في عدد (الجزيرة) يوم الجمعة الرابع من شعبان الجاري، جاء العنوان في صفحة (الفن) من بيروت: (الجزيرة زارت موقع التصوير.. راشد الشمراني: مسلسل «سبعة» يستحق المجازفة). وفي سياق الحوار مع الممثل السعودي النجم راشد الشمراني قال: (المسؤولية واردة لكون الرواية أولاً للدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- المعروف كقامة عربية مهمة، وعندما نقرأ نصوصه عن شخصيات نشعر أنها شخصيات تنبض أمامنا..).
رواية (7) الصادرة عن دار الساقي عام 1998 جاءت امتداداً لرواية (العصفورية) الصادرة عن الدار نفسها عام 1996 والامتداد المقرر هذا -أو كما أراه مقرراً، وسأبينه هنا- في تصوّري فقط، ولم يفصح عنه الأديب الراحل د.غازي القصيبي؛ ولم أقرأ توصيفاً يفصّل له ضمن ما قرأت من مقالات كتبت عن الروايتين.
وكنتُ قد كتبتُ -هنا في الجزيرة- عن العصفورية سنة صدورها ووصفتها بأنها تؤسس لتقنية جديدة في السرد الروائي.
كذلك كتبتُ عن (7) وتمنيت لو أنها كانت (9) مستشهداً بما جاء في الرواية نفسها، على لسان أحد أبطالها (الفلكي الروحاني) كاشفاً عن أسرار الرقم تسعة، يقول: (الرقم 9 هو ملك الأسرار بين الأرقام.
يكفي أن نتذكر أن الرقم 9 إذا ضُرب في 9، أو في أي رقم آخر فإن الناتج سيكون دائماً، عندما يُجمع، رقم 9.
وعلى سبيل المثال:
9 × 1 = 9
9 × 2 = 18 = 8 + 1 = 9
9 × 5 = 45 = 5 + 4 = 9
9 × 10 = 90 = 0 + 9 = 9
وهكذا إلى إيّ رقم تضعه.
و.. رقم 9 عند العالمين بأسرار الأرقام يرمز إلى أشياء كثيرة، يرمز إلى الإنسان نفسه، ويرمز إلى البقاء والصمود. ويرمز، عند السحرة، إلى الشيطان.
الشيطان؟! كيف؟! رقم الشيطان المعروف هو 666 فإذا جمعناه أصبح:
6 + 6 + 6 = 18 = 8 + 1 = 9
عندما بلغتُ هذا الحد شعرت برغبة لا تقاوم في تلاوة العزيمة..).
وبعد، فأنا أرى الآن أن الدكتور غازي القصيبي، رحمة الله عليه، بالفعل أصدر رواية (9) تترجم لتسعة من الرجال المحركين لعجلات كثيرة في حياتنا المعاصرة، تدور أحياناً بعكس اتجاهات شعوبها أو مريديها، غير أنها تتماهى دائماً مع تياراتها الشخصية..أو تستطيع الاستفادة من توجهات الرياح لتهبّ معها.. أو.. هي الشخصيات المحورية في عالمنا، ولكنها جاءت مجزأة على ثلاث روايات.. كان الجزء الأول منها (العصفورية) 1996 مع شخصية (البروفسور)، ثم جاءت (سبعة) 1998 مع 7 شخصيات هم: الشاعر، الفيلسوف، الصحفي، الطبيب النفساني، الفلكي الروحاني، رجل الأعمال، السياسي. وجاءت بعدهما رواية عَنوَنَها القصيبي باسم شخصيتها المحورية (أبو شلاّخ البرّمائي) عام 2000 وكانت هذه الأخيرة هي التي مُثلت في الدراما التلفزيونية المحلية الرمضانية بطريقة كوميدية -ساذجة حدّ السماجة- لم تقترب أبداً من قيمة الرواية المعرفية والإبداعية.
إذ لم يكن لمثل هذه الشخصيات أن تُكتب وتظهر أسرارها للناس إلا بعقلية سياسية إدارية (رصينة) وأدبية إبداعية (متهوّرة) لم تكتمل بوجهيها لدى أحد من المثقفين المعاصرين كما اكتملت لدى الراحل غازي القصيبي، وظهر اكتمالها متجلّياً في هذه الروايات الثلاث تحديداً. ففكرتها أساساً والتقنية الأسلوبية في صياغتها تميّزها عن بقية الروايات والقصص التي ألّفها الدكتور غازي القصيبي، مثل: شقة الحرية، ألزهايمر، رجل جاء وذهب، دنسكو، وغيرها..
هي مجازفة مني إذاً، أن أستلّ من أعمال القصيبي الروائية هذه الروايات الثلاث وأربطها ببعضها لأؤكد على أنها رواية واحدة (ثلاثية) تترجم لتسع شخصيات هي الشخصيات الحقيقية المحورية في إدارة عالمنا -المجنون- المعاصر، وهي المحرك لكل الأحداث التي نحسبها تتحرك بمن يتصدرون الواجهات بالعقلية التقليدية آلية التعاقب حركة وسكوناً! غير أن المجازفة الراهنة، هي كما قال راشد الشمراني، في تقديم هذا العمل تلفزيونياً بإخراج محلي يتولى أمره المخرج عامر الحمود؛ ويدور تصوير معظم أحداثه في بيروت التي هي محور الأماكن في الرواية كلها منذ (العصفورية) وحتى (أبو شلاّخ) مروراً بسبعة التي نترقبها الآن.
فهي المجازفة فعلاً ألا يقع العمل في السطحية التي وقع فيها (أبو شلاّخ)..
حتى يكون هذا العمل (سبعة) هو التدرج العكسي للروايات الثلاث -أو الرواية بأجزائها الثلاثة!- ليأتي فيما بعد العمل الأضخم (العصفورية) وأحسب ذلك لن يتأخر إذا حققت هذه المجازفة الجزئية نجاحاً يرضي العارفين بقيمة أعمال القصيبي الفكرية والإبداعية.. الاستثناء.
- الرياض
ffnff69@hotmail.com