الثقافية - محمد هليل الرويلي:
خمسة وأربعون يومًا قضاها الدكتور عيد اليحيى مع فريق عمله في وسط البراري والصحاري والقلاع وبطون الأودية والسهول والهضاب والجبال الشاهقة وسط تضاريس صعبة «فلأواء الشمس» تفتعل لغة المخاتلة وهي تتبع خطاهم المثقلة في تلكم البراري الموشومة بأعراق أسلافنا يقتفي آثار خطى العرب، كسب التحدي وسبق الرهان وأنهى المشروع الذي قد حقق أعلى نسب مشاهدة خلال فترة عرضه في شهر رمضان.
«المجلة الثقافية» تسلط الضوء وتطوف بقناديل وأسئلة وهّاجة في ثاني أجزاء الحوار مع الدكتور اليحيى..
* أعددت وشاركت في برنامج يتقصى البيئة الثقافية والطبيعية والمكانية التي أنتجت الشعراء العرب الجاهليين كما أنتجوا فيها معلقاتهم الشهيرة من درر الإبداع والأدب والشعر وهي ما صار أحد ركائز التراث العربي اللغوي والبياني لا بل وبات وثائقيًا للتأريخ الاجتماعي والثقافي والإنساني في شبه الجزيرة العربية ومن ثم في العالم العربي كله الذي غمرته موجات تلو أخرى من هجراتها وغزواتها وأيامها، عابك البعض في اللحن وكسر الأبيات وشكك البعض الآخر في مكانية الأحداث رغم كل ذلك الإعداد والدعم الضخم من قناة العربية ألم تستطع تخطي هذه السلبيات التي تبدو بسيطة لكنها باتت مأخذاً على العمل؟
لا بد لأي عمل من أخطاء مهما يكن حجم إعداده والتحضير له داخل المكاتب وقاعات الدرس، فكيف بعمل ميداني تم تصويره في ظروف صعبة وقاسية في الجزء الأول من البرنامج «على خطى العرب» أخذني النقاد بجريرة اللحن، نعم حصل ذلك بسبب ارتجالي لنصوص كما أنني لم أكن أقرأها من ورقة أو من شاشة إلكترونية مُشكّلة كما يفعل بالبرامج الأخرى ونشرات الأخبار، وأتحدى حتى المختصين أن يقفوا أمام صخرة بالصحراء ويقرؤوا معلقة لبيد بن ربيعة أو طرفة بن العبد أو امرئ القيس قراءة سليمة خالية من اللحن والشوائب، كما أنني لم أذهب لإحسان قراءة القصائد بل لأقف على مكانها. بعد الإعداد الجيد في الجزء الثاني تم تلافي ذلك.
أما التشكيك في الأحداث والوقائع والأمكنة فتشكيكهم لا يغير في الحقيقة من شيء, كل أمة من الأمم عندها أحداث وتاريخ تعتز وتفتخر به سواء أكان ذلك التاريخ أسطورة أم حقيقة، الأسطورة جزء من تاريخ الأمم والشعوب. هناك من يعادي كل ما هو عربي ويشكك بذلك وللأسف أن بعضاً من هؤلاء هم من أبنائنا ويتكلمون بلساننا مثل أولئك مصابون بخواء فكري حيال كل ما يمس تاريخنا إنهم يظنون بأن ليس لدينا تاريخ أصلا، يعتقد البعض أن هؤلاء متأثرين بالغرب إنهم ليسو كذلك إنهم لم يقرؤوا تاريخ المشرق والمغرب فكيف يفهمون تاريخهم ويبنون عليه منهجياتهم وهم موغلون في الانهزامية تجاهه؟ فلا تعويل عليهم إذن!
* هناك من يشكك بآليات العمل التي تعنى بالتراث والآثار من حيث قلة الخبرة ونقص الكوادر، ومع ذلك أصبح العمل حديث المشاهدين واحتفت به القناة العربية احتفاءً خاصًا. من فكرةٍ برأسك لفشل بإقناع المؤسسات والقنوات لإنتاجه وعرضه لتجربة شخصية بقناة باليوتيوب، حول هذه الرحلة الإعلامية الخلاقة متى بدأت وأين تنتهي؟
المشككون يريدون عملاً بيروقراطياً معيناً يشترك فيه مجموعة من الناس، كنت أتمنى أن العمل خلال رحلتي ضم عدداً من الجيولوجيين والإنثربولوجيين ومحدثين ملمين بالأحداث والحضارات السالفة والتاريخ الإسلامي، لكن هذا للأسف لم يحصل وربما لن يحصل لأنه حتى المتخصصين والأكاديميين لم يقفوا أصلاً على هذه الأماكن، كما أنه ليس لديهم أي رغبة بالذهاب إليها, قمت بهذه الأدوار مكتملة ومجتمعة ونجحت بها ولله الحمد بالإرادة والصبر المثابر والرغبة الحثيثة والحب الشغوف لإنجاح هذا المشروع الوطني الضخم. أما من ناحية فشلي في إقناع الفضائيات والقنوات بتبني الرسالة إعلاميًا، أعترف بأنني فشلت في ذلك غير أن مكافحتي وإصراري وصبري دعتني لطرق كل الأبواب ليس للكلام والتنظير وإنما لنتعرف على تاريخنا وتراثنا الذي عرفت من خلاله نظريتي «قيام الدولة الوطنية».
المشاكل التي نعانيها في العالم العربي من مشاكل عنصرية وطائفية وتطرف وحزبية مما ولد فساداً إدارياً ومالياً وسلبية أدت لعدم الإنتاجية وتدمير البيئة شوهت الذوق العام والسلوك معًا في بلداننا, وما نراه في الشوارع والطرقات كل ذلك بسبب انعدام الوطنية، باختصار شديد لا يوجد عندنا إيجابية لأننا لا نحس بالسعادة الوطنية, السعادة الوطنية تجعل من جميع المواطنين صالحين وإيجابيين, السعادة الوطنية لن تقاس يومًا بالمال. كثير من ملاك الأموال يفتقدون للسعادة الوطنية. السعادة الوطنية تقوم على ثلاثة أركان رئيسية تعريف المواطن بجيولوجية وطنه, وتعريف المواطن بأيركولوجية وطنه, وتعريف المواطن بأنثرلوجية وطنه هذه المعرفة التي تولد السعادة الوطنية والتي بدورها تولد الإيجابية أيضًا والمواطنة الصالحة. لقد طرقت جميع الأبواب أشرح هذه الأفكار وأعرف بها لكن كل الأذان كانت مسدودة والأفواه صامته كأن أحدًا لم يكن يريد أن يفهمني أو يسمع ما أقول إلا أن عبدالرحمن الراشد مدير «قناة العربية» بحذقته وفطنته وذكائه الشديد أعجب بالفكرة بعد مشاهدته لأحد «المقاطع على اليوتيوب» الذي جعلته خياري الأخير لإظهار مشروعي للنور بعد فشلي في إقناع الوسائل الإعلامية فكان هو أول وآخر من اتصل بي وبحسه الصحفي العالي والوطنية التي آمن بضرورة إيصال رسالتها تبنى المشروع في جزئه الأول وسخر كافة الإمكانيات لفريق العمل رغم معارضة بعض الأشخاص من داخل القناة والمحتجين بتخصصها الإخباري فقط مع عدم ضمان المراهنة على نجاح مثل هذه الأفكار الغريبة غير المسبوقة ومطروقة سابقًا ميدانيًا.
قضينا خمسة وأربعين يومًا في وسط البراري والصحاري والقلاع وبطون الأودية والسهول والهضاب والجبال الشاهقة وسط تضاريس صعبة «فلأواء الشمس» تفتعل لغة المخاتلة وهي تتبع خطانا المثقلة في تلكم البراري الموشومة بأعراق أسلافنا، نقتفي آثار خطى العرب، كسبنا التحدي وسبق الرهان، وأنهينا المشروع الذي قد حقق أعلى نسب مشاهدة خلال فترة عرضه في شهر رمضان واليوم يستمر هذا الدعم مع إدارة الإعلامي المتجدد الأستاذ تركي الدخيل الذي تبنى الجزء الثاني من العمل ورحلة أخرى لإفريقيا ستعرض لاحقًا.
* أقسام الآثار في الكليات والجامعات يبدو أنها بعيدة عن التفاعل الإيجابي من معطيات التراث. لما لا يكون هناك مشروع وطني تتبناه هذه الجامعات وكراسي بحثية بحكم عملكم الأكاديمي ألم تخطر ببالك مثل هذه الفكرة؟
للأسف الجامعات والأقسام في الجامعات المعنية بالتراث الطبيعي جزء من المشكلة لأنهم بعيدون كل البعد عن التفاعل الإيجابي فجل ما يقومون به هو التنظير فقط وبسبب الجهل المحيط بهم فكيف يُدرسون أشياء لا يعرفونها أصلاً فهم يدرسون أحداثاً تاريخية ونظرية قد حفظوها فقط هم لا يعرفون أين مكانها حقيقة ولم يقفوا عليها البتة فكيف يتبنون هذا المشروع؟! أنا لست ملتحقًا بأي جامعة بعد لكن بعد عملي الآن أصبحت الفكرة مطروحة وواضحة أكثر, الكرة الآن في ملعبهم وهذا دورهم ليكملوا المسيرة بشكل عملي تطبيقي تتحقق فيه الرؤية كاملة، فلا يمكن أن أقوم بكل شيء وهم المتخصصون بذلك لعلهم يتبنون هذا المشروع الوطني وإنشاء كراسي بحثية لكن للأسف الشديد حتى هذه اللحظة لم أرَ بادرة تلوح في أفق سماء جامعاتنا. في الجامعات الغربية أوجدت أقساما كاملة لدراسة التراث العربي الإسلامي «دراسات الشرق الأوسط» لأن الذي يمتلك ودرس هذا التراث خلال الأربع مئة سنة الماضية هم الأوربيون والروس لمعرفتهم بأهمية هذا العمل الميداني، فجلبوا المعلومات هذه كلها عندهم, فصار طلابنا للأسف يبعثون هناك ليدرسون تراثنا عندهم. لماذا تراثنا لا يدرس في جامعاتنا ويجلب له الطلاب من خارج البلاد ليدرسوه عندنا على أرضنا وبين حصون قلاعنا ومنازلنا العتيقة ومعابدنا هذا نوع من تعميق الهوية.
في جامعة محمد الفاتح في اسطنبول منح دراسية في الماجستير والدكتوراه لجميع الطلاب من جميع أنحاء العالم لدراسة اللغة التركية والحضارات التي مرت بتركيا. الحضارات القديمة قبل الحضارة العثمانية والحضارة التركية الحديثة بآلاف السنين هذا هو المطلوب لكن للأسف لم يحدث هذا بعد عندنا, لذلك نهضت تركيا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وهذا ما فعله حزب العدالة والتنمية بإعادة الهوية الوطنية وافتخار الشعب التركي واعتزازهم بتراثهم ولغتهم وتاريخهم ونطالب جامعاتنا بهذا الشيء من خلال إيجاد الكراسي البحثية عبر مشروع «خطى العرب» وتاريخ دراسة الحضارة العربية دراسة ميدانية, فتح منح دراسية للطلاب في الماجستير والدكتوراه ممن لهم اهتمام بدراسة الحضارات والتاريخ لأنها حضارات متلاقحة ممتدة في الغرب والشرق إنهم يفهمون تأثير امتداد الحضارات وتجاورها لأن لديهم الرغبة في ذلك بينما نحن نفتقدها وبشدة.
* المحظورات الارتجالية في التعاطي مع التراث الآثاري يبدو أنها لا تزال قائمة. فكيف يتسنى تفعيل الدور السياحي الهادف دون صدام مع نمطية التفكير في تقبل الآثار؟
المحظورات الارتجالية بدأت تتلاشى والاهتمام بالآثار هو صناعة لا يمكن أن تهتم بشيء ما لم تخلق آلة تصنع أداة للاهتمام به فصناعة الاهتمام بالتراث الذي يجلب السياحة صناعة تحتاج لأدوات ومواد أولية وبنية تحتية فهذا يقع مسؤوليته على المستثمرين لأن هيئة السياحة طورت كثيرًا من المواقع التراثية من ناحية التراث العمراني في المدن والقرى وليس لديهم أي عذر للاستثمار بأموالهم بأماكن معدة مجهزة.
* الغريب أننا كباحثين ومثقفين وإعلاميين ومتلقين حينما نذهب لدول الغرب والشرق نقبل على المتاحف ومناطق الآثار ونتحدث عن حضارتها وحاضرها ومستقبلها المجيد إلا أنه في داخل بلادنا تخبو وتكاد لا ترى أي جهد في هذا السياق؟
نحن كباحثين ومثقفين ذهبنا للغرب والشرق لكونهم عرفوا أن المواطنة الصالحة والإنتاجية لا تقوم إلا بمعرفة التراث وتعميق الاعتزاز الإيجابي للوطن الذي يعيشون فيه فتجدهم قد أبرزوا تاريخهم وتراثهم وأنثربولوجيتهم بالمناهج الدراسية من مقاعد الدراسية في المرحلة الابتدائية لما بعد الجامعة وأنتجوا الأفلام وسخروا هوليود لإعادة إنتاج قصصهم وأساطيرهم كما أقاموا المتاحف الكثيرة لعرض كل ما لديهم. في السعودية لا توجد أية متاحف حقيقية, متحف دومة الجندل مثلاً ينقصه أشياء كثيرة والمتحف قائم على اجتهادات شخصية من أناس ومواطنين والكلام ينطبق على باقي المتاحف, صحيح أن هناك متاحف وطنية في بلادنا أقامتها هيئة السياحة لكن ينقصها الكثير. بعض الجامعات يقولون إنهم ما زالوا في طور التطوير.. نتمنى ذلك.
* تميز البرنامج بأسلوب حديث مشوق يثريك بالمعلومات حول كل منطقة يزورها بأسلوب ممتع جذاب، هل أداؤك المسرحي العفوي ربما ساهم في إنجاح حلقات «على خطى العرب»؟ وهل تفكر مستقبلاً بإشراك عناصر مسرحية أو حتى ملقين للقصائد وبعض المشاهد المسرحية؟ أم أنك ستستنسخ نفس الأفكار والأداء؟
الأداء البسيط الذي أقوم فيه سهل ممتنع كما أنه ليس خالياً من التعقيد الخلفي «وراء الكواليس» هو نتاج دراسة تخصصية خاصة بالعلوم الدبلوماسية والعلوم الدبلوماسية الشعبية «الفوز بالعقول والقلوب» يحتاج لمزيد من الجهد والبذل والإيمان والاستمرار. نعم هناك أداء مسرحي تمثيلي بسبب تقمص أدواري للمكان والنص والشخصيات, لا أظن أنني سأشرك أحداً بالإلقاء في البرنامج فالعمل يسير كما خطط له.
* لما للإعلام من تأثير كبير على فكر المجتمع ولما له من توجيه كبير في ثقافة واهتمامات وتطلعات الشعوب ألا ترى أن الضرورة ملحة للقيام ببث قناة فضائية خاصة في السياحة والآثار تقدم برامج مكثفة لتعريف العالم بما تحويه أرض المملكة العربية السعودية من إرث ضارب في عمق التاريخ تمامًا كما تبث بعض الدول فضائيات تجذب السواح وتقدم للعالم تعريفاً بالحضارات التي مرت بها. هل ترى أن تحقيق مثل هذه التطلعات أحلام وإن كان الأمر ممكنًا؟ من تراه مسؤلاً عن إطلاق بث هذه الفضائية؟
نعم أطالب بالتركيز على تراث الجزيرة العربية, تراثنا عظيم لما له من أهمية وارتباط بكل الحضارات التي قامت بين بلاد الرافدين والشام ومصر والتلاقح الذي صار بيننا وبين الرومان والبيزنطيين، وأيضًا ما حصل بيننا وبين حضارات الهنود والصين, والمتابع الراصد يلحظ جيدًا كيف أن هذه الأمم بثت قنوات داخلية موجهة لشعوبها وخارجيًا أيضًا وكذلك للتعريف بما لديهم من عمق حضاري وإرث تاريخي ضارب في القدم وللعمل على جذب السياح لأن السياحة عنصر أساسي مهم جدًا لتحريك الاقتصاد ولجذب العقول والقلوب وتعميق القوة الحضارية والاقتصادية وجزء من القوة «الجيوسياسية» والعسكرية وتعريف المواطنين بما تحويه بلادهم جيوسياسية ومن تنوع جيلوجي، هذا نوع من القوة الداخلية النفسية للمواطنين وإشباع سيكلوجية الجماهير ودفعهم نحو البطولة والاعتزاز والهوية هذا موجود بكل العالم ومشبع وما زال اليابانيون يعيدون إنتاج ثقافتهم وتاريخهم وخاصة ثقافة «السامورائي» والممتدة لأكثر من أربعة قرون وتعني باليابانية الرجل الذي وضع نفسه لحفظ الأمن وخدمة الآخرين أو المحاربين، فأعادوا الأسلحة التقليدية والخيل التاريخية وما زالوا يقيمون المبارزات, وما زال الأوربيون يقومون بلبس الأسلحة القديمة ويمثلونها وما زالت متاحفهم تعج بذلك وما زالت أفلام الهوليود بأمريكا تعيد إنتاج هذه الأفلام التي يعتمدون فيها على الخيل والرماح والدروع والتقنية القديمة.
وفي روسيا تظهر قناة «rt الروسية» وأبرزت ما تحويه بلادهم من تاريخ وتنوع اجتماعي وبيئي رغم كونها قناة إخبارية إلا أنهم وجهوا من خلالها هذا الاهتمام لتواكب السياسة والحراك الاجتماعي والاقتصادي المحلي. الآن ما تقوم به «قناة العربية» يعتبر بداية المشوار ورغم من كونها أيضًا قناة إخبارية إلا أنها تبنت بث هذا المشروع الذي يلامس الاحتياجات الداخلية للناس ويعرف بثقافة وتاريخ وحضارة العالم العربي. صدقًا من دون هذه القناة لم نكن نعرف هذا الشيء. تخيل معي بكل أسف حتى التلفزيون السعودي لم يتصل بي ولم يتواصل معي أي شخص بهذا الخصوص, اليوم يجب إطلاق قنواتنا ونوجهها داخليًا وخارجيًا قد نكون تخلفنا عن الركب لكن أن تصل متأخرًا خير من أن لا تصل.
* أثارت حلقة معركة «ذي قار» التاريخية جدلاً واسعًا حول موقع المعركة التي وقعت بين بني شيبان من بكر بن وائل والفرس وقال عنها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: «هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا» وتستشهد بالواقع الطبوقراطي للجزيرة العربية والخرائط الجوية للأماكن حاليًا واستبعدت آراء من أخذوا بنقل البلدانيين القدماء وحددت الموقعة بين الحنو وقراقر التي تقع بمنطقة الجوف بالقرب من القريات، هذا السبق التاريخي وتجديد المفاهيم يحسب لك، كيف واجهت ردود الأفعال المحتجة؟ وهل تؤكد فعلاً أن هناك عوامل ساعدت على انتصار العرب بعيدًا عن الأمور الحربية والعدد والعدة؟
تحقيق معركة ذي قار هذا أيضًا من الأشياء التي يبحث فيها لأول مرة ميدانيًا. هذا الموضوع لم يتعرض له أحد إلا شذرات يسيرة من بعض المؤرخين أشاروا على أنه في ناصرية العراق في محافظة ذي قار. المؤرخون والكتاب سابقًا قالوا ذلك بناء على الحدود القديمة للعراق حيث توصف الجهة الغربية من شمال الجزيرة العربية بالشام فيما تسمى الجهة الشرقية البحرين وهناك الحجاز ونجد واليمن, على من يعارضني على أن موقع ذي قار بالقرب من محافظة القريات بمنطقة الجوف أن يحضروا لنا دليلاً كما وقفت عند أدلة طبوغرافية بيولوجية واضحة المعالم ومعروفة والأسماء فيها مكررة مثل «قراقر ومورد قرقر» الذي حصلت عنده معركة بين الملك الأشوري وملكات دومة الجندل. كما يوجد عدد من النصوص الأشورية التي تثبت صحة تحديد الموقع في هذا المكان. إذاً المعركة حصلت عند هذا المكان شمال السعودية وليس في قاع صفصف لا يوجد حولها موردٌ للمياه ولا جبال ولا قارات كما كان يُزعم, من الطبيعي أن أي إنسان يأتي بشيء جديد ويحدث تغييراً يواجه مقاومة عنيفة. على المعارضين الذهاب للعراق والبحث عن أدلة لكي يعودوا بذي قار للمكان الذي حددوه أتمنى أن يفهموا ذلك لكن ثمة اعتقاد جازم لدي بأنه ليس هناك دليل يرجح مزعمهم.