|
روسيا اليوم..!
|
كنا نسمع عن موسكو..
عن هذه العاصمة التي تستطيع بزر يضغط عليه حامل مفاتيح وأسرار الأسلحة النووية أن يبيد به العالم..
كانت معلوماتنا عنها ناقصة وأحياناً مشوشة..
وكنا نجهل الكثير عنها..
مع ما كانت تتمتع به من قوة عسكرية يُهاب جانبها من الجميع..
كنا نخاف من سطوتها..
ونتابع تحركاتها بهلع بالغ..
ونصاب بالذعر كلما دب خلاف بينها وبين واشنطن..
***
كانت موسكو..
بتهديد منها يصاب العالم بالدوار..
حتى حذاء خرشوف الشهير الذي لوح به في المنظمة الدولية هز العالم وجعله يعيد حساباته من جديد..
كلمة واحدة من رئيس سوفييتي كانت تكفي لتعلن دول العالم الموافقة للسير على خطى ما يريده هذا الزعيم خوفاً من قرار يعلن من خلاله بدء الحرب..
وهكذا هي الدول العظمى والكبيرة..
تفرض إرادتها على الآخرين..
وتملي قناعتها حتى على المعارضين..
وعلى الجميع ان يستجيبوا ويوافقوا ويرحبوا بما هو مطلوب منهم..
***
الاتحاد السوفييتي إذاً كان يزخر بقوة عسكرية هائلة وقادرة على تدمير العالم..
لكنه كان يواجه قوة عسكرية ضاربة معادية هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك ذات القوة وتستحوذ على نفس السلاح..
كان هذا التوازن كافياً ومفيداً لبقية دول العالم لكبح تهور إحداهما وإبعاد العالم عن شبح الحرب..
كانتا تتعايشان وتتعاملان مع كل نزوة تصدر من أحدهما بتطويق أسبابها باتجاه إطفاء شرارة الحرب لأنهما تدركان خطورة اللعب بالنار..
فيما كان العالم يحبس أنفاسه كلما وصل إلى مسامعه أي خلاف ينشأ بين الدولتين العظميين في العالم..
***
لكن الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والعالم كله تعلموا دروساً كثيرة وبليغة من الحرب العالمية الأولى والثانية..
وتأكدوا ان تكرارها مع تطور الأسلحة الفتاكة وتنوعها وزيادة حجمها إنما هو جحيم لا يطاق وقد لا يبقى أحد يدب على وجه المعمورة..
نعم هناك تسابق على امتلاك أكبر ترسانة من الأسلحة المدمرة، إلا ان الدولتين ظلتا تكتفيان بالتلويح بها حتى لا تقوم حرب جديدة تجر العالم معهما إلى كارثة لم يسبق أن رأى العالم مثيلاً لها..
***
هكذا كانت صورة القوة التي تهدد العالم..
إذ لم يكن استحواذ الأسلحة بهذه النوعية وبهذا الحجم لمجرد استعراض للقوة..
بل كانت ستُستخدم لو تطلب الأمر أو كانت هناك حاجة لها..
غير ان العقلاء والحكماء ومن هم في مستوى تقدير تبعات استخدامها اكتفوا بها مؤمنة في مخازنها لتذكر الطرف أو الأطراف الأخرى بأنهم موجودون وأنه من العبث والجنون التفكير بحروب آلياتها هذه التقنية الأكثر تطوراً من ترسانة الأسلحة العسكرية..
***
اكتب هذا..
وأنا على بعد خطوات من مقر الكرملين..
في أول زيارة لي إلى روسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي..
حيث غابت شمس هذه الامبراطورية ومعها ذلك الستار الحديدي الذي حجبها عن العالم سنوات طويلة..
وحيث تبقى روسيا المنفتحة على العالم اقتصادياً وسياسياً دولة كبيرة حين تُحسب موازين القوى في العالم..
صحيح أنها لم تعد كما كانت في الماضي..
ولكن الصحيح أنها لاتزال تملك التأثير القوي في توجيه القرارات الدولية إذا ما أرادت ذلك..
***
ومع غياب الاتحاد السوفييتي وتفكك دوله..
فإن إمريكا ولاشك هي اليوم الدولة الأقوى وسيدة العالم..
ربما إلى حين وقد يكون ذلك إلى الأبد..
لا ندري..
ولكن تبقى روسيا بعد ان تصحو من الصدمة..
هي روسيا الدولة النووية الثانية في العالم..
وهذا يكفي لتعود إمريكا إلى التفكير في سياساتها.
++
خالد المالك
++
|
|
|
أساليب مروعة في التعامل مع الفلسطينيين السجون الإسرائيلية.. تعذيب حتى الموت * 44بالمائة من الإسرائيليين يتهمون شارون بأنه «مصاص دماء» لا يشبع من الحرب ومن القتل!
|
* تحقيق جوزيف كلود
أن تدخل إسرائيل حاملاً جواز سفر فرنسي فتلك هي الكارثة، ليس لك فقط، بل لموظف المطار الذي يظل يراقبك بعينيه، ملتفتاً نحو أشخاص يحملون على عاتقهم مهمة مراقبتك.. سؤال يتكرر في كل لحظة: ما هو الغرض من زيارتك؟ «يعني: ماذا جئت تفعل هنا؟» فأرد بنفس الإجابة التقليدية، أنا صحفي وهذه زيارة عمل.. أضع أمامه التراخيص التي حصلت عليها من جهات كثيرة، ومن السفارة الإسرائيلية نفسها.. يكفهر الموظف في وجهي قائلاً: صحفي وفرنسي!.. أبتسم ولا أرد.. لكنني أعرف أن طوال وجودي في إسرائيل سأظل تحت مجهر المراقبة الدقيقة، هذا لايخيفني كوني اعرف طبيعة الظروف هنا، وأكثر من ذلك السلوك اليهودي المتناقض الذي يعشق كل ما له علاقة بالسرية، بالملاحقة والعمل المخابراتي.. كنت قبل أسبوعين تلقيت في مقر الجريدة الفرنسية رسالة عبر البريد الالكتروني من أم إسرائيلية توفي ولدها في السجن، في ظروف غامضة، كتبت تحكي لي جانبا من الحكاية، وفهمت أن ابنها سجن بتهمة «العداوة لإسرائيل» وأدخل إلى السجن من دون محاكمة حقيقية وبعد ستة اشهر تلقى والداه خبر انتحار «موشيه» في السجن! طبعاً لم يصدق أحد تهمة «العداوة لإسرائيل» كون «موشيه» معروف بسلوكه المعتدل، لكنه كان معروفاً أيضا بضغينته الشديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي «أرييل شارون» ولسياسته الدموية التي أدت إلى هذا الانهيار شبه الكامل.. هذا لايعني «معاداة إسرائيل» على اعتبار أن 44 بالمائة من الإسرائيليين يتهمون رئيس الوزراء في استطلاع رأي أجرته الإذاعة الإسرائيلية بأنه «مصاص دماء» لايشبع من الحرب ومن أجواء التقتيل، فهل دخلوا إلى السجن بتهمة «معاداة إسرائيل؟» قطعاً لا ! كانت رسالة تلك الأم الإسرائيلية غامضة، وغير مفهومة، لكنها مهمة.. ربما لأنها طلبت مني نشر موضوعها ونقله إلى فرنسا.!!
كانت الساعة السابعة مساء حين توقفت سيارة الأجرة أمام فندق «سلام» بوسط المدينة.. دفعت أجرة السيارة ليفاجئني السائق طالباً «بقشيشاً» إضافياً، لأن المسافة بين المطار والفندق بعيدة! «كانت على بعد ربع ساعة فقط».. لم أعلق وأنا أعطيه بقشيشاً و أنزل من السيارة، كنت في إسرائيل، ولهذا كنت بحاجة إلى عدم التعليق كي أمضي في مهمتي بأقل أضرار ممكنة..!
ارتباك وعصبية في غرفتي الخانقة، طلبت الاتصال بالسيدة التي أرسلت لي طالبة مني الكتابة عن ابنها.. رن الهاتف عندها مرتين ثم: «سيدة مارغريت بيلوتش..؟ أنا جوزيف كلود» الصحفي في جريدة لومانيتي، هل تذكرينني؟ «شعرت بارتباكها قبل أن ترد بصوت عصبي، عفواً لا أعرفك، معذرة..» وأقفلت السماعة..! خلت نفسي قد أخطأت في الرقم، أعدت الكرة من جديد وعندما رفعت السماعة قلت دفعة واحدة: «أنا موجود في فندق السلام، إن كنت ترغبين مقابلتي، أرجو أن ..» ومن دون أي رد أقفلت السماعة من جديد.. كنت مدهوشاً، و لكنني لم أجدد اتصالي.. كنت أريد النوم استعداداً لليوم التالي، في إسرائيل يمكنك النظر قبالتك إلى كل شيء لتعرف أنك في منطقة لا يمكنك فهمها من دون العودة إلى الوراء، ربما لأنك في الشرق الأوسط، يمكنك التعرف على اللمسات العربية في أشياء كثيرة، ربما في كل شيء.. المناخ والشعور الغريب الذي ينتابك قائلاً «لك» إنه الشرق !» كنت أستعد للخروج صباحاً، حين رن الهاتف في غرفتي، وبصوت يقول لي «أنا أنتظرك في قاعة الشاي بالفندق..» كان ذلك صوت «مارغريت بيلوتش»! نزلت مسرعاً إليها.. كانت تنتظرني مرتبكة وربما خائفة.. قبل أن أجلس قبالتها قالت لي: «لن أطيل في الكلام، فقط جئت لأخبرك أن ابني مات في السجن، قيل انه انتحر، وهذا غيرصحيح!» قلت لها: «لماذا دخل ابنك إلى السجن؟» ردت بهدوء:«لأنه ضجر من الحرب.. ابني رفض الالتحاق بالجيش الإسرائيلي».. لم يكن «موشيه» ليقبل إطلاق النارعلى المدنيين، لهذا رفض الالتحاق بالجيش، فاتهموه بالوقوف ضد بلده!
الجنون الاسرائيلي
نظرت المرأة حولها ثم وقفت وكأنها تفر مني فجأة.. حاولت سؤالها.. قالت لي قبل أن تختفي بين المارة «اسمع يا بني.. عليك أن تنقل إلى العالم مايجري هنا.. الحرب ليست مجرد نزاع بين طرفين، إنها جريمة قتل ضد الإنسانية.. قادة إسرائيل فقدوا عقلهم.. يريدون تحويل المكان إلى جهنم.. عليك أن تكتب ذلك في مقالاتك..!» واختفت.. كنت أستعد يومها للقاء مدير مكتب الاتصالات في الجيش الإسرائيلي، الذي قبل نصف ساعة من موعدنا أرسل من يقول لي «معذرة، فإن السيد ديفيد دايان لن يستطيع الالتقاء بك اليوم، انه مشغول جداً..!» كانت تلك الجملة المهذبة تخفي خلفها الكثير من الأشياء، بالخصوص عندما سألني الرجل عن مدة إقامتي «بينهم» وانه علي أن أكون «موضوعياً» في نقلي للأخبار.. قال متظاهراً المزاح: «تعتقد فرنسا نفسها مسؤولة على العالم الثالث.. وهذا شيء يثير الضحك.. أليس كذلك ؟!» كان كلامه واضحاً، ونظراته تذكرني بحكاية الجنرال الذي و هو يأمر بإطلاق النار على محدثه قال ضاحكاً عليك أن تخرس إلى الأبد!
السجناء الفلسطينيون
أهم حدث كان يعنيني في الحقيقة هو إطلاق سراح دفعة من السجناء الفلسطينيين الذين تضاربت الأنباء حول عددهم الحقيقي.. شيء أكيد أن إطلاق سراحهم في حد ذاته مهما، ربما لأن الحقيقة كانت ستحملها وجوههم المليئة بالهم وبالتعب.. فالدخول إلى سجن إسرائيلي لن يكون منبع سرور لأحد، طالما النهاية ستكون بالقتل «حجة الانتحار» وبالعطب الدماغي الحاد، الساعة الثانية والنصف ظهرا، و تحت سماء حارة، توقفت السيارة بنا.. نظرالسائق إلي وقال.. «معذرة يبدو أن ثمة عطباً ما!» ولم أعلق.. شيء في داخلي كان يقول أن ثمة «عطباً» ليس في السيارة، إنما في السائق نفسه.. أشار لي كي أنزل.. ثم طلب مني أن أدفع معه السيارة إلى الأمام قليلاً، وما كدت أفعل حتى انطلقت السيارة ومعها السائق بعيداً عني..! كنت في وسط الطريق، على بعد كيلومترين من مستوطنة «حافز» القريبة من نابلس.. كيف بإمكان شخص أن يتصرف بذلك الشكل المشين؟ في الفندق اضطرني موظف الاستعلامات إلى دفع «بقشيش» لإحضار سيارة أجرة تقلني إلى نابلس التي كانت أقرب مدينة فلسطينية مني.. ودفعت «البقشيش» على مضض.. فكيف يحدث ذلك؟ لكن.. تذكرت أنني في منطقة يحكم فيها اليهود بسياسة الأمر الواقع، فأن تموت في السجن أو في الطريق.. أو تحت القصف المكثف، فكل هذا اسمه الأمر الواقع الذي «لا يمكنك الهرب منه» ! أليس هذا مخجلاً؟ قلت للرجل العربي الذي مر من المكان بعد نصف ساعة كاملة من الانتظار.. كان يقود سيارة من نوع «تويوتا» مكشوفة من الخلف وقديمة بحيث ان محركها يعطيك الانطباع أنك تحرث الأرض حرثاً! لم يرد الرجل بغير هزة من كتفه وكأن الأمر لا يعنيه.. حاولت الكلام معه.. لكنه كان يرد بشكل مقتضب على أسئلتي.. قلت له أحاول إقناعه بحسن نيتي «أنا صحفي فرنسي، جئت للكتابة عن الأسرى الذين تم إطلاق سراح بعضهم.. يجب أن نكتب عن معاناتهم في السجون الإسرائيلية..!» نظر إلي ثم قال: «أخي عذبوه حتى الموت.. عاد إلينا بعد عشرة أعوام فاقداً للذاكرة!» شعرت بالذهول.. ربما لأنني عثرت على شخص يمكنني الكلام معه من دون تحذير أو تخويف إسرائيلي..
كنت أقترب من قرية «زعتر» التي كان فيها عدد من الشباب الذين عادوا إليها «فاقدي الذاكرة»، فالكلام مع عربي ليس صعباً، إنه يقابلك دائما بمودة، يمد يده لمصافحتك كما لو كان صديقك.. حين أسأل أحدهم عن الحال هنا يرد: «وكيف تعتقد حال قرية يداهمها اليهود كيفما شاءوا؟» تذكرت ما قاله لي سائق التاكسي قبل أن يغادرني هارباً: «أخشى أن يأمرنا أحد جنود التفتيش بالنزول وإكمال الطريق مشياً، فلا أحد سيسمح لك باستجواب الفلسطينيين!» ولكنني بالتصريح الذي كنت أشهره في وجه الجندي الإسرائيلي استطعت العبور والوصول إلى هناك.. حيث الشمس ممزوجة بالخيبة!» كان وصولنا إلى قريبة «زعتر» شاقاً ومتعباً، والغبار يأكل كل شيء حوله..
في الصيف يمكنك تأمل المناطق الجافة بشعور ممزوج بالخوف.. الحرارة هنا لايمكن ربطها بالطقس، بل بالحرب! قرية شبه معزولة عن المستوطنة الإسرائيلية الأقرب، أسلاك كثيفة وحواجز مخيفة وانتشار للمواطنين الإسرائيليين المسلحين الذين «يقومون» بحراسة مستوطنتهم!.. لهذا ما إن وصلنا إلى أول قربة فلسطينية، حتى انتابتني صدمة، إذ إن الناس هنا في عزلة حقيقة لا يرون فيها الحياة إلا في الأحلام القليلة التي تنتابهم ليلاً، قول الحقيقة!
كان الشيخ «عوض» أول من رأيته في القرية، حين عرف أنني صحفي فرنسي، استغرب.. قال «جاء إلينا صحفيون كثيرون في الشهور الماضية، وقنوات تلفزيونية صورت منطقتنا بعد العملية التي ارتكبها المستوطنون ضدنا» «مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين نصبوا حاجزاً قريباً من القرية وأطلق أحدهم النار على سيارة أجرة فلسطينية فقتل سائقها على الفور» .. قال الشيخ «المهم أن تقول الحقيقة..!» لا شك أن عبارة «الحقيقة» مرت علي كثيراً منذ وصلت إلى منطقة الشرق الأوسط.. ثمة من يطالبون بالحقيقة، وثمة من يريدون إخفاءها عن الناس.. وثمة من لا يؤمن بها أصلاً.. لكنني أردت أن أكون موضوعياً على أكثر تقدير، كي أكتب عن رحلة متناقضة قادتني إلى أشخاص متناقضين، إلى يهود يعتقدون أنهم يعرفون الحقيقة كلها، وإلى فلسطينيين يعتقدون أن الحقيقة ضاعت بين الأرجل.. فأين هي الحقيقة إذن؟
معذبون حتى الموت
كان لقائي ب«جمال» مثيراً للكثير من الأسئلة.. بوجهه المتعب وابتسامته غير المكترثة صافحني.. بدا لي على حافة السقوط، ولعلي مددت يدي إليه لأسنده، حين اتكأ على ظهر الكرسي.. «جمال» فلسطيني في الخامسة والأربعين.. سجن بتهمة الاعتداء على مستوطن إسرائيلي.. لكنه يؤكد أنه لم يعتد على أحد.. فقد هاجمته مجموعة من الشباب اليهودي بينما كان متوجهاً لممارسة عمله اليومي «سائق سيارة أجرة».. أشبعوه ضرباً، ولم يستطع التخلص منهم.. يذكر انه وجه إلى احدهم لكمة في وجهه.. كانت تلك تهمة حقيقية، إذ بمجرد تدخل الجنود الموجودون في نقطة التفتيش القريبة، وعلموا أنه فلسطيني، اقتادوه إلى المخفر.. قال: «أشبعوني ضرباً، قالوا إنني «إرهابي فلسطيني» وانني هجمت بالمتفجرات على مستوطنة إسرائيلية، وحين أنكرت التهمة انهالوا علي ضرباً بالهراوات.. طلبوا مني التوقيع على اعترافي بأنني أنتمي إلى «جماعة مسلحة»، كانوا يستمتعون بضربي وشتمي.. نزعوا عني ثيابي وراح بعضهم يطفئ سيجارته على جسمي «رفع قميصه وأراني آثار السجائر التي ما زالت واضحة على جسمه»، يضيف..«حرموني من النوم والأكل.. كنت على حافة الجنون ولم يكف الأمر معي حتى وقعت على ما طلبوه مني.. بعدها رحلوني إلى سجن آخر، ثم إلى سجن آخر من دون محاكمة!».
سكتة قلبية!!
شاب فلسطيني آخر اسمه «ياسين»، التقينا به في منطقة «بوقر» القريبة من بيت لحم.. حكى لنا الطرق البدائية الخطيرة التي تستعملها إسرائيل، يقول: «يوقظوننا في الثالثة صباحاً في عز البرد، ويأمروننا بنزع ثيابنا والخروج إلى ساحة السجن.. نبقى بلا حراك حتى السابعة، إلى درجة أن بعضنا يفقد إحساسه بأعضاء جسمه.. كان الاستجواب يوميا، بنفس الطريقة ونفس الأسئلة.. كان الجنود يأمروننا بالجلوس على كرسي حديدي، مزود بأسلاك كهربائية.. أمام كل سؤال يبدأ التيار الكهربائي في العمل..».
يضيف «أحيانا حين يدخل السجناء إلى غرفة التعذيب يجدونها مبللة بالماء، فيأمرهم السجان بخلع نعالهم.. الكهرباء والماء أسهل طريقة للتخلص من الأسرى بالكتابة في شهادة وفاتهم عبارة «سكتة قلبية»!..
«فاضل» في الثلاثين، قضى خمس سنوات في السجون الإسرائيلية.. قال لنا: «كنت في منطقة «قلقيلية» حين داهم الجيش الإسرائيلي المنطقة واقتادوا الشباب إلى السجن.. كانوا يداهمون البيوت عشوائياً.. كنا أكثر من عشرين شاباً في نفس الحالة، أيدينا مقيدة إلى الخلف.. كانت التهمة هي نفسها «الإرهاب»!
ويضيف قائلاً «التعذيب في السجن يبدأ تصاعدياً، بحيث انك تفقد ذاكرتك بمجرد أول غرزة إبرة يغرزها الإسرائيليون لاستنطاقنا بنفس السؤال: «أين يختبئ شباب المقاومة؟» جلنا لا يعرف الرد على هذا السؤال.. و لهذا كانت جرعات المخدر تتضاعف، بحيث انها تجعلك ترى الذبابة وقد أصبحت فيلا. ويتابع قائلاً: «أعرف أن ثمة من فقد حياته لأنه لم يحتمل تلك الإبر، والبعض الآخر يضطر إلى قول أي شيء للتخلص من العذاب.. أذكر أن شاباً كان يقول أنه ياسر عرفات شخصيا! «ما نوع تلك الإبر التي تستعملها إسرائيل في عملية استنطاق الأسرى؟ الذين التقينا بهم يقولون «مخدر» وربما الأمر يتجاوز المخدر إلى مادة «السكايلن» التي هي مشتقة من المادة القديمة التي كان يستعملها النازيون في الحرب العالميةالثانية، وكانت تلك المادة سبباً في تلف خلايا المخ، مما يعرض المصاب إلى ما يشبه النسيان العرضي، ثم النسيان الشديد الذي يشبه فقدان الذاكرة، الذي يقود مع الوقت إلى جلطة في المخ.. ما يبدو خطيراً أن هذه المادة التي وضعت في قائمة المحظورات تستعملها إسرائيل ضد الأسرى اليوم، بل إن جريدة ألمانية علمية نشرت قبل سنة تقريراً خطيراً يكشف أن إسرائيل طورت مادة «سكايلن» مما جعل الأمر يبدو أشبه بفئران التجارب إذ تقوم إسرائيل بتجريب المادة على الأسرى الفلسطينيين.
جمعيات علمية أوروبية
أكدت أيضاً أن إسرائيل طورت من مادة «بروفاريد» السامة وانها تستعملها في حربها على الفلسطينيين، بحيث أنها ألحقتها بالصواريخ العنقودية، وهي مادة تدفع إلى الهلوسة الحادة التي تصل إلى الجنون الحقيقي.. من «رفح» إلى «قلقيلية» إلى «نابلس» إلى «بيت لحم» إلى الجليل إلى الخليل يمكنك الاستماع إلى نفس تفاصيل التعذيب تلك.. نفس الوجوه الذين حين تقابلهم ترى فيهم الحالة السيئة التي وصلوا إليها، بعضهم فقد القدرة على الكلام، والبعض يصاب فجأة بهستيريا لا مخرج منها.. حاولنا الاقتراب من مكتب الصليب الأحمر في بيت لحم الذي قال لنا احد موظفيه إنهم يشبهون فاقد الشيء، وأن الهيئات الدولية الإنسانية عاجزة عن اختراق جدار الصد الإعلامي والعسكري الإسرائيلي لأن العالم صار يخاف من اليهود فلا يجرؤ حتى على توجيه النقد إليهم فما بالكم بالتوبيخ !
++
* عن جريدة «لومانيتي» الفرنسية
ترجمة: ياسمينة صالح
++
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|