جازان ذاتُ الهوى حقٌ لمهجتها
ألا يُجارَ عليها
إنما جاروا!
«الحسن آل خيرات»
نرجوكم يا إخواننا في الوطن أن تتسامحوا معنا قليلاً نحن أهل جازان، وأن تتركوا لنا مساحة واسعة للبوح، فالكتابة والنشيد والحب هي الأشياء التي ندّعي أننا نجيدها.. وهي أيضاً الأشياء التي نتداوى بها من أوجاعنا منذ القديم، ويبدو أنها هي ذات المتاح الذي سيظل لنا ولأزمنة بعيدة.
نعترف نحن أهل جازان أننا متطرفون جداً في حبنا وحزننا، ذلك أننا لا نعرف المنطقة الوسط ولم نعتدها وحياتنا دائما بالأسود والأبيض.. لكن قلوبنا وحياتنا دائماً تشع بالبياض.
ووحدنا في جازان نمتلك البياضات الثلاث.. بياض الكادي.. بياض الفل.. وبياض الأكفان. ونحن في جازان نشعر أننا خذلنا.. خذلتنا الجغرافيا إذ جعلتنا على الطرف القصي من البلاد وخذلنا التأريخ إذ جعلنا جنوبيين صدورنا غرساً للرصاص (لكننا فخورون أننا درع للوطن)، وخذلنا الأهل الذين نشعر أنهم بعيدون عنا حتى إنهم لم يبادروا بما يكفي لتقديم واجب العزاء لنا على الأقل في شهدائنا الذين قضوا اختناقاً، ولا في الإحساس بالثمن الغالي الذي ندفع كل يوم.. فهل كان هذا هو الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الوطن بالعون والمشاطرة.؟
نحن في جازان نشعر أننا ندفع فاتورة فساد كبيرة وكبيرة جداً.. فضح بعضها الحريق الأخير والكثير منها مخبأ ونشعر أن آلامنا لا تُؤخذ دوماً بذات الجدية، وفي كل مرة تقيّد القضية ضد مجهول.
وفي جازان لا نؤمن كثيراً بثقافة المعاريض، وإذا لم تكن روائح الشواء البشري والألم الإنساني قد وصلت لصاحب القرار فلن يصل أي حبر.
والحزن لدينا وافر كالبياض وقبور الشهداء تتوالد كل يوم والمهجّرون يمضون كل يوم نحو بلاد أكثر أمناً تاركين بيوتهم وقبور أجدادهم, والعدوى - أي عدوى - تبدأ من هناك، فهل كان قدرنا أن نكون البسملة لكل وجع؟ وهل كان آخر ما نستحق الموت احتراقاً.؟
ولنفترض أنه قضاء وقدر.. (شماعة القدر هذه التي تحرر الكل من كل مسؤولياته وتقصيره) لنفترض أنه كان قضاء وقدراً أفلا نتساءل عن هذه الآلية التي يعمل بها القدر بطريقة مختلفة في جازان؟.. هذا القضاء والقدر نريد له أن يكون عادلاً وأن يُوزع هباته كل أجزاء الوطن، ونحن الجازانيين لم نعتد الاستئثار بشيء ودائماً ما نشاطر إخواننا في الوطن كل شيء ونريد أيضاً مشاركتهم في هبات القدر، وحتى لا يكون في الوطن شمال وجنوب ومركز وأطراف.
نحن أهل جازان حزانى.. وحزانى جداً.. لكننا لن ننكسر وسنظل وكما اعتدنا نغني للوطن شماله وجنوبه، وأن نبعث للقصي منه كل ما نمتلك ولا نمتلك غير الفرح والغفران.
واليوم ما من شيء بأيدينا غير البوح والفضفضة فاتركوها لنا.. اتركوا لنا هذه المساحات من الحبر التي يكتب فيها البسطاء مشاعرهم وقصائد فقدهم بعد أن صمتت النخب حتى المثقفة في جازان عن مشاطرتهم الشعور بالفقد، وبعد أن حمل بعض المسؤولين الضحية الأسباب لأنهم لم يعرفوا كيف يموتون بطريقة استشهادية وماتوا وسط الرماد.
وسنبقى نحن عيال الأرض البسطاء المنذورين لله، وسيبقى شهداؤنا الذين ندفنهم في الأرض لا يموتون.. إنهم ينبتون شجراً أخضر وعصافير تدوزن النشيد.
عمرو العامري - جدة