الثقافية - محمد هليل الرويلي:
«أعلنت المؤسسة العامة للحي الثقافي بالدوحة أسماء الفائزين ب»جائزة كتارا للرواية العربية» والتي جعلت شعارها في نسختها الأولى «للرواية حق التكريم» نتائجها فيما خلت فروع الجائزة العديدة من الأسماء السعودية المترشحة في الرواية المطبوعة المنشورة وغير المنشورة وقد علق عدد من المثقفين العرب عبر مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي «الإعلام الجديد» أو الإعلام المشارك عن تفاجئهم المصحوب بأسفهم وانتقادهم للتوجه المكرس لتقديم الأسماء الشهيرة وتعزيز النخبوية حتى الآن في الوقت الذي كان الجميع يعول على «كتارا» خروجها عن النمطية والنسقية وترشيح أسماء جديدة أو شبه معروفة في عالم الرواية تساؤلات واستفهامات مخلوطة بجدل واسع حيث كان من المتوقّع أن تثار بعد هذا الإعلان للنتائج إذ كانت التوقّعات أن تفسح المجال الجائزة العربية الأكبر التي وضعت بصمتها منذ نسختها الأولى بين أوراق الأدباء والمثقفين والروائيين لما لهذه الجائزة من اتساع في حقولها وقيمتها المالية ولما لها من مجالٍ أوسع لأسماء جديدة غير أن المفاجأة التي صدمت الغالبية المثقفة من النقاد والباحثين والأكاديميين والروائيين هو انحصار الجوائز عند المشاهير من الروائيين وهو ماكان غير متوقع في سياسة الجائزة مقابل الأسماء المتوقع فوزها من الأقلام الشابة في سوق الجوائز.
الجدير بالذكر أن 35 رواية سعودية شاركت بها دور النشر لم تدخل جميعها المرحلة النهائية للفرز النهائي فيما استبعدت هذه الروايات من جميع فروع الجائزة وصرح ل»الثقافية» عضو اللجنة لجائزة كتارا العربية في نسختها الأولى الدكتور معجب العدواني إنه لم يصل للجنة في مراحلها الأخيرة أي رواية للروائيين والروائيات السعوديين.
الجدير بالذكر أن رواية مملكة الفراشات للروائي الجزائري واسيني الأعرج فازت بقيمة 200 ألف دولار مع حقوق تحويلها إلى عمل سينمائي كما فاز الروائي المصري سامح الجباس بجائزة الكبرى في الروايات غير المنشورة عن روايته حبل قديم وعقدة مشدودة بقيمة 100 ألف دولار مع حقوق تحويل العمل. وقال المشرف العام على الجائزة خالد السيد نحن نعيش لحظات انتظرناها على مدار عام من العمل الدؤوب شاركت فيه لجان عدة لنصل إلى هذه اللحظة مؤكدًا أن الثقافة باتت صناعة مقدمًا الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذا الحدث. ثم تم تكريم أعضاء لجان التحكيم العاملة في الجائزة.
***
الروائية والباحثة السعودية فاطمة البلوي والتي شاركت بروايتها «نساء من أرض مدين» هذه الرواية التي وصفها النقاد بالتراجيديا التاريخية والعمل الدرامي الذي يحكي عن دور تشكل الهوية والدور النسائي بقالب سردي منذ ثلاث مئة عام وحتى عصرنا الحالي علقت على نتائج الجائزة وقالت البلوي : إن التجربة الكبيرة التي تخطتها الرواية في السعودية , جعلتها حاضرة في مقدمة الأدب العربي, وأصبحت تتمتع بقيمة فنية ولغوية وأسلوبا وتخيلا روائيا وحبكا في البناء الروائي , هذا التميز والانفراد حرك وجهة الدارسين والباحثين والنقاد ومقدمي رسائل الدرجات العلمية العالية كالدكتوراه والماجستير صوب البحث في أعماقها وتحليلها والخوض في بواكيرها وتتبع مراحل تطورها ,وما قدمته الرواية السعودية من حراك ثقافي على المستوى العربي يعطي دليلا قاطعا لما وصلت له الرواية السعودية بميزة تفوقت بها على باقي دول الخليج وجعلتها في مقدمة الدول العربية أدبيا.
وأضافت أظن أن جائزة كتارا التي تهدف للارتقاء بالرواية العربية تجهل هذا التقدم في الرواية السعودية, ولكن ينطبق عليها ما يحصل للشعراء السعوديين في برنامج شاعر المليون ,فقد بات واضحا بدول الخليج التي تستغل المثقف السعودي كديكور في مشاريعها الثقافية لمعرفتها العميقة بما يتمتع به من ثقل وبعد أدبي ذو جذور ضارب في الأصالة الأدبية, لتأخذ منه معبرا لنجاحات مشاريعها الثقافية, لمد برامجها للعالمية. وفي مضمونه طمسا للمثقف السعودي, ليعبر على ظهره المتسلقون. والذي دائما ما أنبه له.
بالنسبة للجنة جائزة كتارا انقسم أعضاؤها لقسمين , قسم خليجي مدعوم بنظرة أملاها عليه فكر خارجي مستورد أعطاه انطباع أن الجزيرة العربية لا تتمتع بعمق ضارب بفن الرواية , وهذا أكبر إجحاف للسعودية , لأن أعظم السير والروايات العربية موطنها الأصلي الجزيرة العربية وهم أول من عرف الرواية ,وأما القسم الآخر من اللجنة قسم عربي ينظر أن ثقافتهم ذو تاريخ متأصل فلا يجب أن يفوز بها غيرها, وضاع المثقف السعودي بنظرة تحتاج لتوعية داخلية قبل البدء بأي مشروع ثقافي خليجي. وتصحيح لنظرة خارجية عربية للخليج أدبيا , بدليل جميع الفائزين من المغرب ومصر والشام , وما الفائزون الوحيدون من البحرين والعراق إلا لحفظ ماء الوجه
وزادت البلوي ورسالة لكل مثقف سعودي: من هذا المنبر أقول: لن تنجح المشاريع الثقافية الخليجية بدون حضور المثقف السعودي الذي تستمد منه قوتها.قليلا من الشجاعة , واترك ما يصبوا له المشروع الثقافي الخليجي ليطفو على ظهر المثقف السعودي. وسترى الفرق!
فيما بارك في البداية فواز عزيز الكاتب الصحفي في جريدة الوطن لكل الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية، وخاصة الفائزين عن فئة الرواية غير المنشورة «المخطوطة» لأنها قدمت أسماء جديدة سيلتفت المتلقي لإبداعها، وهي أحد أهم فوائد الجوائزة الثقافية والأدبية. غير أنه غير متفائل أيضًا بفوز أي سعودي بالجائزة في نسخاتها القادمة وأضاف بالنسبة لغياب الرواية السعودية والمؤلف السعودي عن جوائز كتارا، فمن الطبيعي أن لا تفوز أعمال روائية سعودية منشورة بجائزة كتارا لأن ترشيح الأعمال الروائية المنشورة للجائزة يأتي عن طريق دور النشر، ودور النشر لم تنجح سابقاً في تقديم أعمال روائية جيدة للسوق في السنوات الأخيرة، فجل ما تقدمه دور النشر لسوق الكتب هو غثاء وليس إبداعاً، وكأنها تبحث عن الربح المادي فقط ولا تفكر بالربح الثقافي. لست متفائلاً بفوز أعمال روائية سعودية بجائزة كتارا لفئة الرواية المنشورة في الأعوام القادمة، لكن اتمنى أن يهتم المؤلفون بترشيح أعمالهم المخطوطة للجائزة، فربما نجد روايات سعودية فائزة بجائزة كتارا لفئة الرواية غير المنشورة؛ لأني أعتقد أن لدينا مبدعين لكن سوق النشر لم يخدمهم لتقديم إبداعهم للمتلقي.
***
أما الدكتورة الشاعرة. هند عبد الرزاق المطيري فقالت لا شك أن العدد الضخم من الروايات السعودية التي تصدر كل عام، والأعداد المتزايدة للروائيين السعوديين تجعلنا أمام أسئلة ملحة عن القيمة الفنية والأدبية لهذ النتاج، وعن استحقاقه للفوز بالجوائز التي تحتفي بجنس الرواية محليا وعالميا. وحين ننظر في النتائج التي تمخضت عنها جائزة كتارا للرواية العربية في موسمها الأخير، التي انتهت بفوز عدد من الروائيين من دول عربية متعددة؛ عن فئتي الرواية المنشورة وغير المنشورة فإننا نستغرب غياب النتاج الروائي السعودي، ولا نعلم سببا لذلك. لكن هذا- على كل حال- مؤشر مهم على حاجتنا لمراجعة نتاجنا الروائي وفق أدبيات الفن ومعاييره.
وترى المطيري أنه قد شاع في عدد من الأوساط( المتشائمة) أن الرواية السعودية لا تمتلك من المعايير الفنية ما يمنحها التميز الذي هو سبيل التفوق، وأنها لم تفعل شيئا سوى خروجها عن المألوف( الثقافي القار) من أعراف المجتمع وعاداته، أي أن أدوات الرواية لم تنضج بعد، ولذا لجأ الروائيون إلى قاعدة( خالف تعرف)؛ لكن القاعدة خانتهم، ودفعت بهم إلى بوابة(الكثرة تغلب الشجاعة) فجاء الإنتاج كثيرا لكنه بلا أدوات.
لست أقلل من قيمة الرواية السعودية لكني أناقش الروائيين في أعمالهم، فقد بتنا- في كثير من الروايات- نرصد الأحداث القادمة بمجرد قراءة الصفحات الأولى؛ فالخروج الأول على العادات ومخالفة السائد هو ما يجذبنا للقراءة وليس فنيات العمل. إن طباعة الرواية ونشرها لا يعنيان أنها صالحة للتداول فنيا ولا أنها قابلة للقراءة بوصفها إبداعا، بل لتوكيد وجود عمل واسم في أحيان كثيرة؛ وهذه زيادة وليست إضافة، ما يخلق مزيدا من الترهل في مستوى النتاج الروائي. فداخل هذه الكث رة تغيب العديد من الأعمال الجيدة والأسماء المبدعة، وهذا مبرر منطقي لعدم الفوز.
***
أما الروائي أحمد الهلالي وهو أحد المشاركين بجائزة كتارا برواية «سدرة المنتهى» فيقول أن جائزة كتارا الضخمة للرواية العربية التي منحت قبل عدة أيام لعدد من الروائيين العرب، سواء على مستوى الروايات المنشورة أو غير المنشورة، لايمكن التشكيك في نتائجها لأنني لم أقرأ الأعمال الروائية التي فازت، وحتى لو خلت النتيجة من الروايات السعودية، فهذا لا يعطي الحق في بناء أسوار الظن حول الجائزة، أو اتهام الرواية السعودية بالضعف. ويضيف الهلالي هناك أخطاء منهجية قرأتها، فقد أعلنت إدارة الجائزة عن وصول 711 رواية منشورة وغير منشورة، وقد أربكها هذا الكم الهائل وجعلها تتراجع عن موعد منحها الأول، لكنها وقعت من وجهة نظري في خطأ آليات التحكيم، فهذا العدد الهائل لم يكلف بتحكيمه واصطفاء ثلاثين عملا فقط سوى تسعة محكَّمين، جلهم من جامعة قطر، وتقليص العدد 711 إلى ثلاثين فقط وإلغاء 681 عملا من اللحظة الأولى وبتسعة محكَّمين فقط خطأ عميق كان يجدر أن تحتاط له إدارة الجائزة، وأن تضم الدائرة الأولى للتحكيم عددا أكبر من المحكَّمين يصفّي النصف، ثم دائرة أخرى للنصف الجديد، ودائرة ثالثة وهكذا حتى تصل للنتيجة النهائية.
وزاد وقعت الجائزة في خطأ محاولة التميز عن الجوائز الأخرى للرواية، وحجبت القوائم الطويلة والقصيرة بحجة أن الروايات غير المنشورة ليست معروفة عند القراء لأنها لم تنشر بعد، وهذه الحجة أضرت بالروايات المنشورة والتي جاوزت مئتي رواية، كان لها حق الظهور في القوائم، ولا بأس أن تتميز، لكن أن يكون تميزك إضافة، وليس شطبا لما تعارف عليه الناس. وأشار الهلالي إن الرواية السعودية لا يحكم على قوتها وضعفها بفوز إحداها في جائزة دولية، فربما لم يعلم بعض الروائيين عن الجائزة، وبعضهم لم يشارك، فحسب علمي أن الروايات السعودية المشاركة في الفرعين لم تتجاوز 35 رواية، وربما لم تستحق الفوز، ولا يستطيع الإفصاح عن هذا الأمر سوى لجنة التحكيم، وربما يكون د. معجب العدواني أصدق حديثا من تحليلاتنا وتكهناتنا.
فوز رواية (عمر الفراشة) بجائزتي كتارا، يفتح النظر على نية الجائزة تكريس نفسها بفوز اسم شهير يعطيها قوة وحضورا في المشهد الروائي العربي، وهذه النظرة سلبية إذا صحت، غير سلبية التسريبات التي انتشرت قبل الإعلان بأسبوع تقريبا، ودللت على ضعف إدارة الجائزة، وإحكام قوانينها.
***
بينما قالت كاتبة رواية «موعد مهم جدًا ورواية ماسحو الأحذية» عائشة الدوسري إن استحداث جائزة جديدة للرواية العربية يعد انتصار لنا كروائيين. فتعدد الجوائز في هذا المجال يحفزنا على بذل المزيد من الجهد والعطاء. ومع انطلاقة جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الأولى عُلقت آمال كبيرة في إمكانية الترشح وربما الفوز بهذه الجائزة، خاصة وأن القسم الثاني منها مخصص للأعمال غير المنشورة ، مما يبشر بوصول أسماء جديدة تقطع نصف الطريق للشهرة من بداية المشوار. بالنسبة لي أرى أن المشاركة في مثل هذه الجائزة حق مشروع لكل روائي وتجربة جميلة، وأحبذ المشاركة مستقبلا ًان شاءالله بعمل روائي جديد. ولا يعني إطلاقا عدم فوز روائيين سعوديين بنقص في الصنعة الأدبية لدينا، فالجائزة تمنح بكل نزاهة للأفضل بدليل أنها وبدورتها الأولى لم تحابي الأسماء الكبيرة في مجال الرواية من أجل التسويق. وأنا على ثقة بأن روائيينا سيكون لهم نصيب مستقبلا بالفوز.
واختتمت الدوسري حديثها «للثقافية» أنا أدعو نفسي وزملائي الروائيين إلى العمل على تطوير أنفسنا أكثر ولا يكون جل همنا منصب على جائزة. فكل مجتهد سينال نصيبه إن عاجلًا أم آجلًا، هي فقط مسألة وقت.