انتعشت روح القراءة و اقتناء الكتب في المملكة العربية السعودية مع فعاليات معرض جدة الدولي للكتاب، المعرض تميز بتنوع الكتب ذات الاهتمامات المختلفة التي تغطي جميع المجالات الفكرية و الثقافية والسردية والفلسفية والفنية والاجتماعية. ومن أبرز الكتب مبيعاً في معرض جدة للكتاب:
ثقافة تويتر: حرية التعبير أو مسؤولية التعبير. للدكتور عبدالله الغذامي. من الناشر المركز الثقافي العربي. الطبعة الأولى، 2016.
( صورة للغلاف)
على الغلاف عنوان الكتاب»ثقافة تويتر» ليست باللون الأحمر الغامق ولا باللون الوردي الفاتح ولكن بينهما، ولهذا اللون دلالة تم شرحها في مواضع مختلفة من الكتاب وهي تأنيث المفردة «تويتر». تويتر مفردة أجنبية و تعني «تغريد الطيور» ويقول المؤلف عبدالله الغذامي قيام الناس للإحالة لتذكير «تويتر» ليس مستغرباً لتعود الذاكرة العربية على تذكير كل المصطلحات الأجنبية «ولذا يصعب على اللسان أن ينساق إلى تأنيث الكلمة ما لم يعتمد على معجم سبقه إليها.»
و يقول ثانياً مالت نفسه إلى تويتر مؤنثاً و من صفات الأنثى هي «الثرثرة» وهي ليست صفة سلبية و عيباً توصم به المرأة ولكنها مهارة لغوية بالقدرة على الاستقبال والإرسال معاً في وقتٍ واحد، وهي قدرتهن على التحدث والاستماع في نفس اللحظة لذلك هي ميزة خاصة لا يمتلكها الرجل (ص.57) و»الثرثرة» سمة من سمات تويتر.
الكتاب «ثقافة تويتر» يقدم أبحاثا علمية ومنهجية عن وسيلة التواصل الاجتماعية تويتر (المكشوفة الكاشفة ص.111)، و يقوم بتفكيك التشابه النوعي بين ثنائية الحرية/المسؤولية وبين حرية التعبير و مسؤولية التعبير، ويقوم بقراءة وتحليل عديد من الظواهر الاجتماعية الموجودة بتويتر كظاهرة الوعاظ الجدد و ظاهرة الحسابات الأكثر شعبية، ويقوم بشرح جبروت الهاشتاقات (ص.103)، و يقدم تعريفا لبعض المصطلحات العامية مثل الهياط (ص.44) و قصف الجبهة (ص.19) و سأهشتقك (ص.109)، و تعزيز ثقافة القبحيات على أنها من الجماليات (ص.129).
سبق وأن نشر المؤلف في أحد مؤلفاته بعنوان «الليبرالية الجديدة» بحثا طويلا في تعريف مفهوم «الحرية» جوهره هذه العبارة: «الإنسان ليس حراً ولا هو عبد، ولكنه (شبه حر)» لأن الحرية كما يراها الغذامي هي قيمة مشتركة وليست قيمة فردية.
وفي كتاب «ثقافة تويتر» يقدم شرحًا مختصرًا يقول فيه بأن هنالك حرية وجودية فردية وفيها لايتقيد الإنسان بأي شيء ويكون حرًّا في تفكيره و وجدانه وسلوكه بدون أي وصاية و بحرية تامة، ولكن الحرية بطبيعتها هي قيمة مشتركة و تنقص تدريجياً مع علاقتك بمجتمعك ومحيطك وآطراف متعددة في هذه المعادلة الإشتراكية، ولابد للفرد أن يتعايش ويرضى مع كل من حوله لكي يبقى حراً ويقول: «لن تمتلك حريتك التامة لأنك لا تمتلك وجودك التام»، ويضيف أيضاً: «كلما قلصت من حرية غيرك تقلصت حريتك أي تقع في نظرية المستبد الذي ينشغل عمره كله في حراسة استبداده» (ص.79).
بالتالي حرية التعبير في تويتر ترتبط جوهرياً بمسؤولية التعبير، فيدخل الفرد لمواقع التواصل الاجتماعي متحرراً من كل السلطات والتحكمات والقيود ليستخدم لغته التعبيرية والبلاغية في التعامل مع المختلفين عنه الموجودين كما هم دون أي حصانة، و في هذه اللحظة أحياناً ثقافة القبحيات والهجائيات الثقافية تولدُ من حرية التعبير غير المحدود لتتحول الوسيلة من وسيلة لممارسة حرية التعبير إلى ساحة لتمرير الشتائم والهجاء و الوسخ، وبالمقابل يأتي الاسم الوهمي كتغليف و قناع للاستمرار في نشر القبحيات، لذلك يقول الغذامي عن مسؤولية التعبير هذه العبارة : «لسانك حصانك، إذن أظهر فروسيتك، لا حماقتك»..
في فصول الكتاب يتحدث الدكتور عبدالله الغذامي عن ظاهرة اجتماعية متفشية وهي «تضارب القيم» (ص.84) وفيها تتصادم قيمتان عُليا فتُسقط إحداهما الأخرى ليختل توازن (القيم الأخلاقي) عند عديد من أفراد المجتمع وبسبب الضغوط النفسية والإجتماعية تتضارب خيارات الفرد الحقوقية والتسامحية وتفقد احداهما معناها وقيمتها في التضاد.
مشكلة «الاستحياء الحقوقي» تحدث عندما تتضارب القيم، أولاً القيمة الحقوقية بالتقاضي هي قيمةٌ عظمى، واستشهد الدكتور عبدالله الغذامي بحكاية الزبرقان بن بدر عندما اشتكى إلى الخليفة عمر بن الخطاب هجاء الحطيئة وكان بمقدور الزبرقان أن يرد فهو شاعر ومقتدر لغوياً وبلاغياً، بالمقابل استجابة عمر بن الخطاب بحبس الحطيئة دليل تاريخي على انتصار ثقافة الحقوق، وهذه القصة مثال على قيمة الحقوق والتقاضي.
ثانياً : قيمة التسامح هي قيمةٌ عظمى أُخرى، ولكن النسق الإجتماعي أخطر لأنه يقوم بالتأثير على اتزان الميزان الاجتماعي، النسق يقوم بالضغوط الاجتماعية فرضاً على صاحب الحق بأن عليه أن يسامح، وأن التسامح واجب أخلاقي، ولكن للتسامح شروطا أهمها العفو بالاختيار عند المقدرة، و الأعمال والأنشطة الاجتماعية التي يقوم بها الناس لفرض التسامح يُحدث نوعاً من التضارب بين القيمتين العظمى، ويقول الغذامي: «ومَن تسامح فإنه يتنازل عن حق خاص له من أجل خاطر الحق الاجتماعي، ولذا يرتبط التسامح مع طلبات اجتماعية يقوم بها مجاميع من الوجهاء و الوسطاء وأهل الخير (كما تسميهم الثقافة، وهذا يتضمن أن التقاضي شر) وفي كل قضية حقوقية يتم الضغط الهائل على صاحب الحق لكي يتنازل عن حقه» (ص.85)، فتتعطل قيمة الحقوق و التقاضي لأجل فرض قيمة التسامح بالمقابل.
ويتحدث أيضاً الغذامي عن ظاهرة اجتماعية في تويتر هي «الازدواج الثقافي» بمعنى وجود حسابات بعضها بأسماء مثقفين معروفين وبعضها مجرد حسابات ثقافية نشطة تدعو إلى قيم عليا مثل الحرية والديموقراطية والعدل والمساواة ولكنهم يقومون بحجب «تبليك» المخالفين لهم، ويقول «وهي ممارسة دكتاتورية تدل على طاغية مخبوء داخل من يمارس الحجب، وهو هنا دكتاتور صغير وسيكبر لو كبرت ظروفه» (ص.29) بمعنى أن من يحجب مغرداً كأنما يمارس الإقصاء والمنع داخل نطاقه السلطوي وكلما زادت هذه القدرة السلطوية كبر الديكتاتور الصغير المخبأ في ذواتنا (الذوات التي تحجب الرأي المخالف). فالحجب في ظاهره عملية بسيطة ولكنه تصرف سلبي دليل مماثل لنهج الإقصاء والحرمان والمنع. وكأن الغذامي يخبرنا عن ذواتنا هل بداخلنا يوجد ديكتاتور صغير؟ قيامك بعملية (الحجب / الحظر / التبليك) يجاوب.
وها هنا عبدالله الغذامي من جديد يقوم بإعادة طرح لمشاكل كنا نتصور بأنها لم تكن موجودة ويقوم بإعادة طرح لمفاهيم كنا نتصور بأننا نمتلكها، ويقوم بالتمييز بين السلوك السلبي ويحث على السلوك الإيجابي، و ينشر الوعي بتسليط الضوء على بعض الأخطاء الاجتماعية التي كنا نعتقد أنها ليست أخطاء ليبدأ إدراكنا فردياً ومعاً لمستقبلٍ واع.
ختاماً، كتاب «ثقافة تويتر» هو آخر كُتب الناقد السعودي عبدالله الغذامي، والكتاب موجود في بعض متاجر بيع الكُتب وسيعرض في مارس بالمعرض الدولي للكتاب في الرياض، ومعارض الكتاب الدولية.
حسن سعود الحجيلي - الرياض