أتذكر اليوم، وأنا أرى صورة الطفل اليمني، الطفل الذي كان يحمل حقيبته المدرسية متجهاً لمدرستهِ، أصبح يحمل السلاح متجهاً إلى حيث أرادت الميليشيات المتطرفة، وأبكي على هذا التطرف الذي يملأ العالم.. ولم ينجُ من ناره حتى الصغار!
أرى صورة طفلٍ يحمل السلاح، فأعرف أن الجنون ليس له حدود، وأن الدمار ليس له شكل، وأن الجهل داء يفتك بنا حتى العظم.. إنها صورة أبشع من كل صور الدماء.. والأشلاء.. والدمار؛ لأنها من تخلفه، ولن أخوض في أطفال يحملون السلاح وقد تجاوزوا الأربعين من أعمارهم؛ لأن طرق غسل الأدمغة تعددت في زمن التعددات المخيفة.
إن كان قد قال الطفل العراقي لمن دمروا العراق على لسان فاروق جويدة «من قال إن النفط أغلى من دمي»، فإن صورة الطفل اليمني اليوم تصرخ «من قال إن المذاهب تحيا بالدماء»!!
إن الحوثي الذي قال ذروني أقتل كل ما له علاقة بالعلم.. والمعرفة.. والتقدم.. والأمن.. وكرامة البشر، في سبيل الإضرار بإسرائيل وأمريكا - زعموا - خلف 6 ملايين طفل لم يذهبوا لمدارسهم؛ لأنهم لم يجدوا مدارس يذهبون لها؛ فكل مدرسة من تلك المدارس جاءها نبأ عظيم، إما أنها تحولت بقدرة صاروخ حوثي إلى ركام، أو أنها فقدت بعض أعضائها في الصراع، ومن الممكن أنها تحولت فجأة إلى ثكنة عسكرية، وأجمل أقدارها عندما تتحول إلى ملجأ للنازحين من ويلات النار والحديد!!
سادتي.. إن أهمية التعليم لا تنبع من أهمية العمل، وإنما تصب فيه؛ فالتعليم كان - ولا يزال - على مر السنوات العجاف والسنوات الخضر، وفي كل الحضارات والثقافات، ركيزة أساسية، ومبدأ لا يمكن التنازل عنه في التقدم والرقي والعيش بكرامة.
والسؤال: كيف لجماعة الحوثي، التي كانت تسيطر على بلدٍ بأكمله بدعوى نصرة الله الذي علَّم بالقلم، أن تجعل القلم والكتاب خلف ظهرها، فإذا بها تفضح بوليسيتها المذهبية، فتكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً!!؟ وهي تعلم - أو لا تعلم - أن نسبة الأمية القرائية في اليمن 70 % في الأرياف، وتصل إلى 38 % في المدن؟ وكيف لهذه الجماعة الإرهابية بامتياز أن تفرض على الناس لونها، وطريقتها، وهي تعلم أن عدد قطع السلاح في بلادها قد يتجاوز عدد الكتب، زاعمة أنها تقود اليمن إلى النور... وهي تقوده - حتماً - إلى النار.. والدمار؟!
عبدالرحمن البكري - نجران