معارض متخصصة تقدم ما يثير الدهشة ويطرح التساؤلات ويعزز الابتكارات
من الأمور اللافتة للنظر التي برزت ضمن ما تقوم به الإمارات المتحدة في أبوظبي من خلال آرت أبوظبي وآرت دبي في دبي وبينالي الشارقة في الشارقة، يبرز معرضاً يحمل عنوان يوم التصميم أو أسبوع التصميم، كان لـ (الجزيرة) التشكيلية فرصة زيارة دورات كلا المعرضين حيث كان الزوار الأكثر إقبالاً عليهم باعتبارهم من المعارض المتميزة بما تحتويه من أفكار تحرك الخيال وتثير الدهشة أكثر من المعارض الأخرى، وذلك لاختصاص هذه المعارض بالابتكار في كل ما يتعلق بحياة الإِنسان في عمله أو منزله، يقوم على إعدادها مواهب ومحترفون في مجال التصميم لكونها خارجة عن المألوف منها، ما يمكن استخدامه ومنها ما يعد تحفة تستحق الاقتناء.
هذا التوجه لمثل هذه المعارض يكشف جوانب هامة من القدرات على الابتكار، قد لا تبرز أو يراها الكثير في حال عرضها ضمن منتجات مماثلة نفعية من خلال معارض البيع والشراء. فهذا المعرض (يوم التصميم) يجمع كل المبدعين في الابتكار والتشكيل على مستوى العالم، فنانون يحملون خيالا عالي القدرة على الإدهاش وطرح التساؤل والعودة أكثر من مرة لاستيعاب تلك الأعمال.
فمعرض يوم التصميم يقدم مجموعة من الأعمال ذات الصبغة التركيبية المبتكرة من إبداع عدد من المصممين المحليين والدوليين، كما يتضمن المعرض برنامجا موسّعا من الأنشطة، وعرضا إبداعيا مبتكرا يقدّمه نخبة من أهم جامعات التصميم على المستوى العالمي.
وإذا كنا نعلم جميعاً ان كل ما نتعامل به أو معه من سبل الحياة الحديثة من سيارات أو قطارات أو حتى الطائرات وصولاً إلى ما يستخدم في المنازل من أثاث أو أوان أو حتى إكسسوارات يعود تصميمها إلى فنانين متخصصين في هذا المجال همَّهم كيفية إقناع المقتني، لكن الأمر يختلف في معرض التصميم حيث تظهر المنتجات مخالفة للواقع أو المتعود عليه، فهناك طاولة تميل بشكل لا يتوقع المشاهد ان بإمكانها حمل أي غرض، أو سلماً مائلاً لا يمكن الصعود عليه لكن التجربة خير برهان لإقناع الزائر بأنه طبيعي، فالخداع البصري يلعب دوراً كبيراً في كثير من تلك التصاميم، يمنح الإِنسان فرصة ومساحة من التغيير والخروج من الملل والتكرار.
تلك المعارض وما يشابهها تثبت أن الإِنسان عبر العصور يؤكد امتلاكه القدرة للتغيير وتسخير خبراته، من خلال إدراكه البيئي المبني على خطوات زمنية منها الخبرة السابقة المكتسبة أو الفطرية وأهميتها في تحقيق حاجاته ومتطلباته.
ويمكن القول إن بيئة الفنان أو المصمم تعد أحد الأساليب للتعامل مع منتجه إذا اتفقنا أن الإِنسان يمثل محور الوجود، وان فيما يتعامل من خلاله مع العالم المحيط به وفهم ما يجري حوله، تدفعه لإدراك حقيقة التعبير لإثراء محاولاته المستمرة لإنجاح تجربته الإِنسانية التي تنعكس على قيمة التصميم الابتكارية وما تنتهي إليه من جمع بين الشكل والمضمون. وأن في اكتساب الخبرة والبحث عن سبل الابتكار مقياس لكل الأفكار الجادة المتجهة نحو التغيير والتطوير، ولإيجاد مناخ صالح لتمتزج فيه الفكرة بالنشاط الإِنساني وتتحول الخبرة إلى فعل والفعل إلى صنع وابتكار، وهذه إحدى الصفات التي يتمتع بها أولئك المبتكرين في المعرض أو المعارض المعنية بالجديد الغريب القريب للمنتج النفعي والمنبثق منه، وهذا يأخذنا إلى مسحة أكبر من فهم ان الإِنسان اثبت عبر مرور الزمن القدرة على تسخير البيئة لتصاميمه وفق الاعتبارات في كيفية التصميم الجامعة ما بين الإِنسان والبيئة، من خلال حل المشكلة بينما يقوم الثاني بوصفها وتعريفها ضمن حدود معينة لمستويات البيئة، كما قال الفنان المعماري فالتركروبيوس (انه إذا استطعنا فهم طبيعة ما نراه وندركه حسياً، سنتعرف بصورة أكبر عن التأثيرات الكامنة وراء ما يصممه الإِنسان عن مشاعر الآخرين وتفكيرهم).
ان من يتابع ويراقب كل جزء من الأعمال الابتكارية في معارض التصميم يكتشف ان الأمر لا يأتي اعتباطاً أو ضربة حظ بقدر ما يعنيه بناء العمل من مراحل التخطيط ثم التنفيذ وصولاً إلى عملية التقويم ليحقق الصورة النهائية في عملية التغيير، وهذا كله تجسده الأعمال التي امتلأ بها المعرض كاشفة ما يمتلكه المصممون من شخصية مبدعة أخذة بالاعتبار عملية المعالجات التصميمية لأي منتج مبتكر يجمع بين عناصر الجمال والنفعية وأداء وظيفي والظروف البيئية.
عالم التصميم
وتأثيره على ذهن المتلقي
قد لعب التصميم دوراً كبيراً في حياة البشرية فدخل في كل تفاصيل حياتنا فأصبح المصمم في مجتمعه بمثابة محور التحرك وحلقة الوصل بين الفرد ومتطلبات حياته في البيئة بشكل عام والتصميم الصناعي بشكل خاص، ومع ما يتفق عليه الجميع من زوار تلك المعارض إلا أن لكل مجتمع ظروفه وخصوصيته وحسب متطلبات تلك البيئات، حيث نجد التكوين في منتج معين يكون مختلف في معالجاتها في تصميم آخر تعد في هذه الحالة نوعاً من الثقافات فالابتكار الصيني يختلف في التصميم عن المبتكر الأمريكي وهكذا، وهنا تبرز قدرة المصمم المبتكر في كيفية التعامل بالمعالجة الوظيفية للمزاوجة ما بين تحقيق الجانب الشكلي الجمالي والأداء الوظيفي.
على هذه الأساس نجد ان المصمم ان كان يسعى لنهاية جمالية غير نفعية أو ما يمكن تسميته بالمنتج الصناعي النفعي له دوراً بارزاً في إظهار الجانبين الوظيفي والجمالي بما يتعامل به مع التصميم وفق شروط علمية ثقافية وتكنولوجية واجتماعية ومع ما يمتلكه من قدرة إبداعية في كيفية المعالجة.
- monif.art@msn.com