قصة قصيرة
المكان: سجن النساء بالملز, عنبر رقم ( )
كعادته؛ يدلق كلماته دون فرز، وكيفما اتفق في صحوه، وسكرته.
وكعادتها؛ تصمتْ؛ لأنّ وصيّة جدتها لها ليلة زفافها تقتضي بأن تدخل (موسوعة جينيس)في الصبر حتى تكون امرأة و(بنت رجال)
لم تكن تعلم أن صبرها الذي كانت تمتطيه حينًا، ويظللها حينًا آخر يفعل طوال هذه السنوات؛ فعل قطرات الماء الدائمة في الصخر.
تصدّعت من الداخل ,حتى صار من الصعب ترميمها.
في ليلة من ليالي الصيف رأته وهو يُهاتف تلك التي جعلت قلبه في شرنقة تحميه من حبّ كلّ امرأة عداها.
وعندما اكتمل نموه في تلك الشرنقة، لم يكتمل إلا على قلبها؛ فطبعت عليه.
كانا متحابين؛ لكنه خذلها ولم يطلبها للزواج؛ لعدم تكافؤ النسب. لم يتقدم خوفًا من سخط القبيلة.
تزوج بابنة عمه، التي لم تكن غير امرأة بائسة لرجل بخيل, يُكدّس المال لمشروبه، وفواتير هاتفه, ضاربًا باحتياجات بيته عرض الحائط.
في تلك الليلة ؛كان قد ثمل حدّ المصارحة.
التفت؛ فإذ بها تقف على رأسه.
نظر إليها..
اشمأز!
ثم قام يترنح متجهًا إليها.
عجن ملامح وجهه، فبدأ أكثر قبحًا من أفعاله ,ثم قال لها بازدراء؛ وهو يُلوّح بسبابته في وجهها:
لوكانت هي مكانك...!
لم تدعه يُكمل!
لوت إصبعه بيد، وأمسكت بشعره بالأخرى :
إيّاك أن تكمل!
فلو كان هو مكانك ما كان هذا حالي.
ثارت رجولته رغم سكره!
تعاظم..
انتفخت أوداجه..
وأطلق شرر عينيه صوبها:
وتقولينها أمامي يا....!
نعم أقولها!
وإياك أن تذكره بسوء، فعلى الأقل كان رجلًا حتى في رحيله!
أما أنت فقد اكتفيتَ بأن تظل وضيعًا.
أطلق يديه، وعاد يتوعدُ بسبابته، وبصره يدور في أفلاك عدة.
سـ..
سأقتله، وأقتلك!
تخونينني.. هاه؟
أنا..
أنـ...
وضعتْ يدها مرة أخرى على فمه قبل أن تضرب برأسه الجدار .
قالت له بكل ما أودع في قلبها من كره:
الأنا كيان, فلا تنطقها، وأنت لا كيان لك.
مكانك ليس هنا.
أمسكت بمقدمة شعره، وصفقت به الجدار بكل قوتها ثلاثًا، فواحدة لا تكفي لغسل قهر السنوات!
سقط على حافة طاولة الرخام الحادة.
لم يعد يتنفس!
لقد مات!!
أمسكت بهاتفه..
الاتصال بآخر مكالمة بينها وبين (دنيتي) كما هو الاسم مدون في هاتفه.
- عمري..!
قلقت عندما أقفلت فجأة..
هل نامت هادمة اللذات؟
- لا..!
بل مات هادم الحياة!
هل سبق لكِ أن جربتِ مفارقة الأحبة؟
- ألو..
من أنتِ؟
- لايهم!!
المهم : أحببتُ أنْ أخبركِ بأنّ حبكِ قد فارق الحياة؛ فابكيه إن شئتِ، أوفابحثي لكِ عن حبٍّ جديد يكافئك في النسب, فمازال في الليل بقيّة!
ثم أقفلت الاتصال، واتصلت بالشرطة.
-ألو..
-مرحبا
-أنا التي طُلقت من زوجها لعدم تكافؤ النسب، وزُوجتْ بابن عمها الذي لم يكافئها في غير النسب.
قتلتُ زوجي متعمدة.
أسكن في حي...
عمارة رقم...
الدور الأول.
شقة رقم...
بعد سنة وثمانية أشهر، وكعادة القضايا التي تنام في أدراج القضاة؛ لانشغالهم بالسفر.
استدعاها القاضي:
- بعدأن وصلتنانتيجة التشريح، وبضمهالما تم ذكره من قبلكم في تمثيل مسرح الجريمة، تبين أنّ سبب وفاة زوجك, كان جرعة زائدة من المسكر, وليس لإصابة الرأس، لأنهما لم تؤدِ لموجبات الموت كالنزيف مثلا، وعليه، وبشهادة الجيران لصالحك، سأرفع خطاب للأمارة ، لتوجه أمرها للشرطة بخروجك.
-لا أريد الخروج!
وإن خرجت سأقتل المجتمع بأكمله!
السجن أرحم من حياة يختارها لنا الآخرون.
كررتها بمعيّة صوت السلاسل في قدميها، وهي خارجة لركوب سيارة الشرطة, عائدة إلى عنبر رقم (7) في سجن الملز.
د. زكية بنت محمد العتيبي - الرياض
Zakyah11@gmail.com