ههنا تبدو الحياة لذيذة كقالب كعك بيتوتي. فالطيور تحلق في حبات الرذاذ وتحاول استطعامها ،وتظلل أجنحتها السماء الغائمة في حالة انغماس أثير مع المارة والأغاني وأصوات السيارات العابرة إلى خواطرها وأما الرصيف فيستضيف مارة يحملون هدايا السنة الميلادية الجديدة .هكذا تزهر المدن العصرية بالمناخات المتداخلة المتناغمة في شكل غير تقليدي لايشبه فيه مشهد الآخر . من غرفتي الأثيرة في العلو أكتب عن شغفي بهذا الطقس الربيعي في العشر الأخير من ديسمبر وأنا أتخذ مقعدي في الشرفة المطلة على الشارع الموازي للشارع الحي .
أغتنم الوقت بجمال يليق بالكلمات لأنتبه إلى مايشرف عليه الكون من خلال إطلالة غرفتي وأتحسس الأفق بضمير أنيق يستفز كلي لأنسق مقالتي بحبور كبير. من خلال الشرفات المقابلة في البنايات متعدد الطوابق هناك نباتات ترتفع لتشكر الله على بهاء السماء والأرض.
تشدوالحياة للرذاذ برقة تضاهي رقته وهو ينزل إليها وإلى الأرض بخدر شاعري وكأنه يعد بمطر كثير يلوح في الأفق الملون بالرمادي ..غيم وألق لايمكن أن يمر سهلا على خيال المعنى والشعر.
السماء الغائمة البارحة ليست ذاتها اليوم فيوم ماقبل الرحيل أشد رحمة من عذابات يوم الرحيل نفسه. لم يزل هناك أمل وهاجس ومحاولة جديدة لاستئناف الفرح وان كان لأربع وعشرين ساعة وحسب ههنا يتفرد القدر والغيب والإرادة بتسيير الأمور في ظروف مختلفة واحتمالات غير مرسومة وفق خطة معلومة.
هكذا تتبادر إلي الفرص المحتملة بهواجس لاتعني إلا تحولاتي اللحظية الشخصية ومزاجي الحالي الذي ربما يسطو عليه وعيي بعقل مفعم ويرغمه على الانقياد.
أنا يتيمة عقلي لا أنجو منه بقلبي.ربما تضيق بي سكينتي ،لأنني لا أتقن بهاءها إلا في فم الكلمات المحشوة بالصمت .
لماذا لانلتفت إلى ذواتنا جيدا ونتأمل فيها بحيث نجني ثمار مستقبلنا الذي لاننتبه إليه في درب حياتنا إلا بعد أن يكون حاضراً أو ماضيا؟!.
أتمنى أن يسن قانون عقوبات صارم ينصف الأحاسيس والمشاعر من الاغتيال ويرد إليها حقها المعنوي في العيش بسلام.
فالمحبة واتجاه البوصلة مدى لايضيعني بل يجدني ويردني إلي كما لوكنت ميلادا جديدا .
تحاصرني تقاطيع رغبتي في تجاوز حالات كدري كلها وليس الملل فحسب تحرضني لأقفز عن سورها إلى حديقة معنوية رائقة المزاج .. كأن أكتب نصا جديدا أو أن أكافئ خلوتي بمشروع إنساني نادر.
بذلك فحسب تكون الورقة المنفتحة سريرا قطنيا فاخرا .. يمتص كل مصائبك الكونية والفضائية والرقمية فألق بروحك فيها لئلا تختلف عليك طمأنينتك ..عند ضياع أحلامك السرية .
من يسير في هذا الفضاء الذي يسع كل المارة ..ولا تسوقه خطاه إلى فكرة ترافقه لحظة بلحظة؟.
ماأحلى أن تعيش حالة بوهيمية من البدائية والفطرية وتكون واثقا بأنك الوحيد القادر على إدارة حياتك في بياض الكون وسعة الأرض حيث تبدو الأرض والسماء أنت إذ تجعل مناخك في صدرك النقي ،وحدك أنت من تصلح عطب الحاضر والمستقبل..حسبك ذلك ثقة بك.
سأحتفي بالصباح فلهيئته الشتائية سحر على نحو شديد الإغراء.وللمساء جلال الحضور المزين بالبدر.
حين رتبت هذا الوجود رتبني لأليق به وأحتفي بالكتابة في أمكنة تبعث بالبهجة لتحيي روح الكلمات بنفس طويل.
كن أنت فحسب لتمتلك رقة العالم الخفي والظاهري. فلسفتي لاتعرف إلا الله ولذلك فروحي مغمورة بالفرح الذي يتسلل إلي من ذاكرة تعرف كيف تقيس الجمال في حضور قديغيب بغياب مدن البهجة لتسترسل الكتابة في في صياغة المزاج بمدى يؤدي إلى فضاء المعنى.
هدى الدغفق - الرياض