أفهم لماذا تكون الأجساد الطرية وقوداً للحروب المدمرة التي تجتاح العالم، طالما أنّ القتلة يستخدمون مختلف أنواع الأسلحة ويتباهون في صناعتها وينفقون على شرائها من قوت شعوبهم ليدفعوا بخيرة شبابهم للإضرار بغيرهم.
وأفهم مرة أخرى لماذا يموت الناس بالآلاف دون أن يكون ذلك بسبب كوارث طبيعية حين أرى مشاهد القتال الدامي في عالم مريض بين طرفين زجا بأعوانهما إلى أتون حرب لا طائل منها، ونتيجتها دائماً أجساد متفحمة بعد أن تكون قد قطعت أوصالها وأزهقت أرواحها.
* * *
فمآل من يدخل الحروب الظالمة إما أن يموت أو أن يتعرض إلى التشويه ليعيش بقية حياته في وضع مأساوي حزين، بينما تكون حال من يخرج من هذه الحروب سالماً وكأنه قد كتبت له حياة ثانية، أو أنه ولد من جديد، وما من أحد دخل حرباً إلا وكان على يقين بأنه غير واثق بعودته إلى أهله سالماً معافى.
وهكذا نفهم لماذا تزهق أرواح شباب زج بهم في حروب طاحنة، وسِيقوا إلى معارك دموية براً وبحراً وجواً وقد دججوا بمختلف أنواع الأسلحة وكأنه قدر هؤلاء أن يلاقوا حتفهم في هذه الحروب الدموية على النحو الذي تحدثنا عنه.
* * *
نعم أفهم أن الموت قد يأتي إثر قتال أو حروب، وأنه لا ضمان لأحد يملكه للاحتفاظ بحياته إلا أن يشاء الله، غير أن ما لا أفهمه أبداً أن يكون القتلى بعدد الساعات اليومية -إن لم يقترب منها- بسبب تهور بعض المواطنين وغير المواطنين في قيادتهم لسياراتهم، حيث يتجاوزون السرعة المحددة فيعرضون حياتهم ويعرضون حياة غيرهم إلى الموت المحقق.
وبهذا فهم يظلمون أنفسهم أولاً ويظلمون غيرهم ثانياً، ويحولون حياة أهليهم إلى حزن وأسى ومآتم بدلاً من أن يعودوا إليهم وقد اكتست السعادة وأجواء الفرح حياتهم، بسبب قيادتهم بتهور وجنون لسيارات لا ترحم مع سرعة جنونية لن يكون قائدها قادراً عندئذ على السيطرة عليها.
* * *
وأكثر ما يلفت الأنظار، أنّ هذه الحوادث التي تتكرر مآسيها ومشاهدها الدامية أمام أعين الجميع، أنّها لم توقظ هؤلاء السادرين في هذه الممارسات الجنونية من سباتهم، حتى مع وجود المرور السرِّي والحزم في التعامل مع من يخالف تعليمات المرور، بما لا أجد له من تفسير مقنع إلاّ أنّ هؤلاء قد أرخصوا حياتهم وباعوها باستخدامهم الخاطئ لتقنيات مركباتهم عند قيادتهم لها.
وإلاّ كيف يفسِّر المرء من يتجاوز الإشارة الحمراء ويخالف اتجاه الطريق وينتقل من مسار إلى آخر في الطريق الواحد، فضلاً عن أنّه يقوم بكل هذا وهو يقود سيارته بسرعة وتهوُّر وعدم مبالاة بحق السيارات الأخرى ومن يقودها في هذا الطريق أو ذاك، وكأنّه لا حقّ لغيره به، وبالتالي فليس لأحد أن يعترض على عبثه وتعريضه لحياة الآمنين للخطر.
* * *
هل المجتمع بحاجة إلى ما يسمَّى بثقافة المرور، وإلى إعادة النظر في تخطيط وتصميم الطرق السريعة - تحديداً - وكذلك الميادين والأنفاق والجسور، مع وضع أنظمة صارمة بحق المخالفين لأنظمة المرور أيّاً كانوا، ومن غير أن يتم قبول الشفاعات والوساطات لمن لا يلتزم بالنظام؟؟.
وهل المجتمع يجهل الأنظمة والقوانين، وما يترتّب على المخالفات من عقوبات، بحيث نرى من يمارس هذا التحدي للنظام وعدم المبالاة بالعقوبات، دون أن يفكر بما سينتهي به المطاف إثر هذه المخالفات التي تبدو وكأنّه لا يوجد نظام لردع مرتكبيها، حيث لا نجد مثل نوعها وحجمها في دولة أخرى بمثل ما نراه في مدن المملكة.
* * *
لقد آن الأوان لفتح المجال أمام إستراتيجية صارمة تكون قادرة على وضع حدٍّ لهذه المآسي مهما كلّف ذلك من وقت وجهد ومال، في سبيل أن نحافظ على حياة هؤلا وغيرهم، وهذا يتطلّب، ليس فقط تطبيق أنظمة المرور القائمة، وإنّما ربما احتاج الأمر إلى تطويرها، وزيادة العقوبات لمن يقع في الفخ من مخالفيها، بما في ذلك سحب رخصة السياقة ومنعهم من قيادة سياراتهم، فهذا - بنظري - أجدى من الإيقاف والغرامة، وإنْ كان الأمر قد يتطلّب الجمع بينها.
هذه وجهة نظر كاتب ومواطن يؤلمه هذا المشهد الدامي، ويسوؤه عدم احترام الناس لأنظمة المرور، ويقلقه أن يرى رجل المرور عاجزاً عن السيطرة على سلوك هؤلاء، بينما لا نرى هذا في كثير من الدول التي تماثلنا من حيث التعليم والإمكانات، إلاّ أنّها - ربما - تتفوّق علينا باحترام الناس لأنظمة المرور وخوفهم من تطبيقها، وقد آن الأوان للبحث عن هذا السر المفقود لاستثماره في تصحيح الوضع القائم عندنا.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244