الثقافية - محمد المرزوقي:
ربما تكون المفارقة الأكثر إثارة وجمالا - أيضا - في العام الثقافي المنصرم 2015م أن يبدأ بمعرض كتاب دولي وينتهي بآخر.. إذ كانت بواكير أبرز الحراك الثقافي في المملكة، إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب رابع أيام مارس، ليكون مسك الختام الثقافي؛ إقامة الدورة الأولى لمعرض جدة الدولي للكتاب، الذي جاء اختتامه إسدالا لستار عام ثقافي.
كما ظلت المهرجانات الثقافية الوطنية هي الأبرز والأكثر اهتماما محليا وعربيا أيضا، فإلى جانب معرضي الكتاب الدوليين، كان لمهرجان «سوق عكاظ» حظ وافر من المتابعة والحضور الثقافي، إضافة إلى ما تحظى به سنويا «جائزة الملك فيصل العالمية» من ترقب عالمي، وما تمثله «جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة» من اهتمام دولي، جعل من الجائزتين موضع اهتمام الأوساط الثقافية محليا وعربيا وعالميا.. إلا أن غياب (المهرجان الوطني للتراث والثقافة) الجنادرية، نظرا لوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله - وتأجيل إقامة دورتها الثلاثين إلى 2016م كان بمثابة غياب الركن الثقافي الذي أصبح – أيضا – محط أنظار المواطن السعودي، والمثقف العربي.
وعلى مستوى العمل المؤسسي الثقافي الذي جسدته برامج الأندية الأدبية الثقافية إلى جانب فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، فقد خيم على أدائها بشكل عام العمل التقليدي، والمناشط المنبرية، رغم ما تخللها من ورش تدريبية، أو معارض أو عروض متواضعة من حيث الكم.. فقيرة من حيث النوع، عطفا على المجموع المؤسسي الذي وصلت إليه أعداد هذه المؤسسات الثقافية.
وبالعودة إلى (16) ناديا أدبيا ثقافيا، في مختلف مناطق المملكة، لاستقراء منجزها الثقافي خلال العام المنصرم، نجد أن النشاط المنبري، والمسابقات، والدورات التدريبية، وعقد الملتقيات، ظلت هي السائد والمألوف لدى عامة الأندية، بينما حرص قلة منها على تطوير مناشطه عبر شراكات «عملية» عبر عدة مسارات، تمثلت في عقد شراكة مع ناد ثقافي أكثر نشاطا، عقد شراكات مع القطاع الخاص، عقد شراكات مع الجامعات، عقد شراكة مع دور نشر عربية بارزة.
كما أن التوسع «الشكلي» في لجان الأندية الأدبية بالمحافظات والمراكز.. يؤكده مدى فاعلية تلك اللجان، من خلال مدى ما قدمته خلال موسم ثقافي، إضافة إلى شكل آخر من أشكل تعدد اللجان «داخل» الأندية، التي تضخمت بما يشبه (جعجعة اللجان.. ولا طحنا) والتي كانت بمثابة لجان اختلاف أحيانا.. وخلافا في أحيان أخرى.. إلا أن ندرة من الأندية نجحت في تشكيل لجان «فاعلة» بما يخدم أغلب الفنون الإبداعية الثقافية، التي كان لها تواصل مع المواهب الإبداعية، ومسابقات، وجوائز.. حيث استطاعت تلك اللجان أن تكون بمثابة أذرع جذب وتفاعل بين المجتمع والنادي وخاصة شريحة الشباب.
ومع حصاد العام الثقافي تظل الحاجة قائمة إلى تقييم و ملحة على تقويم للبرامج الثقافية، وقدرة المؤسسات الثقافية على تقديم المختلف.. وغير المألوف.. وتجاوز عتبات القاعات المغلقة إلى المجتمع ومؤسساته المختلفة.. وصوت (المنبر) إلى صوت الحراك الثقافي، الأمر الذي يستدعي التجديد في الأدوات.. والابتكار في الوسائل.. والشراكة في العمل.. والتنوع في البرامج.. والتنافسية في الأداء.. والتقييم للمنتج الموسمي.
أما على مستوى المشهد الثقافي العربي، فقد جاء ضمن أبرز ملامحه إقامة معارض الكتاب في عدد من دول الخليج، والدول العربية، إلى جانب عدد من مؤتمرات وزارات الثقافة والإعلام، إضافة إلى ما حواه العام من الملتقيات التقليدية في عدة مجالات إبداعية كان في مقدمتها ملتقيات الشعر، الرواية، السرديات.. والتشكيل والضوء.. إلا أن «رحيل الكبار» أغلب ما شكل ملامح العام الثقافي العربي الذي أفلت أيامه قبل أمس الأول.
لقد شهدت الساحة العربية رحيل قامات ثقافية كانت لها إسهاماتها الأدبية والثقافية، والإبداعية، إذ شكلت أسماؤهم خارطة رموز في فضاء الإبداع العربي، فلقد جسدت تجاربهم «أعلام» فنون الشعر، والقصة، والرواية، والنقد، والفكر.. إذ فقدت مصر الأديب سليمان فياض، والكاتب والناقد أدوارد الخراط ، والأديب الروائي جمال الغيطاني، فيما فقدت السودان شاعرها محمد الفيتوري، أما الساحة البحرينية فقد رحل عنها الروائي خالد البسام، أما الجزائر فشهدت رحيل الروائية والسينمائية آسيا جبار، بينما كان عابد خزندار أحد أبرز من افتقدهم مشهدنا الثقافي.
وأيا كانت النعوت التي تداولتها الأوساط الثقافية العربية برحيل هذه القامات، إلا أنه يظل العام الأكثر نزفا في خارطة الثقافة العربية، مقارنة بالسنوات المنصرمة، وبالنظر إلى ما ورثته هذه الأسماء من إرث ثقافي، ومنجز نوعي، وكلمة لن «تصدأ» بمرور الزمن في ذاكرة الأجيال ا لعربية القادمة.