(أعلام في الظل) عنوان لموضوعات كتبتها وبدأت المجلة العربية بنشرها اعتباراً من شهر محرم 1436هـ بطلب من رئيس تحريرها السابق الدكتور عبدالله الحاج، وكان يتناول سيرة وتعريف بعض الأعلام السعوديين الذين لم يتركوا مذكرات أو سيرة ذاتية، ولم يكتب عنهم ما يكفي.. وعاشوا في الظل، وقد نشر في المجلة العربية إحدى عشرة حلقة وهي :-
1- الفنان التشكيلي الأول محمد راسم نشر في شهر محرم 1436هـ.
2- الظاهرة الموسوعية عبدالله نور.. صفر.
3- صوت طاف العالم عبر الأثير هدى الرشيد.. ربيع الأول.
4- الفلكي الذي أخذ علمه من أمه جبر بن صالح جمعه.. ربيع الآخر.
5- رأي الشعب أحمد عبيد.. جمادى الأولى.
6- الشاعر البائس حمد الحجي.. جمادى الآخرة.
7- القاموس المفتوح عبدالرحمن البطحي.. شهر رجب.
8- رفيق الأدباء عبدالله بن سليمان المزروع.. شهر شعبان.
9- من قاع المجتمع إلى حامل مشعل التنوير عبدالله بن بخيِّت.. شهر رمضان.
10 - الصحفي المخضرم محمد الطيب الساسي.. شهر شوال.
11 – أول نجدي يعمل في أمريكا قبل 115 سنة عبدالله الخليفة..شهر ذو القعدة 1436هـ.
وقد أوقفت المجلة – في عهدها الجديد – نشر باقي الحلقات واستبدلت عنوان الزاوية بـ كلمة (أعلام) فرأيت بعد موافقة الدكتور إبراهيم التركي مدير تحرير جريدة الجزيرة للشؤون الثقافية مواصلة نشر بقية من كتبت عنهم بالمجلة الثقافية وبالعنوان السابق لأنني أنوي جمعها فيما بعد بكتاب يحمل العنوان ذاته ولتكن البداية بالمربي الإنسان حمزة عابد – رحمه الله -.
سمعت به وبمآثره أثناء عمله بوزارة المعارف، ومحبة الناس له، وازددت إعجاباً به بعد أن روى لي الاستاذ عبد الرحمن الشويعر مدير مدرسة ابن خلدون المتوسطة جنوب الرياض عام 85 / 1386هـ الذي فكر بحل مشكلة تدني مستوى الطلاب الدراسي ونوم بعضهم أثناء الدرس وإغماء بعضهم بسبب حضورهم في الصباح جوعى لعدم تناولهم طعام الفطور - لكون أسرهم فقيرة - فكتب لشركة أرامكو التي تبرعت بمبلغ عشرة آلاف ريال مع مشاركة بعض الطلاب ميسوري الحال بدفع مبلغ خمسة ريالات شهرياً كمساهمة في مشروع التغذية، وخصص الفسحة الوسطى لتقديم وجبة الإفطار - رغيف بقطعة جبن وبيضة - مع كأس حليب، ويختار بعض الطلاب بالتناوب لتجهيز الفطور قبل الفسحة.
وذكر له أحدهم أن هناك رجلاً يأتي وقت إعداد الفطور ليساعدهم، وبعد انتهاء إعدادها يذهب دون أن يشعر به أحد. يقول الشويعر - مدير المدرسة - أنه راقب هذا الرجل فوجده حمزة عابد الذي يشغل وقتها وظيفة مدير عام وزارة المعارف.
تتبعت خطاه ورغبت في معرفته عن قرب بعد تقاعده عن العمل - كملحق ثقافي بسوريا - وبقائه في دمشق رئيساً لمجلس إدارة الأيتام والعجزة السعوديين من عام 1410هـ وقابلته بمكتبه بإدارة دار الأيتام، حيث سجلت معه ضمن برنامج التاريخ الشفهي للمملكة، وقد روى الكثير من ذكرياته المبكرة حيث درس بكتاب باب المجيدي في المدينة المنورة لدراسة القرآن الكريم تم تلقى تعليمه بالمدرسة الناصرية ثم بالمعهد العلمي السعودي سنة 1364هـ، ابتعث إلى مصر وحصل على الشهادة الجامعية من جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) سنة 1371هـ / 1951م وواصل دراسته العليا حيث حصل على شهادة الماجستير من جامعة إبراهيم باشا (عين شمس) سنة 1373هـ / 1953م.
بعد عودته للمملكة عمل معلماً في مكة ثم المدينة المنورة. انتقل بعدها ليعمل بوزارة المعارف عند انتقالها للعاصمة الرياض ليعمل مشرفاً تربوياً ثم مديراً عاماً للثقافة فمديراً لشؤون الموظفين ثم مديراً عاماً للوزارة. عين ملحقاً ثقافياً في القاهرة عام 1393هـ حتى عام 1398هـ ثم عين ملحقاً ثقافياً في دمشق من 1399هـ حتى تقاعده عن العمل عام 1410هـ.
ومن ذكرياته أثناء عمله بمديرية المعارف في مكة أنه كان يأتي لتفقد المدن والقرى بنجد ومعرفة مدى حاجتها لفتح مدارس لتعليم أبنائها، وذلك قبل تعبيد الطرق وتوافر وسائل النقل الحديثة، وقال: إنه ذهب مع المفتشين لمدينة الحريق (جنوب نجد) - وضياعهم في طريق غير واضح المعالم - وتعطل سيارتهم التي تقلهم وتعرضهم للعطش وإشرافهم على الهلاك، لولا أن قيض الله لهم راعية غنم لتسقيهم الماء وتدلهم إلى أقرب قرية.
وبعد إنشاء وزارة المعارف وتولي الأمير فهد - الملك فيما بعد - عام 1373هـ / 1953م وانتقال الوزارة من مكة المكرمة إلى العاصمة الرياض ليتولى إدارة شؤون الموظفين ثم الإدارة العامة وأخيراً إدارته للبعثات. وقال: إن الملك فهد عندما كان وزيراً للمعارف كان يبذل جهوداً موفقة في التدرج بتطوير النظم الإدارية التربوية التي كانت بمثابة الدعائم للتطورات التربوية الهائلة التي تحققت لوزارة المعارف اليوم.
يذكر أنه كان يصر عندما كان معلماً في الابتدائية على أن يقوم بتعليم مادتي الخط والإملاء لاعتقاده أن المعرفة الجيدة تنطلق من هاتين المادتين الهامتين، وأنه سعى مع زملائه في الوزارة إلى إلغاء معاهد إعداد المعلمين القديمة التي كانت تقبل الطلاب بعد انتهاء المرحلة الابتدائية، لأنّها تخرج معلمين غير أكفاء في علومهم وصغر سنهم.
وفي الوقت نفسه شارك في إنشاء معاهد لإعداد المعلمين تقبل طلابها بعد المرحلة المتوسطة، كما شارك في إنشاء مركزين للتدريب التربوي للمعلمين القدامى في كل من الرياض والطائف.
ويذكر باعتزاز مشاركته للأستاذ ناصر المنقور في افتتاح مدارس ابتدائية في قرى نجد كالوشم والشعيب والمحمل والافلاج ووادي الدواسر وحوطة بني تميم ومنطقة سدير، وله في ذلك ذكريات جميلة تقوم على المحبة والبساطة فلا طائرات ولا طرق معبدة لكن كان هناك الإيمان بجدوى العمل والتضحية في سبيل نشر التربية والتعليم في كل مكان مهما كانت الصعوبات.
قال عنه زميله بوزارة المعارف عبدالكريم الجهيمان: عرفته موظفاً نشيطاً، وأديباً مميزاً.. حرص طوال وجوده في العمل الحكومي أن يكون مخلصاً في أداء رسالته الإِنسانية.. لقد خدم هذا لرجل وطنه وأمته من خلال عديد من المناصب التي تسنمها في التعليم، فكان من كبار موظفي وزارة المعارف، ومن خيرة من عمل في مجال العمل الدبلوماسي.
وبعد أن أصبح خارج الوظيفة ظل يواصل عمله الإِنساني ويخدم المجتمع من خلال اهتمامه بشؤون الأيتام والأرامل والعجزة في الوطن العربي ولا سيما أهله وأبناء وطنه في الخارج.. فكان عابد نعم الصديق لهم، ونعم المعين لمن سعى إليه بأي أمر من الأمور.
وقال عنه تلميذه الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري عندما كان طالباً بالمعهد السعودي بالمدينة عام 1374هـ أنه فوجئ بدخول شابين عادا لتوهما يحملان شهادة الليسانس من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة وهما حمزة عابد وعبد العزيز الربيع.. وقال بمجيئهما بدأنا في نشاط جديد لم نعهده وهو النشاط المسرحي وبدءا بالطلاب المعروفين بحسن السمعة والاجتهاد ومن أسر دينية وهما محمد بن عثمان الصالح وأحمد بن محمد الضبيب وأنا، فكانت خطتهما هي التركيز علينا واستمالتنا للتمثيل ذلك لأننا إذا اشتركنا فسيشترك آخرون، إِذْ كان التمثيل آنذاك عملاً غير مرغوب فيه.. وأصبح الطلاب جميعهم يتنافسون للمشاركة وبذلك تحول المعهد إلى متنفس للمدينة كلها لدرجة أننا كنا نخاف ليلة النشاط أن يسقط المبنى من كثرة المشاهدين..
وقال زميله مدير التعليم بمكة مصطفي حسين عطار: فالأستاذ حمزة عابد من الشموع المضيئة في وزارة المعارف، فهو من الرجال الذين يتميزون بالانضباط والانكباب على العمل، وقدرته العالية على تحمل المسؤوليات بكفاءة واقتدار وكان رهين الواجب في كل عمل أسند إليه.. ودون توان.
وقال: إنه كان يكلف بأعمال هامة من قبل الوزارة وفي مقدمتها رئاسة لجان التعاقد العامة مع المدرسين والفنيين الذين تحتاج الوزارة لكفاءاتهم وتخصصاتهم، وقد أدَّى هذه المهمة بنجاح، وأن رئاسة لجان التعاقد عمل مهم بالنسبة لرسالة وزارة المعارف، وأشرف من مكتبه في بيروت على اللجان الفرعية المنتشرة بين القاهرة وعمان وبغداد.
عاد في السنة الأخيرة من حياته - رحمه الله - إلى حيث ابنه محمد يعمل في شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) بالظهران فرافقت أستاذي وزميله عبد الكريم الجهيمان مطلع عام 1423هـ / 2002م لزيارته بعد أن استوصفنا من ابنه مكان المنزل في حي (الدانة)، وقد فرح بنا وفرحنا به إِذْ وجدناه ينتظرنا واقفاً بباب المجلس وبقينا قرابة الساعة نستعيد معه بعض الذكريات ونتشافى له وندعو له بالصحة والعافية وطول العمر، وعند انصرافنا ودعنا قائماً يتوكأ على عصاه معه ولولا إصرار أبي سهيل - الجهيمان - على بقائه في المجلس لذهب للباب يودعنا.
ولم يلبث رحمه الله عدة أشهر إلا وقد نعاه الناعي رحمه الله.
- الرياض
Abo-yarob.kashami@hotmail.com