|
حرب لبنان: مَنْ المنتصر؟!
|
لا يمكن لمنصف تابع الحرب بين إسرائيل بقوتها الهائلة وحزب الله اللبناني بإمكاناته العسكرية والبشرية المتواضعة، إلا أنْ يقفَ إعجاباً بصمود المقاتلين اللبنانيين على مدى أكثر من شهر في مواجهة أقوى جيش في المنطقة، وأن يقرر بأن إسرائيل قد خرجت من هذه الحرب بدروس قاسية ومريرة وموجعة لمؤسستها العسكرية بخلاف ما اعتادت أن تؤول إليه حروبها السابقة مع العرب.
***
وبينما يختلف الجميع بين مَنْ يرى أن إسرائيل قد حققت الانتصار الذي سعت إليه، ومَنْ يقول إن حزب الله منع إسرائيل مِنْ أنْ تحققَ أهدافَها في هذه الحرب، فيما يدخل على الخط مَنْ يعتقد أنَّ أياً من الجانبين لم يكسب الحرب لا في الضربة القاضية ولا في عدد النقاط، بما يستخلص منها المراقبون بأن جولة جديدة من الحرب ربما اندلعت من جديد إنْ لم تحل دون حدوثها القوات الدولية المرابطة على الحدود بين لبنان وإسرائيل.
***
كان هدف إسرائيل من توسيع عدوانها على لبنان تحرير أسيريها لدى حزب الله، وعدم القبول أو التسليم برغبة الحزب في مبادلتهما بما لدى إسرائيل من أسرى لبنانيين ينتمون إلى حزب الله، متذرعةً بهذا الحادث لتقليم أظافر مقاتلي الحزب، والحيلولة دون استمرار بناء ترسانته العسكرية، بما يشكل قوة تهدد أمن وسلامة إسرائيل والإسرائيليين، أو هكذا أرسلت إشاراتها عن سبب هذه الحرب، وامتناعها عن تكرار تجربة تبادل الأسرى التي كانت ستوفر على الجانبين المزيد من الخسائر البشرية إلى جانب الأضرار الأخرى.
***
وفيما لا يزال الجدل محتدماً في تحديد هوية المنتصر في هذه الحرب، فإنَّ الرئيس الأمريكي بوش يطالب العالم بالتريث في الحكم، مؤكداً أنه سيتبين في المستقبل أن إسرائيل قد كسبت الحرب في مقابل خسارة حزب الله لها، فيما لا يزال الشارع الإسرائيلي يغلي ويُحمِّل حكومة أولمرت المسؤولية عن فشل الجيش الإسرائيلي في إدارته للمعركة مع حزب الله اللبناني، بل إنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي اعترافاً منه بالتكتيك الخاطئ للحرب ومن وجود أخطاء كثيرة في إدارته للمعركة، قد سارع إلى تحمل المسؤولية عن كل نتائجها، مع صدور قرار منه بتشكيل لجنة للتحقيق في سوء التحضير والاستعداد للمعركة وما صاحب ذلك من إخفاقات.
***
ولم تكن المعارضة الإسرائيلية راضية عن نتائج الحرب بين دولة وحزب، خصوصاً حين تكون هناك مقارنة بين الإمكانات بين إسرائيل وحزب الله، فقد سارع رئيس وزراء إسرائيل الأسبق (باراك) إلى تخطئة الحكومة الإسرائيلية في توسيع رقعة الحرب، بينما كان عليها لتجنب هذه الأخطاء أن تكون مناوشات محدودة بحسب وجهة نظره، ولم يكن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق (نتنياهو) أقل من سابقه في نظرته وقراءته لنتائج المعركة بين الجانبين، وهو ما يعني أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة أولمرت لم تُحْسِنْ اختيار التوقيت والتكتيك وتقدير قوة عدوها قبل مغامرتها في حرب كلَّفتها القول بأنها لم تعد تملك جيشاً لا يُقهر.
***
وعلى الطرف الآخر، فقد كان صوت حزب الله عالياً ومدوياً بقوله إنه حقق انتصاراً لم تحققه الجيوش العربية مجتمعة و منفردة في حروبها مع إسرائيل منذ قيامها في عام 1948م، وإن الأسيرين الإسرائيليين بقيا حتى توقف آلة الحرب وإلى اليوم في قبضتها ولن تستطيع قوة في العالم تحريرهما بدون تبادلهما مع أسرى حزب الله القابعين في سجون إسرائيل، متباهين بأن مقاتلي حزب الله قد تصدوا ببسالة وشجاعة لكل إنزال إسرائيلي على أرض لبنان أثناء الحرب، وأنهم قد أوقعوا في العناصر الإسرائيلية الكثير من القتلى ومثلهم من الإصابات، فضلاً عن وصول صواريخهم إلى داخل العمق الإسرائيلي محققةً المزيد من القتلى والإصابات في صفوف الإسرائيليين.
***
ولتكتمل صورة هذه الحرب بنتائجها وتداعياتها بشيء من الموضوعية والتجرد في تناولنا لهذه الحرب الدامية، فلا بد من الإشارة إلى وجهة نظر الطرف الثالث (غير إسرائيل وحزب الله) المتمثلة في القول بأن نتائج هذه الحرب قد دمرت البِنية التحتية للبنان بما تحتاج لإعادة بنائها وتأهيلها إلى سنوات طويلة وإلى مالٍ كثير، وبأن حزب الله خرج من الحرب ضعيفاً في قوته العسكرية بعد أن فقد الكثير منها خلال الحرب، وبعد أن طوقت الحدود لضمان عدم وصول سلاح جديد إلى قواته، وأن إسرائيل ضمنت بذلك وجود قوات دولية ستنوب عنها في مراقبة الحدود مع لبنان ومنع أي اختراقات عسكرية قادمة من حزب الله، والمكسب الأكبر لإسرائيل من هذه الحرب أن حزب الله قد ابتعد تماماً من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وأن العمل دولياً يجري لنزع السلاح من عناصره، بما لا قدرة لحزب الله على مواجهة العالم في مثل هذه القرارات الصعبة، وبخاصة أن خصومها من اللبنانيين كُثر.
***
ومع هذا، فعلينا الانتظار لنرى مَنْ كسب المعركة فعلاً، فمثل ما قِيل عن خسائر حزب الله، فإنَّ الحديث في إسرائيل هو أيضاً عن هزيمتها وإذلالها والمس من سمعة جيشها في معركته مع حزب الله، وقد يُظهر لنا المستقبل ما يُكذِّب رأي الرئيس الأمريكي المتعاطف مع إسرائيل، أو يُصدِّق وجهة نظره، برغم تقاطعها مع ما يُقال حالياً عن نتائج الحرب في كلٍّ من لبنان وإسرائيل.
خالد المالك
|
|
|
عدوان إسرائيل على لبنان حرب بلا منتصر!
|
* ترجمة - محمد الزواوي
بعد شهر من القتال، وأكثر من ألف قتيل لبناني، وما يقرب من 800 ألف مهجر وخسائر تقدر بملياري دولار يتساءل البعض عن النتائج التي أفرزتها تلك الهجمة على لبنان؟ ومن الذي انتصر في تلك الحرب الدموية - هذا إذا افترضنا أن الحرب توقفت بالفعل، ولم يكن هناك خرق لوقف إطلاق النار -. وبالرغم من عدم إفراز تلك الحرب لنتائج واضحة، إلا أن القادة الإسرائيليين الذين قاموا بتلك المغامرة العسكرية لا يزالون يلوون الحقائق ليثبتوا لشعبهم أنهم خرجوا بمعنى ما من معاني النصر في تلك الحرب لترويجها أمام الشعب الإسرائيلي الذي لم تنطل عليه تلك المناورة-
وعن هذا الموضوع كتب بيتر بومونت مقالاً نشرته (الأوبزرفر) البريطانية جاء فيه أن السياسيين أمثال نائب رئيس الوزراء شمعون بيريز حاول أن يروج لمبدأ أن إسرائيل حصلت على كل شيء أرادته من تلك الحرب بعد قرار مجلس الأمن الذي دعا إلى الوقف الفوري لكافة أعمال العنف ونزع سلاح حزب الله، وإمكانية التواجد الإسرائيلي في لبنان بدعم من الولايات المتحدة، ولكن الكاتب يصف أن نتائج تلك الحرب هي خسائر أكثر من مكاسب-
ويؤكد الكاتب في مقاله: إنه بصرف النظر عن تواجد إسرائيل بلبنان الآن، إلا أن قدرات إسرائيل أصبحت محدودة للغاية، فمن الناحية العسكرية تمكنت المقاومة من صد الهجوم الإسرائيلي بصورة ناجحة للمرة الثانية على التوالي، كما استطاع مقاتلو الحزب أن يدمروا دبابات ميركافاه عالية التحصين التي قصفوها وأعطبوها بأعداد كبيرة، كما ظهرت الكثير من الثغرات في جيش إسرائيل بمعداته وتقنياته العالية، سواء في الدفاع أو في العزيمة القتالية، مقارنة بخصمه محدود العدد والإمكانات الذي يفتقد إلى العربات المدرعة والقذائف الجوية والطائرات، كما أن تلك الحرب أظهرت ضعف الجبهة الداخلية لإسرائيل وقابليتها أمام الهجمات الصاروخية، وبدت ساحتها مفتوحة أمام عدوها، بالرغم من حيازتها لبطاريات أمريكية مضادة للصواريخ من طراز باتريوت، وقد فقدت إسرائيل واحدة من أقوى أسلحتها في تلك الحرب، وهو الشعور المعنوي بأن جيشها لا يمكن هزيمته.
ويتابع الكاتب قائلا: لن يغفر الشعب الاسرائيلي لأولئك الذين شنوا تلك الحرب ضياع الهيبة المعنوية للجيش الإسرائيلي فقد علم الشعب الآن أن تلك الحرب جرى التخطيط لها منذ فترة طويلة ولم تكن لمجرد الرد على أسر الجنديين، وقد بدأ انحسار الدعم الشعبي لتلك الحرب حتى قبل قرار مجلس الأمن، بالرغم من أن هذا الدعم كان كبيراً في بداية الصراع، ولكنه أخذ في التآكل بعدما زادت الخسائر الإسرائيلية وتوالى سقوط القتلى والجرحى في مقابل القليل من المكاسب الجغرافية والاستراتيجية، فقد كان الانتصار الإسرائيلي الوحيد هو (الاستيلاء) على بلدة مرجعيون التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عبر الحدود.
ويشير كاتب المقال إلى أن القيادة العسكرية والسياسية الاسرائيلية تعرضتا إلى هجمات شرسة بسبب طريقة قيادتهما للحرب في أسبوعيها الأخيرين، ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في خطر شديد اليوم، وذلك بعد أن حاول أن يكون أقوى من معلمه - آرييل شارون - وفشل في ذلك. وسرعان ما اكتشف الشعب الإسرائيلي أن أولمرت قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق ما أكد على تحقيقه في بداية الحرب، وهو تدمير حزب الله، كما أن النصر الذي زعمه كان جزئياً ومقتضباً بصورة كبيرة، وهو مجرد حصوله على قرار من مجلس الأمن بتقليل قدرات حزب الله، وبالطبع أنه من غير المؤكد تحقيق ذلك، كما أن حزب الله خرج من تلك المعركة دون خسائر تذكر، ولم يتراجع سوى مسافة صغيرة عبر الحدود.
أما من الناحية الإنسانية فقد خاض الجيش الإسرائيلي تلك الحرب بسياسة الأرض المحروقة التي كانت تهدف إلى تهجير السكان المحليين، وزعم الإسرائيليون كذباً أنهم سمحوا بممر للمساعدات الإنسانية في حين أن ذلك لم يتم إضافة إلى عدم مبالاتها لقتل الضحايا المدنيين، وأصدرت تفسيرات لاإنسانية وقالت: إن أولئك المدنيين القتلى كان يجب عليهم أن يهربوا فور أن تم تهديدهم بالهروب، مما أدى إلى تزايد الشعور الدولي بأن إسرائيل بلد لا يعبأ بالقانون الدولي.
ويضيف كاتب المقال أنه بالرغم من أن العالم كثيراً ما أثبت أنه يتمتع بعادة النسيان للجرائم الإسرائيلية التي تمر بلا عقاب، فإن تلك الحرب أكدت على أن الحاجة أصبحت ماسة لوجود خطة سلام جديدة ومناسبة للشرق الأوسط، وخوض عملية تفاوضية تكون أقل كرماً للإسرائيليين عن الخطط السابقة التي خاضتها إسرائيل بصورة أحادية الجانب. كما أن الولايات المتحدة ودعمها اللا محدود لإسرائيل سوف يؤدي إلى الإضرار بمصالحها الأكبر في الشرق الأوسط، في العراق ذي الغالبية الشيعية حيث تتمركز هناك عشرات الآلاف من القوات الأمريكية، إضافة إلى مواجهتها مع إيران، وربما تشعر إسرائيل في النهاية أنها حرقت ورقة هامة للغاية في علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن نظير مكاسب صغيرة للغاية.
إذن من المنتصر في تلك الحرب؟ بالطبع ليس إسرائيل، وليس لبنان أيضا بديموقراطيتها الهشة، كما أن الخاسر هو التطور والتنمية في كلا البلدين اللذين رجعا إلى نصف قرن من الزمان، وربما أكثر إلى الوراء، ولكن ماذا عن حزب الله؟ إنه طبقاً لمصطلحاته لم يخسر تلك الحرب، أو على الأقل (ليس بعد)؛ فقد قاوم إسرائيل واستطاع أن ينجو من تلك الحرب، وهذا هو كل ما استطاع الحصول عليه، وإذا استمر في الوجود والبقاء حتى موعد نشر القوة الدولية التي ستصل لبنان قريباً فإن القضية الخاصة بنزع سلاحه سوف تتلاشى ثانية ليتم تأجيلها إلى نقطة ما في المستقبل الغامض، ومن الناحية النفسية يمكن لحزب الله أن يزعم أن مقاتليه قليلو العدد استطاعوا أن يوقعوا خسائر وأضرارا فادحة في الإسرائيليين للمرة الثانية وهم قليلو العدد، وتمكنوا من إعادة قضية مزارع شبعا على مائدة المفاوضات ثانية.
إن الاختبار الحقيقي لحزب الله لن يجري على يد المجتمع الدولي ولكن على يد الدولة اللبنانية ذاتها التي يجب أن تقرر إذا ما كان الثمن الذي دفعه لبنان كان باهظاً جداً لدرجة أنه يستحق تلك الحرب أم لا.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|