الثقافية - سعد بن عايض العتيبي:
لا أظن أن هناك أمة من الأمم تعرضت لغتها إلى العقوق والاستهانة من أبنائها مثلما تعرضت لها اللغة العربية، وتعرضت أيضاً لحملات شرسة من أعدائها. وهي اللغة الخالدة التي نزل بها القرآن الكريم، وهي لغة الإسلام والعروبة، ولغة أهل الجنة، والمعجزة الخالدة على مر الأزمان والعصور، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ويتمثّل هذا العقوق بما نلحظه من استخدام للعامية على ألسنة المذيعين والمذيعات، وما نشاهده من لوحات معلقة على الفنادق، والمطاعم، والمتاجر والمؤسسات، وما نسمعه من كلمات أجنبية دخيلة على لغتنا الجميلة تلوكها الألسن؛ بدعوى التحضر والمدنية!
وقد وصل الأمر بأحد أعداء اللغة العربية إلى أن يطالب بإسقاط سيبويه، وليكتب كل من يشاء ما يحلو له دون التقيد بقواعد اللغة!
ومع صدور عشرات الكتب التي ترصد وتصوّب بعض الأخطاء الشائعة، وتحاول أن تطهر ألسنتنا من الشوائب فإننا نجد أن الأخطاء في ازدياد، والمشكلة تكبر، والفجوة تتسع، ولا تعرف الأسباب الحقيقية وراء الوقوع في تلك الأخطاء الشنيعة، هل هي من المعلمين أم من المناهج؟
وكثيراً ما نقرأ في المطارات وفي بعض المرافق الحكومية مثل هذه الأخطاء: «لا ترمي المناديل، ولا تنسى ذكر الله، والاتصالات»!
والأخطاء الشائعة ليست ظاهرة جديدة، بل قديمة، ويذكر الأستاذ عباس خضر -كان مصححاً في مجلة «الرسالة» في الأربعينيات - في مقال نشره في مجلة «العربي» تحت عنوان «كلمات كان يصححها الزيات» أن الأستاذ الكبير أحمد حسن الزيات كان يصحح أخطاء بعض كتّاب الرسالة، ولم يسلم من الوقوع في تلك الأخطاء الدكتور طه حسين!
ويقتضي المقام أن نشكر كل من نافح ببسالة عن اللغة العربية سواء بقلمه أو بلسانه. ونذكر من هؤلاء الأساتذة: عبدالقدوس الأنصاري، ومحمد العدناني، ومحمد خليفة التونسي، ويحيى المعلمي، ود. عبد الله الدايل، وعبدالله الحقيل، ومحمد الخنيني وغيرهم.
سقت هذه المقدمة لأتحدث عن مجلة جديدة صدرت مؤخراً، واسترعى انتباهي اسمها الجميل «لسان العرب» ابتعتها ودفعت ثمنها قبل أن أتصفحها، وكنت أظنها في الوهلة الأولى أنها تصدر عن أحد مجامع اللغة العربية، وحين دلفت إلى المنزل اتضح لي أنني كنت واهما في ظني!
المجلة اتخذت من «لسان العرب» اسماً لها، ووضعت لها شعاراً براقاً هو «مجلة رائدة لحفظ اللسان العربي»، وهي تحتفي بالعامية وتنشر قصائد عامية!
ثم إن المجلة خلت من أرقام هواتف رئيس التحرير، ومدير التحرير، ولا توجد أي وسيلة تواصل، ولا يدري القارئ من أين تصدر، ولا أين تطبع! وهذا يدعوني للتساؤل: هل حصلت بالفعل على ترخيص من وزارة الثقافة والإعلام؟ وإذا سمح لها فلماذا هذا التناقض العجيب بين اسم المجلة والاحتفاء بالشعر العامي؟ وهي تصف نفسها:» مجلة فصلية باللغة العربية تعنى بلغة العرب، وآدابهم، وأخبارهم، وشعرهم، وبلاغتهم»!
والأعجب من ذلك أن نجد رئيس التحرير يكتب افتتاحية بهذا العنوان «العربية لغة القرآن، ولماذا؟»، ثم يليها مقالة بعنوان «لغتنا عنوان هويتنا»!
الأمر محير!