«أنا حفيزة بنت جبير السعداوي،أصولي عراقية من المتصوفين الذين غادروا بلاد الشام واستوطنوا المغرب الكبير، أبي قصير القامة ، أخذه الكبر فبدأ جسده النحيل يتهيأ للانحناء « هكذا صافحنا الكاتب الجزائري عثمان ملاوي بوصفة لفصل التابوت المنسي ، افتتاحية من النوع الصريح والمباشر على لسان الساردة حفيزة ضحية الجهل والليل ووهم الحب والزواج والحرام .
حكاية للتفاصيل الصغيرة ، الانتقال من وهم الحب إلى دفء الزواج، من رجل بسيط إلى بطل قومي، كيف يمكن للحرام أن يتسلل لنفوس البشر ولو كانوا طاهرين ، الإيمان القدري لدى سكان الأرياف في الزواج ولو كان مكرهاً ومحاولة قبوله والتعايش معه .. وخلافاً لما يتوقعه القارئ للوهلة الأولى أن الكتاب سيتحدث ويعاصر الجماعة الدينية المتطرفة «بوكو حرام» التي تنشط في أفريقيا ونيجيريا تحديدا ، فالعمل بعيد جداً كسرد وقصّة فهو يتطّرق لنواحي فردية وشخصية واجتماعية للساردة حفيزة بنت جبير السعداوي،ومعاناتها مع حبيب مراهقتها عمران ، وزوجها المستقبلي بلخير العكري وكيف نمت مشاعر الحب تجاهه من خلال تصوير الإعلام والأشخاص المحيطة بها له كبطل قومي .. إن هنالك حباً يصنعه الإعلام والحاجة للأمان (الزوج)، وهنالك حب فطري وهمي (عمران)
«مطالب الرجال معروفة أما الليل فمطالبة غريبة جداً، لذلك يظهر لنا أسودَ» من أروع التعبيرات حزناً وخوفاً وتوجساً من المصير المجهول في ظل أم عاجزة مستسلمة وأب منهمك في نفسه وفقره لايرى زوجته وابنتيه إلا صدفة ..في ظل صحراء ذات بداية ولا نهاية لفتاة جميلة .
أجمل الاستغلالات اللغوية على الإطلاق حينما استخدم الكاتب مفردة «بوكو» من اللغة الفرنسية وما تدل عليه من كثرة الشيء ،استخدمها في عملة الروائي كإسقاط ذي دلالات عميقة في عدّة فصول ك.. بوكو زمن، وبوكو أكل ، وبوكو فرج .
تطّرق الكاتب لمرحلة الانتقال النفسي قبل الجسدي لأفراد العشائر المتمايزة فيما بينها إلى قرية جديدة تدعى «مزران» وكيف إن ماعايشته النفوس في عقدين صعب أن يمحى من الذاكرة خلال أسبوع .. وماكان بعيدا بالجسد ليس بالضرورة بعيدا عن الذاكرة ،، فاستدعاء الخيال قد يكرّس الأفكار بشكل أكبر،، وقد يكون المخرج والمهرب الوحيد عندما يحاصر الإنسان واقع مؤلم .
الفصل ماقبل الأخير «بوكو زمن» تطرقت فيه حفيزة لعلاقتها بالفنان «خانوف» الرسّام النبيل ذي المطامع البريئة الذي وقف بجانبها عندما تخلى الجميع عنها ،،كونه فنانا وجدانيا رقيقا ،، لكن الفن والشعر على مايبدو لم تستطع أن تجعل من الخبيث نبيلا ،، لذلك اندرج تحت بند البوكو حرام
ابن مدينة بئر العاتر الروائي ملاوي عثمان عامر 28 عاما أستاذ الأدب العربي بجامعة تبسة ،حائزة على المركز الأول بجائزة أثر للرواية العربية ، وتقع في 112 صفحة من الحجم المتوسط ، خفيفة وممتعة وتطّرقت لصراعات الحياة المادية وقدرتها في السيطرة على مصائر وأقدار البشر..
أحلام الفهمي - الدمام