إن التجربة السينمائية السعودية محدودة ومحصورة، وحينما نسمع عن فيلم سعودي، نبحث عنه ونراه بترقب وتحسس عن مدى نجاحه، وتجاوزه لنظرائه في العالم العربي.
ولكن فيلم بوصلة يؤكد لنا الطاقات الحرة التي يملكها شبابنا في توصيل أفكارهم وفنهم للعالم بعفوية وجمال، ومقدرتهم العالية على حرق المسافات واللحاق بالثورة السينمائية في العالم.
الفيلم الذي أخرجه مجتبى سعيد، وكتبه أخوه علي سعيد، صُوّر في برلين، عاصمة ألمانيا. الفيلم الذي يبدو أنه صراع بين المبتعثة المثابرة نورة الأحمد، وزوجها (المحرم) مشعل، الذي تحتاجه فقط لإكمال سيرتها التعليمية. وكيف للمرأة أن تبقى دومًا تحت مظلة الرجل، حتى لو كانت هي المتعلمة والشغوفة بالحياة. يتوسع هذا الصراع الصغير في بعض القضايا الاجتماعية والدينية، لينتقل إلى صراع يقع بين الأقلية الإسلامية في ألمانيا حول اتجاه القبلة.
الحوارات والحبكة كانت عميقة، ففي الأقليات يلتقي المتباعدون ثقافيًا وحضاريًا ليجدوا أنفسهم مضطرين تحت مظلة واحدة. هذا الإلتقاء تحت مسمى (الأقلية الإسلامية )، هو في الجهة الأخرى تباعد شديد وتباين، في منطلق الرؤية للدين والحياة. ويظهر ذلك عميقًا في الحوارات، التي تظهر هذا التباين في الرؤية للدين بصورة نمطية تركز على الدين من جانبه الفيزيائي،كما في شخصية مشعل، أو في الشخص المختلف جلال الذي يرى الدين انطلاقًا من القلب والروح، ولا نراه يخوض أي نزاعات مع الآخرين.
كما نرى هذا الصراع أيضًا في البحث عن الحل من خلال الاستنجاد بالعلم، بمساعدة عالم فلكي ألماني في مدينة العلم والدقة للفصل في هذا الخلاف الذي يبدو ظاهره دينيًا، ونرى كيف البعض يرفض هذا التدخل ويراه فتنة ونجد ذلك واضحًا في اختيار الألفاظ التراثية القديمة، أو يرفضه أحدهم بحدة لأنه رأى أبيه يصلي دائمًا على هذا الاتجاه.
لامسني الفيلم بقوة، لأنني عشت في ألمانيا، وعشت تحت نطاق هذه الأقلية الدينية، وكانت هذه الحوارات تتكرر في رمضان، عن وقت الإمساك والإفطار، ويعلن المسجد العربي أوقاتًا مختلفة عن المسجد التركي، ويجد المسلم البسيط نفسه في صراعات لا يدركها، ويصعب الالتقاء في الحوار، لأن منطلق الرؤية الثقافية منذ البداية مختلفة تمامًا.
كما لامسني في الفيلم عفويته وعدم تكلفه، وشعوري أنه من يوميات حياتي في ألمانيا لذلك بدا لي انسيابيًا، وكأنني داخل الفيلم، فنورة ودراجتها، وسيارة DHL الواقفة هي من يوميات الصور الحياتية في ألمانيا، كما أن تعليق الفلكي الألماني حين حدد وقت اللقاء، وأعطى نظرة مشككة قائلا.. توقيت ألماني!، مؤكدًا أن العرب غير دقيقين في أوقاتهم، لطالما سمعتها هنا.
هنيئًا للإخوة سعيد هذا الفيلم، وهذه خطوة جديدة ومحفزة للجانب الثقافي في بلدنا.
الهنوف صالح الدغيشم - طبيبة أسنان سعودية مبتعثة في ألمانيا