|
صاحبةُ الجلالة..!!
|
الصحافة رسالة:
ولهذا ينبغي للقيِّمين عليها والعاملين فيها أن يمارسوها على النحو الذي لا يخلُّ بأهدافها..
والصحافة سلطة:
وفي زعمي أن على المنتسبين لها أن يتوخَوْا الحذر والخوف من تأنيب الضمير في كل كلمة تصدر منهم وعنهم، وأن يتذكروا أنها السُّلطة الرابعة لا الأولى ولا الثانية أو الثالثة..
الصحافة علم:
ولولم تكن كذلك لما درَّسَتها الجامعات والكليَّات والمعاهد في مختلف دول العالم..
والصحافة فن:
إذ من المؤكد أنه لا يُحسن العمل فيها إلا من أعطاه الله ذائقة فنية تمكنه من توظيفها واستثمارها في تقديم صحيفة مخدومة مهنيَّاً بما يُرضي القارئ ويستجيب لتطلعاته..
الصحافة ثقافة:
وبدون تحصين الصحفي لنفسه بالحد الأدنى من العلوم والمعارف ضمن الحرص على أن يأخذ من كل فن بطرفٍ فعليه أن يبحث عن عملٍ يناسب قدراته في غير بلاطها..
والصحافة مهنة:
ولكنها ليست ككلِّ الحِرَف ولا ككل المهن، والقائمة للتعرف على متطلبات العمل فيها كثيرة وكبيرة وخطيرة وتطول لو أردنا استعراضها..
الصحافة هواية:
والذين أحبُّوا الصحافة حُبَّ العاشقين لها ضمن إطارها الصحيح وحدودها المطلوبة، هم الذين ترجموا هذه الهواية الى إنجازات جعلت منهم ومن أسمائهم ذات قيمة في ذاكرة القراء لم ولن تُنسى..
والصحافة شهرة:
ولكنها قد تحرق من يختار هذا الباب للدخول إلى عالمها متناسياً أن الشهرة والنجومية يمكن أن تطارده وتسلط الأضواء عليه بالممارسة الصحيحة لهذا العمل وليس العكس..
الصحافة خيرٌ وشر:
وهذا يتوقف على نوايا وتوجهات وأهداف مَن اختارها دون غيرها للعمل فيها، فقد يدمر وقد يبني عن علم أو عن جهل، عن حسن تقدير أو سوء تقدير، إنها من ينطبق عليها القول: سلاحٌ ذو حدين..
والصحافة ورق وحبر:
والمطلوبُ تبييض ورقها الأبيض الناصع بالأفكار ذات البياض الأنصع، حتى وإن استُخدمت كل الألوان حبراً وورقاً في إصدار الصحيفة..
الصحافة هي الصحافة:
وأخيراً فإن الصحافة هي الصحافة ببريقها وأضوائها وارتباط الناس بها حتى مع تقدم التقنية في وسائل الإعلام الأخرى، وعلى المنتسبين لها أن يقدموا لقرائهم العمل الأمثل والأفضل والأبقى في ذواكر القراء..
والسؤال:
بعد هذه الإشارات الاجتهادية من كاتبها، تُرى أين موقع «مجلة الجزيرة» من كل هذا..؟.
الإجابة، أن الجزيرة تكفيك، هكذا يقول بريد القراء من خلال تواصلهم مع المجلة.
خالد المالك
|
|
|
«بعد الرعب» كتاب جديد يثير حفيظة اليهود تيد هوندريتش لـ مجلة الجزيرة : الفلسطينيون لديهم حق أخلاقي في نضالهم
|
إعداد وحوار : محمد داود « لندن هاتفيا »
أثار أحدث مؤلفات البروفيسور تيد هوندريتش بعنوان «بعد الرعب» الذي صدر الشهر الماضي، الرعب في نفوس اليهود كما حقق صدى واسعا في العديد من الدوائر الغربية.
فقد اعتبر بعضهم الكتاب الذي يتناول قضية الارهاب ويُحمِّل الغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة المسئولية عنه وعن ما حدث في 11 سبتمبر تشجيعا للارهاب أو على الأقل تعاطفا معه. واكد المؤلف في حديث ل«مجلة الجزيرة» انه لا يحاول إيجاد مبررات لممارسة العنف انما يعتقد فقط أن لدى الفلسطينيين حقاً أخلاقياً في نضالهم سعيا لتحرير شعبهم.
بعض الدوائر الغربية ذات الصلة بالصهيونية اعتبرت الكتاب «أسوأ ما كتب» غير أن البعض الآخر اعتبره «أفضل تعبير عن 11 سبتمبر».
للبروفيسور هوندريتش وهو كندي الأصل مؤلفات عديدة يتناول أحدثها قضية الإرهاب من خلال «بعد الرعب» الذي لا يتناول فقط إرهاب 11 سبتمبر وإنما أيضا الأشكال المحتملة التي يمكن تصورها للإرهاب بما فيه إرهاب الدولة. محور الحديث مع البروفيسور هنرنيش ركز على ردود الفعل التي أثارها الكتاب والتهديدات التي توجه إليه وتراجع منظمة «أوكسفام» الخيرية في بريطانيا عن قبول ريع الكتاب تحت ضغوط صهيونية. وفيما يلي نص الحوار الذي تحدثنا فيه إلى البروفيسور تيد هوندريتش استاذ فلسفة العقل والمنطق بكلية لندن الجامعية والأستاذ الزائر بجامعة ييل ومركزالدراسات العليا في كوني وكلية بروكلين:
مؤلف الكتاب تيد هوندريتش
غلاف الكتاب
* أثار كتابك الأخير ردود فعل واسعة هل لك أن تحدثنا عن بعضها؟
في 11 سبتمبر قدمت ورقة حول الكتاب تضمنت مزيدا من الأفكار أمام شعبتي الفلسفة بجامعتي كولومبيا ونيو إسكول في نيويورك «ويوجد فيهما عدد كبير من اليهود عاملين وطلاباً» ثم قدمت ورقة أمام جامعة تورنتو وشاركت في مؤتمر حول الكتاب نظمته شعبة العلاقات الدولية بجامعة براون تحمل الورقة وكذا الكتاب افتراضا يقول إن لدى الفلسطينيين حقاً أخلاقياً في نضالهم لا تتضمن الورقة أو الكتاب تبريرا بأي شكل للعنف غير أن فلسطين تبقى حالة خاصة أو استثناء خاصا. كانت المناقشات التي دارت حول الكتاب في هذه الجامعات مطولة ومنفعلة أحيانا بيد أنها لم تكن عدوانية في جامعتي براون وكولومبيا حاولت بعض العناصر الصهيونية إحداث تشويش وبلبلة غير أن ذلك لم يتطور لماهو أسوأ يكون الأمر أيسر حين يكون الحديث بين فلاسفة ودارسي فلسفة لا ينفي هذا أنني لم أكن هدفا لانتقادات وخطابات همجية مثال تلك التي أوردتها صحيفتان في تورنتو.
وكان هنالك أيضا قدر من العدائية «أعترف بأنها كانت متبادلة» في حديث مع التلفزيون الكندي قام بإدارته أحد اليهود العاملين فيه أعتقد أنني لم أر في حياتي مطلقا مقدم لقاءات تلفزيونية يتسم بالعدوانية والتحيز والتخبط وسوء الاقتباس مثل ذلك الشخص.
وفي جامعة براون تضمنت صحيفة الطلاب على ثلاث رسائل عنيفة ضدي غير أن موقعهم على الشبكة العالمية لم يخل من دعم لي .
تهديدات
* يقال أنك تلقيت تهديدات بعد صدور كتابك الأخير!؟
تصلني العديد من رسائل الكراهية التي يصدرها الصهيونيون لبريدي الإلكتروني ويبدو من إسلوبها أنها عمل منظم وليست مبادرات فردية. في بريطانيا وصفت صحيفة «صنداي تلغراف» الموالية للصهيونية الكتاب بكونه أسوأ كتاب غير أن «الغارديان» قامت بالثناء عليه واعتبرته «التايمز» أفضل تعبير عن 11 سبتمبر.
* ما الذي حدث مع منظمة «أوكسفام»؟.
كنت قد رتبت مع منظمة «أوكسفام» الخيرية منحها ريع كتابي «بعد الرعب» لم تكن هذه هي المرة الأولى التى أقدم فيها تبرعات للمنظمة فقد ظللت أفعل هذا كل عام وقبل عامين قدمت لها منحة مالية كبيرة لاحقا وتحت ضغوط صهيونية قررت أوكسفام رفض منحتي الأخيرة وهي قامت بإعلان رفضها عبر صحيفة «غلوب آند ميل» الكندية.
والواقع أنني فوجئت بقراءة موقفها مع القراء الآخرين للصحيفة كانت الصحيفة قد انتقدت في مقال رئيسي لها المنظمة على قبولها منحتي وجاء في مقالها: «بالنظر إلى الرسالة الإنسانية المناطة بالمنظمة والأفكار المشينة لهوندريتش فإننا نعجب من قبول هذه المنظمة تمويلا من هذا القبيل» من الواضح أن «أوكسفام» رضخت للضغوط والتهديدات الواضحة لها بأن قبولها للمنحة سيعني تلقي أموال من جهات متعاطفة مع الارهاب. ليس عندي موقف معاد تجاه «أوكسفام» غير أن لدي بعض التساؤلات منها ما إن كانت ستتبع السياسة التي اتبعتها معي تجاه التبرعات الصهيونية أيضا أشك بالطبع في ذلك وسبب شكي بسيط هو أنه لا شيء يناظر الضغوط الصهيونية.
ونستعرض فيما يلي مقتطفات لما جاء في كتاب «بعد الرعب»:
«بعد الرعب» .. وقفة أمريكية صادقة مع النفس تتجاوز عقدة 11 سبتمبر إلى ما هو ابعد لجهة اعادة تقييم ل «الكارثة» والاشكال المحتملة القادمة للارهاب وذلك وفق فلسفة اخلاقية يطرح خلالها المؤلف البروفيسور هوندريتش عدة تساؤلات من وجهة نظر أمريكية تجاه «أولئك القادمون» من الشرق الاوسط.
«بعد الرعب» يطرح الاسئلة الصعبة امام المجتمع الامريكي حول اولئك الذين ضحوا بحياتهم من اجل قضية يعتقدون انها عظيمة !! .. يضع المؤلف التساؤلات على النحو التالي : هل أخطأنا بحقهم؟؟ .. هل نقترف بحقهم الاخطاء الآن؟؟..وغيرها من التساؤلات ومن بينها ما اسماه الكاتب بالمزايدة الأمريكية ب«الديمقراطية الكهنوتية»، يمضي البرفيسور هوندريتش ابعد من ذلك ليقول ان «الارهاب» ليس هو فقط ما حدث في 11 سبتمبر الامر الذي يتطلب وقفة صادقة أمريكية (كما يقول) ليدق جرس انذار لمجتمعه الغربي بأن عليه محاولة الالمام بكافة الحقائق على تنوعها ليس فقط من من منظوره بل ومن منظور الآخرين بمن فيهم اولئك الذين يتخذون موقفا معاديا منه، فيما يلي عرض لأبرز ما تضمنه كتاب البروفسيور هوندريتش «بعد الرعب» الصادر في سبتمبر 2002 عن مطبوعات جامعة أدنبره في بريطانيا.
الحياة السعيدة
ما هي الحياة السعيدة؟
بداية، الحياة السعيدة هي تلك التي تستمر طويلا بما يكفي، قد تكون هنالك سعادة في حياة قصيرة، كذكرى جميلة لدى الآخرين، غير أن حياة مقتطعة إلى نصفها لا يمكن اعتبارها حياة سعيدة، قد تكون الحياة السعيدة طويلة بقدر ما يعرف المرء أو يستذكر، ربما كحياة أبي الذي قضى نحبه في هدوء أثناء سباته ذات قيلولة ، قد تبلغ هذه الحياة 75 عاما،أن يعمر المرء ل 75 عاما لا يعني وحده بالطبع حياة سعيدة، قد يفعل المرء ما هو أكثر من التعجب متى كانت هنالك فائدة مرتجاة أكثر من قصر حيوات بعضهم وليس في استطالتها..
هل هنالك أمثلة معاكسة لهذه الافتراضات الخاصة بالخير العظيم في الحياة لأمد أطول؟ أول ما يتبادر إلى الذهن هو اولئك الذين قادوا الطائرات المدنية داخل برجي مركز التجارة، إنهم لم يختاروا فقط أن يقضوا على أرواح كثيرين غيرهم، وإنما اختاروا أيضا أن يقصروا من حياتهم.
يتعين الاعتراف بكل هذه الوقائع، غير أنها متسقة مع حقيقة أن الحياة لأمد أطول، والاستمرار في الوجود، هي شيء عظيم مرغوب فيه لذاته من قبلنا جميعا تقريبا.
يتمتع بعض الناس، بمتوسط حياة يبلغ نحو 78 عاما، ويتمتع البعض الآخر، بمتوسط حياة يبلغ نحو 40 عاما.
يعني هذا القول أن افراد المجموعة الأولى يتمتعون بأعمار متفاوتة متوسطها 78 عاما، بعض أفراد هذه المجتمعات تتجاوز أعمارهم المتوسط العام، وآخرون منهم تقصر أعمارهم عنه، ينطبق نفس الأمر على المجموعة الثانية فأفرادها يتمتعون بأعمار متفاوتة متوسطها العام 40عاما.
من الضروري بالطبع ألا ننساق نحو التفكير في مجموعتين من الناس، يموت أفراد احدها عند ال 78 فيما يموت أفراد المجموعة الأخرى عند سن ال 40.، فالمجموعتان يتم تعريفهما باعتبار المتوسط العام لأعمار أفرادهما مع ادراك أن بعضهم قد يعيش لأعمار تزيد أو تقصر عن ذلك المتوسط، ما يمكن أن نخلص إليه هو أن القليلين من أفراد المجموعة الثانية يمرون بمراحل الحياة المختلفة، مثال الطفولة، الصبا، الابوة، الكد والعمل، والتقاعد المبكر.
وما يمكن أن نخلص إليه هو أيضا أن كثيرين من أفراد المجموعة الثانية، اولئك الذين ينخفض متوسط أعمارهم ل 40 عاما، يعيشون نصف حياة على أفضل تقدير، يمثل ذلك تلخيصا مناسبا لاختلافهم عن المجموعة الأولى.
يعتبر الفارق بين متوسط الأعمار في المجموعتين كبيرا، وحين الحديث عن فارق بين 78 عاما و 40 عاما قد يعتقد شخص ما إنه لم يحسن الإنصات للحديث ويظن أنه يتناول نوعين مختلفين من الأحياء، كالفيل والحصان مثلا إن كنت ملما بهذا النوع من المقارنات، كما أن عدد البشر الذين نتحدث عنهم هائل، إذ إن نحو 44 مليون شخص ينتمون للمجموعة التي يعيش أفرادها نصف عمر، ويعيش نحو 736 مليون شخص في المجموعة الأولى،تمثل المجموعة الأولى سكان الولايات المتحدة، كندا، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اسبانيا، الدنمارك واليابان، وتمثل المجموعة الثانية سكان الدول الإفريقية التالية: مالاوي، موزمبيق، زامبيا وسيراليون.
يتم إيلاء اهتمام خاصة للإحصائيات الخاصة بالمرحلة الأولى من الحياة، وتحمل هذه الاحصائيات بدرجة كبيرة وهامة تفسيرا للتفاوت الكبير في متوسط أعمار المجموعتين، كما ينظر إليها في بعض الأحيان باعتبارها أكثر من مجرد تفسير، وعلى كل حال، قد يعتقد القارىء أن هذه الحقيقة هامة في حد ذاتها، يعني الأمرالكثير حينما يكون متعلقا بالأطفال.
بالنسبة للمجموعة الأولى من الناس، الأمريكيون وباقي الغرب، فإن عدد الأطفال الذين يموتون دون سن الخامسة يبلغ 5 إلى 6 بين كل ألف طفل، أما بالنسبة للمجموعة الثانية من الناس، اولئك الذين في مالاوي وموزمبيق وزامبيا وسيراليون، يبدو الوضع مختلفا، فمن بين كل ألف طفل يولد حيا يموت ما لا يقل عن مائتين دون سن الخامسة.
يهدف هذا الكتاب لطرح تساؤلات وعلامات استفهام يدعى القارىء للمشاركة فيه، إنها تساؤلات حول الارهاب وحول أنفسنا، رغم أن صدمة 11 سبتمبر 2001 كانت الدافع إليه، حينما أصبح كل من يقتني تلفازا شاهد عيان على عملية القتل، يمثل هذا بدوره شرا من نوع آخر ، يصفه البعض بكونه شرا بالمعنى الأخلاقي وليس بالمعنى المألوف، ويندرج ضمن هذا الصدمات التي تلت 11 سبتمبر، تمثلت أحدى الصدمات اللاحقة في ما سمعناه من حديث هامس يلف العالم، بصرف النظر عن حالة الرعب والتلقائية التي أصابت قادتنا، قيل، ليس فقط في مدن عالمية كلندن بل وفي سوميريست أيضا، أن الأمريكيين كان لزاما أن يحيق بهم ذلك وأنهم يجنون ثمار ما غرسوه، قيل إن عليهم أن يتعلموا وأن يتغيروا، وأن ينضجوا، قيل إن السبب كان طريقة معاملة الفلسطينيين على يد اليهود في فلسطين وقيل أيضا أن لليهود في نيويورك وواشنطن يد في الأمر، كان من الأفضل أن نشير للمزيد منا وليس فقط الأمريكيين واليهود.
نحن في الواقع في حاجة لطرح تساؤلات، تساؤلات أخلاقية، تدنو من الفلسفة الأخلاقية، لا ينبغي الاكتفاء بهذا النوع وحده من التساؤل إذ إن التفكير المتمهل والحذر في مسألة الارهاب أمر مطلوب، هنالك حاجة لمؤلفات ذات صلة في السياسة والاقتصاد، وسجل الحكومات، والتاريخ والعلاقات الدولية، وأيضا لكتب يضعها الصحافيون الجيدون، وبشكل قابل للجدل تعتبر التساؤلات الأخلاقية العامة أهم نوع من التساؤلات التي نحتاج إليها، والأكثر جوهرية، إن الأشكال الأخرى للبحث والتساؤل تقود نحو الإجابة، أو تقديم افتراضات، أو مخادعات، أو قد تقوم باستسهال الاجابة، أو تناول الأمر بشكل مبتسر وجزئي.
أثناء تسطير هذا الكتاب، يحق القول إن نهايته غير معروفة بالنسبة لي، لقد وقع أمر يدعو إلى إرتداد جديد عن مفهوم كرامة الحياة البشرية، حيواتنا وحيواتهم معا، وهو ما يجعل الوضع أكثر قسوة، لا تعبر هذه الشكوك عن الأقليات وحدها، إنها أمر لا يمكن إغفاله عند قادتنا الذين يستحوذ عليهم هدف منفرد، وفي أنواع ودرجات رضوخنا لما يقولون به، وهي أمر يمكن ملاحظته في عباراتهم وفي صحفنا وعلى شاشات التلفاز، على السطور وفيما بينها وما وراءها، إنها حالة لا تزال تهيمن على التفكير، فيما يبدو لي، بالنسبة لمعظمنا ممن كان شاهد عيان من خلال التلفاز على عمليات القتل في برجي مركز التجارة وما تلا ذلك.
دعونا نتساءل ونحقق في الأمر بأفضل ما نستطيع، وكما أقول، دعونا لا نتعجل في إلقاء المسؤولية على أي منا عن العالم شديد البؤس المتمثل في انخفاض متوسط الأعمار وموت الأطفال باعتبارهم مسؤولين عن ذلك بانتفاء الانسانية عنهم، هنالك الكثير من المآسي العظيمة التي تحدث دون أن تكون نتاجا لفعل خاطىء أو ذنب اقترفه شخص شرير أو كريه، ينتج بعض هذه المآسي بإرادة الله عن كوارث طبيعية، مثل الفيضانات والحرائق.
يتعين أن يكون هدفنا محاولة الإلمام بكافة الحقائق، على تنوعها، ليس فقط من منظورنا نحن بل ومن منظور الآخرين، ويكون من الضروري بالتالي أن تتضمن هذه الحقائق على ما يقوله اولئك الذين يتخذون موقفا معاديا منا، إن ما نفترض أنها حقائق قد لا تكون كذلك، وربما تكون فقط جزءا من الحقيقة، وبالتالي لا ينبغي أن ننظر أو نتعامل معها باعتبارها أمرا ثابتا لا يداخله الشك.
سيكون من الأشمل ألا نقوم فقط بالنظر في الأخلاقيات العامة وإنفاق بعض الوقت حول التعريف العام للارهاب وغيره من الأمور الكبيرة، ولكن أيضا في التعامل ليس فقط مع الارهاب الفعلي وإنما أيضا مع أشكال أخرى محتملة يمكن تصوره اللارهاب الموجه ضدنا وبالطبع ذات الصلة بنا، أمور نستطيع أن نتعلمها عن أنفسنا، في وسعك أن تعرف نفسك ليس فقط مما يفعله بك الناس، وإنما أيضا من خلال ما يعتقده آخرون فيك، لسبب ما، سواء واجهوك بهذا الاعتقاد أو لم يفعلوا، أن نفكر في ارهاب مختلف، وأحكام مختلفة بحق انفسنا يمكن لنا تصورها، لا يعني مجرد الوصول لتوصيات ذات رؤية واسعة، إنه يعني، بداية، الوصول لما هو أكثر قابلية للتطبيق، في المستقبل المحتمل، وليس فقط في الماضي، لا يمكنك أن تكون موقنا من المستقبل، وكما نعرف، قد يكون هذا المستقبل شديد الاختلاف عن الماضي،وهنالك توصية أخرى ذات طابع عام، إنها تخبرنا بالمزيد عن 11 سبتمبر تحديدا و ما تلاه، وذلك من خلال وضع هذا الأمر في سياق أو دائرة المقارنة، وأيضا، وبنفس الطريقة، سوف تخبرنا العمومية بالمزيد عن موقفنا الأخلاقي تحديدامن 11 سبتمبر، لا يمكنك معرفة طبيعة شيء ما من دون الإلمام بأشياء أخرى مماثلة وذات صلة.
الثروة والفقر
ثمة شيء آخر يتصل بالثروة والفقر، بطريقة ما، يمكنك القول إنها تمنحنا وجدانا أفضل، مرة أخرى تأتي الولايات المتحدة على رأس القائمة، قائمة توزيع الأشياء على من يعيشون داخل كل بلد في مجموعة البلدان الثرية.
يظل الوضع في بعض البلدان الإسلامية سيئا بدوره وإن كان أقل سوءا من بلدان إفريقيا ، ويندرج بينها أفغانستان (ما قبل الحرب على طالبان وأسامة بن لادن) وأفغانستان ( ما بعدهم من أمريكيين وحلفاء ومن قد يليهم) ، في دول إسلامية أخرى مثل تركمستان، الباكستان، العراق، إيران، ودولة الإمارات العربيةالمتحدة، يبلغ متوسط الحياة نحو 68 عاما، وتبلغ نسبة الوفيات بين الأطفال دون الخامسة نحو 67 مقابل كل ألف، ويتجاوز الدخل أو الاستهلاك السنوي للفرد 4000 دولار.
القضية الفلسطينية
أحد الأمثلة البارزة في هذا الصدد مسألة فلسطين، ومن ثم مسألة إسرائيل والولايات المتحدة،إن هلاك يهود اوروبا على يد هتلر خلال الحرب العالمية الثانية لم يؤد إلى إقامة دولة يهودية خارج ألمانيا، إن شئنا توخي الإنصاف، وما ادى لإقامتها هو، بالأحرى، قرار للأمم المتحدة في شأن اقتسام معين لفلسطين، ما حدث بدلا عن التقسيم المتفق عليه كان من جانب نتيجة لأعمال الارهابيين اليهود، ومن جانب آخر نتيجة للسياسات الدولية والتآلف معها، إما من خلال التعاطف أو من خلال التمويل بشكل أساسي من اليهود الأمريكيين وسواهم، وكأنما حدث هو إعلان إسرائيل واعترافنا السريع بالدولة.
تبع هذا استخدامها للقوة والارهاب، بما فيه مجزرة راحت ضحيتها بلدة بأكملها، قاده مناحيم بيغين، الذي أصبح من بعد رئيسا لوزراء إسرائيل، بدأت الدول العربية حرب 1948، التي اعتقدوا أنهم سيستعيدون بها الأرض، واستولت إسرائيل على مزيد من الأرض، ما يقارب من نصف المساحة التي أخذتها سابقا عبر قرارالأمم المتحدة، وبقي الفلسطينيون دون دولة.
في حرب الأيام الستة في عام 1967 استولت الدولة اليهودية على فلسطين بأكملها، فعلت ذلك باستخدام السلاح الأمريكي، وظلت منذئذ تعتمد على أمريكا، بحلول هذا الوقت كان ما يزيد عن نصف عدد الفلسطينيين قد جرى طردهم من مواطنهم أو اضطروا للرحيل عنها خوفا على سلامتهم، توجهوا نحو معسكرات اللاجئين، غيرمرغوب فيهم أينما حلوا، تم تجاهل قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة، تحت زعم الحاجة إلى حدود آمنة، وبالإذعان اللازم من الولايات المتحدة والقوى الأخرى.
إثر العملية الإسرائيلية التي عرفت بسلام الجليل في عام 1982، والتي كانت غزوا للبنان، وقعت مجازر كبيرة بحق المدنيين العرب في معسكرات اللاجئين، وكانت مسؤولية هذا الارهاب على عاتق رئيس وزراء إسرائيل، آريل شارون، وفق تحقيق ارغمت الحكومات الإسرائيلية على إجرائه، وقامت هي به، في عام1987 بدأت عمليات عربية متواصلة ضد إسرائيل، جانب من الانتفاضة، ومع فترات من التفاوض والأمل، كان هنالك تراجع في أعمال المواجهة بين الجيش الإسرائيلي والمدنيين والجماعات المسلحة الفلسطينية، كانت أغلب الخسائر في جانب العرب، وكانت هنالك ثمة احتجاجات من قبل عدد من الإسرائيليين ضد دولتهم، باستثناء فترة واحدة، تواصل بناء المستوطنات على الأراضي العربية في المناطق المحتلة، وهي سياسة أدانتها الأمم المتحدة بشكل رسمي دون أن تمنعها.
و قد بلغ حجم المساعدات الرسمية الأمريكية لإسرائيل من 1949 وحتى 1967 نحو 40 بليون دولار، وهو ما يعادل 5 ،21 في المائة من مجمل المساعدات الخارجية الأمريكية،بحلول عام 1991، وأيضا وفقا للأرقام الأمريكية، بلغ حجم المساعدات 53 بليون دولار، لم تثمر قرارات الأمم المتحدة ضد إسرائيل عن شيء بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، كان على المقاومة الفلسطينية، بالمقارنة، أن تعتمد ليس على الدبابات والطائرات وإنما بشكل رئيسي على الحجارة والقناصة والمفجرين الاستشهاديين.
في ربيع عام 2002، ونتيجة لتحرش رئيس الوزراء آريل شارون وما تلى ذلك من تجدد عمليات القتل الفدائية من قبل الفلسطينيين، وارهاب 11 سبتمبر كسبب إضافي في ذات السياق، بدأت إسرائيل مجددا في استخدام جيشها وسلاحها الجوي، طوقت الدبابات القرى، وجرى إذلال زعيم الفلسطينيين، واعملت المدرعات والجرافات في المنازل، واوقفت سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر عن محاولة الوصول للجرحى والمحتضرين الفلسطينيين، وسويت جثث الضحايا على يد قتلتهم دونما إحصاء، إنها مشاهدات روعت العالم، باستثناء كثيرين من الأمريكيين الذين غيبتهم وسائل إعلامهم.
قيل أن هذه هي حرب إسرائيل ضد الارهاب، ألم تكن هي نفسها إرهابا؟ هل يعد وصفها بالارهاب افتئاتا؟ نوعا من المبالغة والتهويل؟ نوعا من العاطفة المتدفقة؟ أليس الأمر من نحو ما وصف ديبلوماسي فلسطيني لمشاهد إبادة اليهود «الهولوكوست» على الشاشة بالقول إن شعبه الفلسطيني ضحية الضحايا اليهود، أو يهود اليهود في الوقت الحاضر؟ يتعين علينا أن نتريث قليلا الآن وألا نتعجل لهذا السؤال.
يعتبر التاريخ شاهدا على أن الناس يطلبون الحرية من خلال تسييرهم لأمورهم في مكان يرتبطون به تاريخا وثقافة، إنها الحرية التي طالما حارب من أجلها المغلوبون، إنها حرية تماثل تلك التي احتشدنا وتوحدنا جميعا ضد ألمانيا، للذود عنها حين تعرضت للتهديد في عام 1939، إنها حرية يجري إنكارها على الفلسطينيين الآن، إن المرارة التي يحسون بها لا تنشأ فقط من حقيقة ضياع وطنهم، وإنما أيضا من قبولهم لأخذ وطنهم منهم.
ينكر على الفلسطينيين أعداؤهم حق شعب يحاولون هم تأمينه والدفاع عنه لأنفسهم، ليس هنالك خوف أو نصف خوف أو حتى خوف مصطنع من جانب الإسرائليين، وهم يمثلون قوة نووية، ناهيك عن الحديث حول الارهاب في مواجهة الديمقراطية، يستطيع ان يمس هول هذا التناقض الأخلاقي، لا ينتقص من الدور الأساسي للأمريكيين في هذا الأمر أنه تم في حالة من غياب العقل لدى معظم الأمريكيين من غير اليهود، وبتعمد في بعض الأحيان.
يتضح هذا التناقض المريع لكل من هو غير أعمى، وهو واضح لدى الكثيرين جدا من اليهود داخل إسرائيل وخارجها، إنه أمر لا يستدعي شد الشعر تفكيرا، وهو واضح بنفس القدر لدى البعض منا الذي رأى أيضا بوجود ضرورة أخلاقية لمنح وطن لليهود بعد الحرب العالمية الثانية، في فلسطين إن لم يكن في مكان آخر.
النقطة الجوهرية في كل ما سبق، إن لم تكن الحقيقة الوحيدة فيه، هي أن حياة بضع ملايين من الناس احيلت إلى ما نسميه تعاسة بسبب الأفعال الخاطئة من قبل أناس عاشوا قبلهم معاناة فريدة في نوعها، ومن قبل من يدعمونهم في أماكن أخرى، وبشكل رئيسي في أمريكا، يصعب تصور أن تجربة الفلسطينيين لا تفتح أبواب للتساؤل حول الأعمال المروعة التي تنتج عنهم أو بالنيابة عنهم، وحول ما يتعين علينا التفكير فيه وفعله، وعلى نحو ما سبق لنا التفكير فيه حول متوسط طول الأعمارفي المواقع المختلفة، فان فلسطين تفتح الباب للتساؤل حول ما هو صواب وماهو خطأ بشكل عام، وحول مسؤوليتنا تجاه ما فسد من أمر، وحول ما يمكن قوله حقيقة في إدانة ارهاب 11 سبتمبر، وحول علاقتنا الأخلاقية الخاصة بذلك اليوم وما تلته من أيام وما يتعين فعله الآن.
المؤلف:Ted Honderich
الناشر:Edinburgh University Press
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|