كنت قد بينت في هذه المجلة الرائدة شيئاً ذا بال، وذلك من يوم السبت 15-3-1437هـ عن حقيقة أصول الاعتبار للدلالة على الوقائع والأحداث والأخبار، وكنت قد قلت في ذلك إن من أهم ما يمكن الوصول إليه لمعرفة الآثار والحقائق والوقائع هي الأسانيد، وذكرت آثاراً ووقائع لم تصح، وكان سبيلي ونهجي في ذلك الطرح هو إحراق طارق بن زياد سفنهُ، وبينت أن عبدالحليم عويس قد شكك في هذا بل جعله أقرب إلى الأسطورة كما ذكر ذلك الذي عرضه في مجلة الوعي، وكنت ذكرت عددها وتاريخ صدور عرض ذلك الكاتب لكتاب عبدالحليم عويس، ومن هنا فإنَّ من نافلة القول أن المرتكز الذي يقوم عليه العلم النظري ويقوم عليه العلم العملي هي اللغة، واللغةُ من حيث هي أصلٌ من أصول ما يقوم عليه الأسانيد والمتون سواء بسواء، من هذه الحيثية فإنني أدعو المجامع اللغوية ومراكز البحث العلمي والهيئات العلمية الرسمية والهيئات العلمية العامة المستقلة، وكذلك المراكز العلمية في الجامعات أن يولوا ما سوف أذكره بذات نظر مكين لأنني من خلال تتبعي لما يُطرح في الساحة من بعوث ودراسات علمية ولغوية هي في نفسها ذات اعتبار جيد، إلا أنها أحياناً تفتقد التجديد غير المسبوق، كما أنه قد يقع ما يقع من عجله في بعض النتائج المطروحة من هذا الباب فإنني أركز على ما يلي:
أولاً: شحذ الموهبة العلمية للوصول إلى الجديد مما لم يُطرح من قبل وتكون نتيجته قد تلقى ترحيباً يسار عليه على كل حال.
ثانياً: شحذ العقل بإيصاله إلى التثبت ومعرفة الضوابط والتقعيدات والتأصيلات للوصول إلى النتيجة التي يقبلها العقل الآخر بنظرٍ لا يقبل رداً.
ثالثاً: شحذ الاستقراء العميق للوصول إلى أبعاد دلالات الآثار على الأحكام ودلالات اللغة على المعاني للوصول إلى نتيجة لم تحظ بنظرٍ من قبل.
رابعاً: قوة الاعتبار وسعة النظر فيما طرحه كبار العلماء خلال العهود المتجرمة منذ القرن الأول إلى العاشر، وذلك لتلاقح العقول وتلاقح النظر والأخذ مما سبق من القوم مما صنفوه من الاعتبارات والشواهد والدلالات مع الإضافة التي يقتضيها فقه المستجدات في العصر الحديث، وهذا أمر حبذا جعله على بال دائماً لا يريم.
خامساً: إدراك أبعاد فقه اللغة وأصول النحو، ذلك أن العلم يتكئ غالباً على اللغة والنحو وأصول الفقه كما يتكئ على العقل السليم.
سادساً: فقه اللغة، وذلك للوصول إلى أبعاد دلالات الآثار مما ورد في الكتب الستة عند علماء الحديث، وكذلك ما أورده علماء المعاجم والنحو في المصنفات الطوال.
سابعاً: لا بد هنا من طرح النتائج بعد كل نظر أو بحث أو استقراء ظاهراً للعيان وإرسال ما ظهر لكافة العلماء ليدلوا بما يرونه وفتح الباب في هذا لا جرم يعطي تلاقحاً للعقول والأفئدة لبذل الرأي الجديد والاجتهاد الجديد.
ثامناً: لا شك أن تلاقح العقول المختلفة هذا سبيل شرعي كم ذكره العلماء في أسفارهم التي بين أيدينا فاستفادوا وأفادوا.
وكان لطرح مجلة الوعي وما كان قد عرضه الذي عرض كتاب عبدالحليم عويس كان لهذا الدور الجيد والصيت الحسن الذي أفسح المجال أمامي لدراسة إحراق طارق بن زياد السفن، والذي توصلت إليه هو نفسه ما توصل إليه عويس من أن طارقاً لم يحرق السفن، وذلك لأن متن الإحراق فيه خلل لأنه إسراف، ولأن هذا القائد المسلم كان معه ثلةٌ من المسلمين العرب ومن المسلمين الأكراد ومن المسلمين الأفارقة وفيهم علماء، كذلك مما يدل على تهافت الإحراق أنه قد توفر كبار العلماء علماء الأسانيد وعلماء الجرح والتعديل وعلماء المتون، فلم يذكر ذلك الذهبي ولا ابن الأثير، ولم يذكر ذلك خليفه بن خياط ولا الزبير بن بكار، ولم يذكر ذلك المؤرخون المعاصرون ولا الذين بعدهم بحين طويل.
من هذا المنطلق فإنني أعود على بدء من تدريس الطلاب فالجامعات والمراحل العلياء تدريسهم علم الجرح والتعديل وعلم الأسانيد وعلم أحوال الرواة كذلك علم المتون، وهذا يعطي سبيلاً عظيماً وسبيلاً كبيراً لإخراج جيلٍ كبير من علماء يفقهون واقع المتون وواقع الأسانيد وحقيقة فقه اللغة وأصول فقه المستجدات.
من هذا المنطلق فإنني أوصي من يطالع هذا المقال بقراءة ما يلي:
تهذيب الكمال ..(للمزي).
الطبقات الكبرى ..(لابن سعد)
الضعفاء الكبير ..(للعقيلي)
تاريخ دمشق ..(لابن عساكر)
تاريخ بغداد ..(للخطيب البغدادي)
سير أعلام النبلاء ..(للذهبي) وهذا كتاب مهم في بابه ولبابه.
تاريخ الأدب العربي ..(للرافعي).
ووحي القلم له أيضاً.
منهاج السنة ..(لابن تيميه).
المقدمة ..(لابن خلدون).
الصحاح الجوهري ..(للجوهري).
لسان العرب ..(لابن منظور).
أوضح المسالك ..(لابن هشام).
وكذلك وهذا لا بد منه
الجرح والتعديل ..(لابن أبي حاتم)
تاريخ البخاري ..(الكبير والأوسط والصغير)
المعجم لطبراني وهذا لا بد منه.
ومن ذلك أيضاً نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين ..(للكاتب).
مسند الإمام أحمد بتحقيق شاكر.
سر الزجاجة ..(للبويصري).
المبسوط ..(للسرخسي).
الموافقات ..(لشاطبي) وهذا كتاب يحسن تدبره ومراجعته جيداً.
وهنا كتاب من نظره على سبيل الاعتبار والتلقيح والنظر وهو كتاب بن جرير الطبري في التفسير، وكذلك تاريخه لأنهما كتابان كفرسي رهان لكن هذين الكتابين يحتاجان إلى مطاولة في النظر وشدة المراجعة وعدم الملال.
- الرياض