانا، حتى أني أكتب الشعبي والإنجليزي أيضا»، كما جاء في حوار له. مؤكدا جدارة تجربته الشعرية بأن تصدر عبر مؤلف مدون وتقرأ وهو الذي نال لقب وبردة شاعر شباب عكاظ عام 2013 في النسخة السابعة للمهرجان عن قصيدته الوطنية الشهيرة «رملة تغسل الماء»، بعنوانها الشعري المبتكر والصادم للمخيلة والحواس والتي يقول فيها مشبها الوطن بحقل سنابل القمح المعطاء داعيا من خلالها لتكاتف أبنائه في الحفاظ على تماسكه ولحمته فهو وطن ليس ككل الأوطان : وطن كالقمح إن أعطيته نية الفلاح أعطاك غلاله/ سنفدي بالحنايا غيمه/ سندفي بالشرايين تلاله/كلنا رهن شراع واحد فهلموا كلنا نشدد حباله.../ وَطنُ النفْحِ السّماويِّ، فهلْ منْ نَبيٍّ، ثَمَّ، لمْ يعبُرْ خِلالَهْ؟/ حسْبُنا أَنَّ لَدَيْنا المُصْطفى/ ولنا الأرضُ التي اللهُ اصطفى لَهْ/ منْذُ (سامَ) الأبِ والناسُ هُنا/ يبْذُرونَ المجدَ، يجْنُونَ الجلالَة/ مِنْ جُذوعِ النخْلِ يبْنُونَ الحِمَى/ويَحِيكُونَ منَ الخوصِ ظِلالَهْ/ يَغْسِلُونَ الماءَ بالطينِ، فَفِي الــطينِ أعْماقٌ، وفي الماءِ ضَحالَة.
وإن كانت ثقة العبدالله بشاعريته المتدفقة التي برزت في وقت مبكر كبيرة تدفعه لأن يقول: هناك الكثير من الشعر ينتظرني لأكتبه وأقوله ونحن بدورنا كمتلقين ومؤمنين بشاعريته وبقيمة الإبداع وأهميته في بناء الحياة واكتشاف الوجه الأجمل منها سننتظر منه دائما الشعر الذي نستحق.
شمس علي - الدمام