(أخلِّدُ النخلَ
إذْ أمنحه قافيتي
لعلّهُ
إن قست شمسي يظللني
ما عاد من صحبتي إلاّه يفهمني
مع أنني
طول هذا العمر أجهلني)!
المقطع من قصيدة (ما زلتُ لي) في ديوان (أنا الذي رأيت كل شيء) للشاعر فايز دياب.. هذا الشاعر عرفته شخصاً خلوقاً يتسم بملامح الأدب والإبداع، وكانت معرفتي به في الكويت حين دعاني الشاعر والمحامي الجميل مصعب الرويشد مع مجموعة من شباب الإبداع في دولة الكويت لإحياء أمسية مشتركة مع الشاعر الكويتي محمد صرخوه في ختام فعاليات (ملتقى بيت الشعر العربي) الذي أقاموه بجهود شخصية رائعة، تستحق الدعم والتشجيع والإشادة، وقد قدّم لتلك الأمسية الشاعر فيصل الرحيل.. وأعترف الآن، أو أكرر اعترافي: إنني لستُ منبرياً. لذا قد فاتني أن أقول أي كلمة شكر في تلك الأمسية؛ ووجدتها فرصة الآن لتدارك ما فاتني، فأقول: شكراً أيها المبدعون الأصدقاء.
أعود إلى الشاعر فايز دياب، وقبل الحديث عن ديوانه يستحسن أو أنوّه بأنه كان مشاركاً في (ملتقى بيت الشعر العربي) بورقة عن تجربة الشاعر الراحل محمد الثبيتي – يرحمه الله - وللأسف لم يتح لي حضورها، فقد وصلتُ إلى الكويت في اليوم التالي لقراءة الورقة، كما لم يتح لفايز دياب حضور أمسيتي، فقد غادر الكويت قبل بدء الأمسية!
(أقول:
ربَّ صديقٍ سوف ينقذني
فألتقي
كلّ من أمَّلت يخذلني.
هلالي الخصبُ
قد جفّت منابعه
وليس في طينه
شبرٌ يبلّلني)!
وهذا مقطع أيضاً من القصيدة نفسها (ما زلتُ لي) في ديوان فايز دياب.. الذي أصرّ على تسميته (إيوان شعري) وعلى عنونته (أنا الذي رأيت كل شيء).. الصادر عن دار (أثر) الآن.. ولا أدري كيف وجدتُ ترابطاً أقلّه الانسجامُ بين عنوان الكتاب – فليكن اسمه كتاباً بدلاً من إيوان أو ديوان! – وبين اسم دار النشر.. فأقرأ العنوان هكذا (أنا الذي رأيتُ أثرَ كلِّ شيء).. ولعلي بهذا الاقتراح لتحوير في العنوان – بحسب قراءتي – لا أفعل أكثر مما فعله كبيرنا الراحل د. غازي القصيبي – رحمة الله عليه – حين قرأ ديوان الشاعر الكبير أحمد الصالح مسافر (عيناك يتجلّى فيهما الوطنُ) فقال القصيبي في قراءته: كان يكفي أن يختصر العنوان إلى (عيناك الوطن)!
مع الفارق طبعاً بين اقتراح من أجل اختصار العنوان، واقتراح من أجل انسجام يطيل العنوان شكلاً ويقتصره مضموناً على (أثر كل شيء) لا (كل شيء) بالمطلق؛ ففي قصائد الكتاب آثارٌ واضحة لتجارب شعرية كبيرة رآها الشاعر من زاويته التي أتقن الالتزام بها حدّ تكوين شخصية تخصه وحده، منذ كتابه الشعري الأول هذا، وهو ما يجعلك تحترم هذه التجربة المتأنية التي تخرج ناضجة بشكلها المتميز حتى إذا بالغ صاحبها في عنوانها!
(وصورةُ النهرِ
في عقلي قد اهترأتْ
تنهارُ كلَّ نهارٍ
وهي تقتلني.
وعمري الـ أمتطي
قسراً نواجبه
ما زلتُ أعذله
طوراً ويعذلني.
عباءةٌ لأبي
خيطت على كرمٍ
عزُّ الشمال بها
لو تهتُ يسألني.
عن قصة العاشق المجهول
توصله
إلى التي كلما أشفقتُ توصلني).
هكذا.. فقرات القصيدة تعلن عن تماسكها إيقاعاً وقافية، ومعانيها تشع مضيئة في زوايا التأمّل الشعوريّ الذي يستدعي الذاكرة والحدس معاً.. بإتقانٍ ينبضُ إبداعاً.
وبعد، فأنا كما أكرر عن نفسي بأنني (لستُ منبرياً ولا أجيد الإنشاد على المنابر) أكرر كذلك أنني (لستُ ناقداً ولا أجيد القراءات النقدية) إنما هي الآن ودائماً مجرد وقفات عابرة، أقرأ فيها بصحبة الإبداع قراءة انطباعية؛ أو هي كتابة انطباعية أطرحها لأحتفي من خلالها بفقرات أعجبتني من قصيدة في كتابٍ كلُّه يستحقُّ الإعجاب.
- الرياض
ffnff69@hotmail.com