ثمانون مليون ريال قيمة عمليات البيع التي شهدها معرض جدة الدولي للكتاب حسب تقارير بثتها وكالة الأنباء السعودية «واس» طيلة عشرة أيام توافد فيها الجمهور من كل مكان إلى مناسبة نادرة ومحتوى لا يجده طيلة العام في منافذ البيع القليلة في جدة ونظيراتها.
قد لا تكون الأرقام المعلنة دقيقة، لكنها مؤشر على واقع ينافي كل الإحصاءات التي قدمتها مراكز بحثية ومؤسسات ثقافية عن واقع القراءة ومستقبل الكتاب. هذه الإحصاءات تقدم معلومات محزنة، وتكرّس صورة الضعف وتدني مستوى الثقافة العامة وكساد سوق الكتاب أمام تحديات الوسائط الجديدة.
وكل الأرقام تصرُّ على أن القارئ العربي في آخر قوائم عالم القراءة ولا يمنح القراءة إلا دقائق محدودة من عمره؛ وهذا مضحك ومثير للشفقة أيضاً، ولا أدري كيف نفهم ذلك في ظل المبيعات الكبيرة التي تشهدها معارض الكتب وطوابير مرتاديها وسفر الناس بين العواصم من أجلها؟!.
المعارض العربية، وفي دول الخليج على وجه الخصوص، تقدم معلومات عن قوائم بيع عالية، وتشهد حركة ارتياد يعرفها الجميع، وتتنافى مع كل رقم ودراسة تثير اليأس وتجلد الذات من جهة أخرى.. أرقام محبطة لا تخلو منها دراسة ظننا معها ألا جدوى تلوح في الأفق، وقد ضاق الرحب أمامنا، وربما احتجنا عدة قرون لتجاوز الأزمة.
ثمانية ملايين ريال يومياً حصدها ناشرون وبعض التجار في مواد ربما كانت قريبة من النشر تساهلت إدارة المعرض في قبولها، وهؤلاء ساهموا في صناعة سوق شبه سوداء؛ فالتنظيم ثقافي فقط والرقابة يقظة إلى حد ما من أجل المنع والإذن وإعادة المنع أحياناً، ومع كل ذلك شهدنا انهزاماً واضحاً للرقيب الذي فقد لياقته عندما غادر مكتبه الوثير إلى ساحة تفيض بآلاف العناوين حضرت من كل بقاع العالم.
هُزم الرقيب أخيراً وذهب الفوز إلى ساحة الناشرين الذي صنعوا سوقاً غامضة لا تخلو من التلاعب والعبث واستهداف قارئ غير حاذق اقتصادياً فالكتاب يباع في الصباح بسعر، وفي الظهيرة بسعر ثان، وفي نهاية اليوم بسعر مغاير تماماً، وشخصية المشتري تشكّل عاملاً مهماً في اقتراح السعر والتمسك به، ويضحك المتابع حين يسمع أحد الناشرين: «إحنا نبيع كتب مش خضراوات، الكتاب له قيمته» والحقيقة تقول إن بعض الناشرين لا يعرف من أخلاق البيع والشراء سوى المصطلحات التي استعارها من كتب يراها سلعة فقط.
وفي ظل الاستغفال والاستهتار الذي مارسه جل الناشرين تذكرت ادعاءات وزارة التجارة وشعاراتها التي أعادت لنا هللات من أفواه التجار، وألزمت المحلات بكتابة فواتير عربية، وهددت وكلاء السيارات؛ وهي ناجحة في بعض أعمالها ومع وزيرها الجديد عرفها الشارع العام وشهدت مواقع التواصل صخباً غير محدود لها.
وزارة التجارة لم تكن تعلم شيئاً عن الخيمة التي استغرق بناؤها شهوراً في موقع معلن للجميع وليس أحد أحواش «قويزة» أو «الهنداوية» حيث يتباهى المراقبون بغزوات ضد تجار مخالفين وعمليات غش ببضعة آلاف ويتجاهلون سوقاً شارك فيها 400 دار نشر، وبلغت مبيعاتها اليومية ثمانية ملايين ريال، ولم يتردد موظف استقبال البلاغات في السؤال عن لوحة المعرض موجودة أم لا، وهل لديهم سجل تجاري؟ ثم تهرب من أداء دوره ولاذ بالصمت ليترك المشهد الثقافي الجيّد في أردأ مستوياته الاقتصادية وسط التلاعب والمراوغة وتقاليد السوق الشعبية.
سوق الكتاب والمعلومات مهملة ووزارة التجارة تتغافل عنها، وهي تشمل قطاعات كثيرة من أهمها النشر والتوزيع، والطباعة والخدمات المصاحبة لها. والأخيرة تشهد تلاعباً واضحاً أيضاً، وقد يأتي الحديث عنها وعن تجاوزاتها وضعف الرقابة عليها.
محمد المنقري - جدة