فاطمة البلوي روائية سعودية دخلت عالم الرواية مؤخرًا ولكنها تخطو في هذا العالم بخطوات ثابتة برائعتها الأصيلة « نساء من أرض مدين « والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل كل مرحلة منها يمكن التعامل معها كرواية مستقلة.
* تأخذنا الروائية بقدرتها الروية الفائقة إلى الصحراء الفقيرة بمعطياتها المادية ، الغنية بمعطياتها المعنوية وتضع أيدينا على جذور تلك النظرة القاصرة الموجعة للمرأه في مجتمعنا وهي نظرة أوجدتها الظروف واستمرت حتى بعد زوال الظروف وتغير وجه الحياة ورغم أن الرواية تعكس حياة البادية وما فيها من قسوة وترحال للجميع رجالاً ونساء إلا أنها تسلط الضوء على المرأة تحديداً لأنها تأتي مروية على لسان النساء إذ تتولى الرواية إحدى بطلاتها واللاتي ينحدرن جميعاً من نفس الأسرة فهي من روايات الأجيال التي تمتد في الزمان.
فتبدأ الرواية «لهاوه» الطفلة التي تروي قصة والدتها التي شاهدت من مخبأها خلف صخرة مقتل أبيها و أمها و هروب أخيها نتيجة مهاجمة لص جائع لهم ألقت به الصحراء إليهم ليتشتت وينهار بناء أسرة كاملة في لحظة ومن لحظات الجوع والفقر والحاجة التي تعمي الإنسان ويصبح هاجسه فقط التشبث بالحياة حتى ولو قتل ونهب ولكن هذه الجدة كتب لها النجاة لتؤسس أسرة تمتد إلى عدد من الحفيدات اللاتي سيتناقلن متابعة أحداث الرواية في الفصول اللاحقة.
تتكشف في هذه الرواية ملامح المرأة البدوية وكيف تشكلت ونظرة المجتمع لها و التي رغم زوال أسبابها و ظروف صناعتها إلا أنها مازالت قائمة الملفت للانتباه أن فاطمة البلوي تتبعت تشكل شخصية المرأة في الجزيرة تاريخياً في مراحل اكتساب الهوية البدوية الخاصة منذ مرحلة ما قبل العهد السعودي، وفي هذا الجزء من روايتها ترسم صورة واضحة لمرحلة منسية من تاريخ المجتمع فتتناولها بمهارة سردية يغذي خيال القارئ بصورة متكاملة وكأنه عاش هذا الواقع الذي تحكيه الروائية إذ تدخل في تفاصيل دقيقة ووصف شعوري ليصعب عدم التفاعل معه وهي في أثناء سردها للأحداث التي يسلم بعضها لبعض بتلقائية وحبكة فنية ماهرة تسرب لك حقائق تاريخية و قيم اجتماعية و نظرات فلسفية في الحياة و الوجود.
الرواية عمل فني ضخم ورائع يمكن تحويله بسهولة إلى عمل درامي رائع إن وجد التحويل الجيد والإخراج الفني المبدع الذي ينقله للجمهور بصدق لأهميته في توثيق مراحل مهمة من حياة الإنسان في هذه البقعة الجغرافية من جزيرة العرب في حقبة تاريخية مهمة ومنسية في الوقت نفسه.
تميزت الرواية بالحبكة الفنية الجيدة والتسلسل الروائي والمنطقي الأخاذ والخيال الثري والذي ظلت محتفظة به من البداية وحتى النهاية بنفس الجودة لولا تسارع كبير بدأ يعتري أحداث الرواية في فصلها الأخير وتحديدا في آخره اتضح من خلاله أن الكاتبة تستعجل النهاية وإن كان هذا التسارع مازال ضمن السياق المنطقي والمقبول ولكنه يسلب القارئ شيئا من الاستمتاع بذات الخيال والتأمل.
إجمالا العمل بأكمله هو علامة مميزة في الرواية السعودية والخليجية من حيث تمثيله لبيئة المنطقة ذات الخصوصية المميزة والثراء التاريخي مما يجعله مرشحا وبقوة ليؤدَّى كعمل درامي لتوافر العوامل المناسبة فيه.
نورة آل فاضل - الخفجي