نبهني صديقي الدكتور عبدالعزيز الزير حين علم اشتغالي ببحث مجابهة الضعف اللغوي (1999م) عن كتاب مهم في هذا الشأن هو (الصحيح والضعيف في اللغة العربية)، وأذن لي أن أستعير نسخته مشدّدًا على أهمية إعادتها إليه، ومنذ ذلك الحين عرفت هذا العلّامة المتعمق في علوم اللغة وتعليمها وما يتصل بذلك من التربية، وجاء يوم دخلت مجلس قسم اللغة العربية فرأيت في صدره شابًا شديد بياض الثياب منير الوجه ذا قسمات دقيقة، عرفت بعد ذلك أنه يوسف ابن النحوي محمود بن يوسف فجّال، ثم عرفت شقيقه النبيل ذا الخلق الرفيع محمدًا ونشأت بعد ذلك بيننا زمالة ومعرفة ومودة متّصلة، وأذن الله أن ألقى أستاذنا الدكتور محمودًا غير مرة فرأيته وقورًا هادئًا بلبس شيوخ الشام الرسميّ معتمًّا بعمامة بيضاء، ثم عرفت بعد ذلك من هذه الشجرة المباركة الدكتور عبدالله والدكتور أنسًا، وكنت حين لقيتهم أول مرة أحس أننا على معرفة سابقة.
حصل الدكتور محمود فجال على شهادة الماجستير في جامعة الأزهر عام 1975م وعلى شهادة الدكتوراه في الجامعة نفسها عام 1978م. كان أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، رأس قسم النحو في فرع الجامعة بأبها، نالته جملة من شهادات التقدير والشكر، أشرف على الرسائل العلمية وناقشها، وحكم في بحوث الترقية وما يراد له النشر، وكان آخر أعماله الإدارية أنه مستشار في مكتب وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
وعلى الرغم من كثرة أعبائه الإدارية والأسرية لم يغفل عن البحث والتأليف فأثرى المكتبة العربية بجملة من الأعمال الجليلة والبحوث الأصيلة، سأقتصر في ذكرها على بعض ما طبع أو نشر منها.
جاءت أعماله في خمسة اتجاهات:
أولًا: تحقيق التراث في أصول النحو: من ذلك كتاب (الاقتراح في أصول النحو وجدله) للسيوطي، طبعته مطابع الثغر، و(فيض نشر الانشراح من روض طيّ الاقتراح) لابن الطيب الفاسي، طبع دار البحوث بدبي، (رسالة في إعراب حديث: كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم نزل. لابن هشام)طبعه نادي أبها الأدبي، (رسالة الإذن إلى توجيه «لاها الله إذن» للسيوطي) طبعها نادي أبها الأدبي، و(رسالة في نسبة الجمع لابن كمال باشا) نشرته مجلة عالم الكتب. ومما يتعلق بالتراث بحثه (في التراث الإسلامي العربي وقيمته الحضارية) نشر في مجلة عالم الكتب.
ثانيًا: التأليف في أصول النحو: كتاب (الإصباح في شرح الاقتراح) طبعته دار القلم بدمشق، و(الحديث النبوي في النحو العربي) طبعه نادي أبها الأدبي، و(السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث النبوي في النحو العربي) طبعه نادي أبها الأدبي، و(ارتكاز الفكر النحوي على الحديث على الحديث والأثر في كتاب سيبويه) طبعته مطبعة زيج، و(تخريج أحاديث الرضي في شرح الكافية) طبعه نادي الشرقية الأدبي، ومن البحوث المتعلقة بهذا: (الحديث النبوي ينبوع فيّاض للنحو العربي) نشرته مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وثلاثة بحوث نشرتها مجلة العرب: (الاحتجاج في العربية: المحتج بهم-زمان الاحتجاج)، و(ضرائر النثر في النحو العربي)، (الضرائر الشعرية والنثرية في النحو العربي).
ثالثًا: الدفاع عن العربية: كتاب (الصحيح والضعيف في اللغة العربية) طبعته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، (النحو قانون اللغة وميزان تقويمها) طبعه نادي أبها الأدبي، ومن بحوثه (شيوع الألفاظ والتراكيب الأعجمية وأثره في اللغة العربية) نشرته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ضمن بحوث ندوة الضاد، ونشرت مجلة العرب: (النحو العربي: ادعاء صعوبته-طريق معرفته) ، (أولًا وسلاسلًا عربيتان فصيحتان محكيتان).
رابعًا: في النحو وتعليمه: كتاب (القلائد الذهبية في قواعد الألفية: عرض لشرح ابن عقيل بثوب جديد)، طبعته مطبعة زيج، ونشرت مجلة العرب أربعة بحوث: (توجيهات نحوية للحديث النبوي: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا...)، و(نظرات نحوية في لغة طيئ)، و(قضايا لغوية)، و(قضايا نحوية حول التناسب في الفاصلة القرآنية)، ومن بحوثه (مواضع استعمال حروف الجر مع الفعل أرسل) نشرته مجلة الأحمدية بدبي، و(عقود الجمان في أمثال القرآن) نشرته مجلة الفيصل.
خامسًا: ترجمة لأعلام اللغة والنحو: (الزنجاني: حياته ومؤلفاته)، (الكافيَجي: حياته ومؤلفاته) (ابن كمال باشا: حياته ومؤلفاته)، (عبدالقادر البغدادي: حياته ومؤلفاته) وكل هذه البحوث نشرتها مجلة عالم الكتب.
ولأستاذنا كتاب عنكبي نجده في المكتبة الشاملة هو (القرآن الكريم منهج متكامل)، قدم له بأنه منهج متكامل لإصلاح المجتمع، وأدار الكلام حول ثلاثة محاور: المحور الأول: الهدف العام من إنزال القرآن الكريم، المحور الثاني: علاقة الإنسان بربه، المحور الثالث: علاقة الإنسان بمجتمعه.
رحم الله أستاذنا وشيخنا الدكتور محمود بن يوسف فجال الذي توفي في يوم الخميس الثالث عشر من ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وأربع مئة وألف. وسيظل حيًّا بما خلّف لنا من أعمال وأبناء بررة من اللغويين المجيدين ذوي الخلق الرفيع، فلعلهم ينشرون ما لم ينشر من أعمال والدهم لينتفع بها طلاب العربية وليدعوا لصاحبها بالأجر والثواب.
- الرياض