منذ بداية عهدي مع البحث وأنا أعاني من غزوات الأفكار لرأسي حينما أتمدد على فراشي للنوم حتى لتطير عني منامي، لذا احتلت عليها بأن صرت أخربشها خربشة على ورق أضعه عند وسادتي، ومع الزمن صار هذا ديدنا لي حتى أتقنت يدي التحرك في الظلام، وامتد ذلك بأن صرت أضع في جيبي وريقات أسجل فيها كل فكرة تطرأ على بالي، ثم أجمع الوريقات في صناديق على مكتبي تحمل عناوين شتى مما هي موضوعات تتوزع عليها القصاصات وتنتظر دورها لبحث أو مقالة أو كتاب، حتى ولو طال انتظارها لدورها وعندي موضوعات تجاوزت عشرين وثلاثين سنة ولم يأت دورها،وسبقها ما هو أهم منها.
والقصاصات تشمل حتى سماعي للراديو أو مشاهدة التلفاز أو متابعة تويتر، وكلما مرت فكرة أو انبعثت في ذهني خاطرة فضيافتها على الوريقة جاهزة، وهذا أولا يريح ذهني من محاولات التذكر ووجع النسيان وقد ساعدني على محاربة الأرق والتوتر لأن الخاطرة متى كتبتها تخلص منها ذهنك وارتاح لمصيرها، وهذا يشمل قراءتي للكتب، إذ لا أحصرها بما يخص غرضي من القراءة، بل يشمل كل شيء عابر يمر وسط الصفحات حيث تلتقطه القصاصة المنتظرة له، وكثيرا ما تحفز القراءة ذهنك لأمر غير ما هو على الصفحة حسب التداعي الذهني ومحلها هذه كلها وريقة تثبتها ليوم يأتي لها في مقالة أو بحث يتطور مع الوقت.
وللقصاصات هذه فضل كبير على بحوثي ولقاءاتي ومقالاتي حيث هي رصيد موثق وموثوق حين الحاجة. ويكفي أنها علمتني الكتابة في الظلام وخلصت رأسي من بعض همومه،وفي الوقت ذاته بقيت معي، ولا يزال مكتبي يستضيف الوريقات تلو الوريقات ويودع الوريقات تلو الوريقات بعد إنجاز أي بحث أو كتاب.