|
وماذا بعد..؟!
|
انتهى نظام صدام حسين..
فلم يحزننا ذلك..
ولم نشعر أن رحيله يعد خسارة قد لحقت بالعراق الشقيق..
أو أن هزيمته وغياب حكمه قد يلقي بظلال من الضرر على أشقائنا في العراق..
ذلك لأن نظام حكمه تميز بالفساد..
وبتعذيب الشعب..
وأكل ثرواته..
وحرمانه من حقوقه..
وجرِّه إلى أتون المعارك الدموية المتواصلة..
دون هدف أو غرض أو مصلحة لعراقنا الشقيق..
مذكياً بذلك نار الفتنة مع الأشقاء..
ومؤججاً بتصرفاته هذه الخلافات مع جيرانه والأبعدين..
***
ومع ذلك فقد أحزننا غزو العراق..
وساءنا أن يكون تغيير النظام من خلال قوى أجنبية..
وأن يتعرض الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن إلى ما تعرضوا إليه من قتل وتدمير..
وأن تكون صورة نهاية الحرب على نحو ما شاهدناه من دمار وتخريب وسرقة لكل ما وقعت عليه يد اللصوص..
مثلما ساءنا هذا العبث المجنون الذي لم يوفِّر أدوية المستشفيات وأسرَّتها ومتاحف المدن والأملاك الخاصة والعامة من النشل والتخريب..
ودون أن تضبط القوى الغازية الأمن وتحمي تاريخ العراق ووثائقه من الضياع..
***
لم نكن مع نظام صدام..
لكننا كنا بالتأكيد ضد الغزو الأجنبي للعراق..
ضد أي غزو أجنبي لأي دولة عربية..
ضد تغيير أي نظام إلا من صاحب الحق في ذلك وهو المواطن..
لسنا مع حروب لا تأخذ شرعيتها من خلال مجلس الأمن..
حتى لا يكون أمن واستقرار الدول الصغرى عرضة للهيمنة من الدول الكبرى..
دون أن يقال لها لا..
من غير أن يُعترض لها سبيل..
أو يُرد لها طلب..
أو يُحال دون تحقيق مطامعها ..
***
إن ما حدث في العراق درس وأي درس..
لعالمنا العربي الكبير..
للدول المصنفة بأنها إرهابية..
وللدول المعتبرة أنها خارج بيت طاعة الدول الكبرى..
وإسرائيل في كل هذا هي المستفيد الأول والسعيد بما حدث..
والمتضرر الأكبر بكل تأكيد هو العراق ودول المنطقة..
فهل من متعظ..؟
خالد المالك
|
|
|
ذهول عالمي من الانتصار الأمريكي السهل ماذا بعد سقوط بغداد ؟! الحرب ضد العراق أولى الحروب للقرن الحالي من الآن لن تستخدم أمريكا لغة الحوار
|
* إعداد ياسمينة صالح
الإمبراطورية الأمريكية تمكنت من القضاء على النظام العراقي واحتلال بغداد وستقوم بمتابعة أركان النظام فيه في المحاكم الدولية تريد فرض الديمقراطية على منطقة ينظر شعبها إلى الديمقراطية الأمريكية بحذر شديد ليس لأنهم يرفضون التطور بل لأنهم يكرهون التلاعب بالكلمات للوصول إلى غرض أبعد من مجرد الديمقراطية على النمط الأمريكي.. سوف يخوض الأمريكيون معركة قاسية باسم الأخلاق التي قالوا إنهم يسعون إلى تأسيسها بعيدا عن الديكتاتورية البعثية على حسب زعمهم.
قالوا إن مجيئهم سوف يخلص العراقيين من نظام قتل الكثيرين منهم لكن من باب الدفاع عن الذاكرة وإعطاء للتاريخ حقه نقول: ما فعلته أمريكا في العراق منذ بداية الحرب أبشع مما فعله نظام صدام الفاسد طوال حكمه إنه إعلان الحرب على دولة دونما حق ولا قانون!
بغداد المدينة العربية المطلة على التاريخ العاصمة المستديرة المحاطة بثلاثة أسوار توصل مباشرة إلى أبوابها الأربعة المطلة على الشوارع المشعة في وسط المدينة بغداد التي أسسها الخليفة المنصور مطلقا عليها اسم مدينة السلام سقطت تحت القنابل الأمريكية.
يقول باتريك ميشيل الصحفي بجريدة لوموند الفرنسية ان الحرب في مفهومها السائد تبدو مريعة وربما الكلام عن البدائل الديمقراطية وأطروحات الحرية للشعب يبدو مبالغا فيها لأن الأمريكيين جاؤوا إلى العراق بثوب عسكري كي يحاربوا أو كي ينتصروا على «سياسة الجمود كما يصفها صقور أمريكا».. ويتابع قائلا: لكن الحرب الأخرى تبدو أصعب، حرب على عاصمة تعني الكثير في عيون العالم وفي عيون الشعب العربي على وجه الخصوص بغداد ليست مدينة فحسب إنها علامة من علامات الحضارة العربية وسقوطها وانهيارها هو بمثابة جرح عميق في نفوس العرب جميعا من الصعب التخفيف من الحزن العربي بعبارة هذه هي «الديمقراطية».
نخيل العراق
ويشير الى ان الشعوب العربية تعطي للنخيل معاني كثيرة وربما أهمها أن بغداد عاصمة النخيل شامخة تعبر عن كل الأحلام التي يحملها العرب قبالة مدنهم العتيقة وتاريخهم أيضا ويتابع قائلا: نحن الأوروبيين لانقف كثيرا أمام تفاصيل المدن لا نكترث جيدا أمام تفاصيل التاريخ لكنهم يفعلون ذلك كل العرب الذين ينظرون إلى عاصمتهم التاريخية وهي محاصرة كما كانت عليه قبل قرون كأن التاريخ يعيد نفسه، التتار الذين يحاصرون بغداد يلبسون زي المارينز، وزي جنود الصحراء البريطانيين المسألة ستكون بعد الحرب نفسها اكبر بكثير من لغة السلاح فسوف تتحدد مفاهيم مهمة وبالنسبة للشعب العربي سيضع نقاط كثيرة على الحروف، السلام ليس سهلا إنه أصعب من الحرب نفسها.
نهاية النظام
الصحافي الفرنسي باتريك لافونتين من جريدة اللموند يرى ان الأمريكيين الذين خاضوا النزاع بالمطالبة برأس الرئيس العراقي قد غيروا رأيهم الآن بعد سقوط نظام حسين ولهذا لم يعد العالم ينظر إلى ما بعد صدام حسين من منطلق التخلص من نظام بعينه بل من منطلق البداية في نظام بعينه فالانتهاء من شيء لا بد أنه يعني البدء في الشيء الموالي له وما يمكن الكلام عنه هو: ماذا بعد؟
ويضيف: الأمريكيون يعرفون جيدا تاريخ العراق وبالتحديد تاريخ بغداد ولهذا يراهنون اليوم على «دمقرطة بغداد» بمعنى إضفاء طابع ليبرالي حر على السلوك العراقي ثمن المعركة هو هذا المشروع المثير والذي بلا شك لن يجد أكاليل الورد في استقباله ما نريد أن نقوله هو أن هذه الحرب هي الحرب الأولى في هذا القرن لأن الحرب على أفغانستان كانت جس النبض السياسي في العالم وبالتالي كانت حالة أخرى للقضاء على ما أسمتهم أمريكا أقطاب الشر بحيث ان العبارة سرعان ما توسعت دائرتها إلى دول أخرى وضعتهم الإدارة الأمريكية في دائرة الضوء لتصفيتهم سياسيا أو عسكريا.
الامبراطورية الأمريكية
من جانبه يعتقد الصحافي انطوان باتريك
من مجلة نوفيل اوبزرفاتور الفرنسية ان المشكلة تكمن في أن الأمريكيين يصنعون في بغداد ما صنعه الروم في القرون الوسطى.. يريدون إقامة الحضارة الغربية على حضارة قائمة منذ آلاف السنين.
والمطلوب من العالم أن يستوعب هذه الفكرة من الآن يعي العالم أن الإمبراطورية الأمريكية موجودة فعلا لأن الرئيس الأمريكي يعلنها بشكل صريح.جاعلا من هذه الغاية شأنه الخاص بموجب ما يأخذه من شأن الآخرين وفق تحديده لمفهوم القانون الدولي الجديد بصيغة القوة المطلقة السياسية والاقتصادية والعسكرية وهو الشيء الأكيد الذي يمكن رؤيته في طريقة الحرب على العراق وبالتالي يمكن تخيل شكل النصر الذي سيحتفل به الأمريكان من منطلق انتصارهم على مدينة تعد من المدن الأعرق تاريخيا والأكثر خطورة استراتيجيا انتصارهم عليها دونما تأييد دولي مباشر.
ويتابع باتريك: الأمريكيون عرفوا من البداية أن القانون لن يكون لصالحهم ولهذا قرر جورج بوش تجاوزه ومن خلال ذلك التجاوز التاريخي للقانون تجاوز الأمم المتحدة اليوم بامكانك الكلام عن هيئة رسمية ودولية بشيء من السخرية لم يعد أحد يحترم تلك الهيئة ليس لأنها أباحت الحرب على العراق بل لأنها أثبتت بشكل مدهش أنها منحازة إلى السياسة الأمريكية وهي التهمة التي أفقدتها مصداقيتها وبشكل علني. ويضيف: الإمبراطورية الأمريكية تبدو وحيدة وعنيفة في قراراتها أشبه ما يكون عليه الجحيم الذي تسبقه عبارة يا ليتني لم أفعل الإمبراطورية الأمريكية تدعي ببساطة أنها تحمل طموح الإنسان المتطور والسوي شيء يشبه عمل الخير بمعنى إمبراطورية الخير التي تحارب أقطاب الشر! وهي العبارة التي قالها الجيوسياسي الأمريكي روبرت كيجان في كتابة بعض من الحقيقة فقط بحيث ان الدفاع عن الحق يجب أن يندرج في إطار الدفاع عن المصالح الأمريكية: لا يمكن البحث عن الحياد والعدالة والقسوة بين المظلوم والجاني.. قالها جورج بوش في ويست بوينت عام 2002... نحن في نزاع بين الخير والشر وأمريكا تسمي الشر باسمه! علينا أن نفهم تلك الامبراطورية للتعايش معها تقبلها أو التأثير عليها أو رفضها أو محاربتها.
ويرى انطون باتريك ان مانراه في عالم اليوم يعتبر شيئا غير جديد وقد يبدو متشابكا مع مرور الوقت طالما السنين تتعاقب وطالما هنالك من يصرخ في كل أرجاء العالم أيها الظلاميون أخرجوا من حياتنا ! وطالما الإحساس بالظلم يصل حد الفجيعة وما يمكن اعتباره صدى له هو السلطة الكبيرة أو القوة المطلقة بالنسبة للقوة الأولى فإن ما يحركها هي القضية التي تؤمن بها.سواء كانت قضية نضال وطن أو نضال فكري أما القوة الثانية فهي المصالح التي يجب أن تتحدد وفق ما لديها من قوة عسكرية وبشرية أيضا هذا ما فعلته الولايات الأمريكية في العالم على مدى القارات الخمس وهذا ما تؤكد وتراهن عليه ألا وهو التأكيد على أهمية الانتشار العسكري في العالم والذي خصصت له400 مليار دولار لسنة 2004 والتي توازي ميزانية الدفاع لكل دول العالم مجتمعة هذه ليست صدفة ولا طموح أحادي الرؤى إنه تخطيط دقيق جدا لشيء أكبر بكثير من مجرد المصالح الاستراتيجية الحيوية لأنه ببساطة مشروع احتلال العالم ويؤكد الصحافي الفرنسي على ان هذه هي الرغبة التي تحرك الأمريكيين نحو مغامرات الحرب هنا وهناك يعرفون أنهم سيخسرون كثيرا وأن أرواح جنودهم جيء بها إلى مناطق معينة للتضحية بها لأجل القضية الأكبر لأجل الدولة العظمى أو لنقل الإمبراطورية العظمى لأنها الأقرب إلى الحقيقة وإلى الواقع على حد سواء بيد أن الأمر لن يتعلق بالإقناع أمريكا لن تتصرف كما في الماضي لن تقنع ولن تحاول إقناع احد بالحوار لكنها ستفرض رغباتها كلما أرادت أن تقول شيئا ما لأنها تريد في النهاية تجاوز القانون العام لأجل تكريس سياسة القانون الأمريكي الجديد الذي يجب أن يسود الأرض الشعب الأمريكي يشكل5 % من نسبة شعوب العالم ولكنه ينتج 43 % من خيراته هذه هي القوة التي تراهن عليها أمريكا لتغيير السلوك الدولي تجاهها لأن زمن القوات اضمحل ولم تعد هنالك سوى قوة واحدة فقط بعد الانهيار التام للاتحاد السوفييتي والتذبذب الحاصل لدول أخرى أرادت أن تحرج بشكل ما الولايات الأمريكية ولم تستطع ولعل الحرب على العراق أعطت للأمريكيين ذلك الشعور الانفرادي المطلق بالقوة وبأن لا شيء يمكن توقيف زحفهم نحو العالم للتغيير وفق مايريدونه وليس ما يريده العالم.
انهيار جدار برلين
دورسيل ماكجرو محرر الشؤون السياسية بجريدة لوهيومانيته الفرنسية يشير الى ان القوة الأمريكية كانت كريمة وقاسية دائما لكنها لم تكن إمبريالية بالشكل الذي صارت عليه بعد سقوط جدار برلين يوم التاسع من نوفمبر من عام1989 يوم أعلن شارل كروثامر أن انهيار الجدار حدثا تاريخيا يفتح الباب للقطب الأحادي الأبقى وطبعا كانت أمريكا هي القطب الأبقى بعد الانهيارات المتتالية التي شهدتها الكتلة الشيوعية والكتل الاشتراكية المعتمدة على القومية والتاريخ والخطاب السياسي البراغماتي وهي كتل انهارت بسبب نفس الشعارات التي طالما تمسكت بها تاريخ القرن العشرين بدأ منذ تأسست فيه القوة الأمريكية التي صنعت لنفسها أذرع اخطبوطية للاستيلاء على العالم بأسره ولكن على الرغم من ذلك كان ينقص الولايات المتحدة الأمريكية القدرة المطلقة أيضا لأن تصبح روما الجديدة.
الأمة المثالية
ويتابع ماكجرو قائلا: بيد أن القطب الأوحد استفاد دائما من الضعف الأوروبي فيما يخص استراتيجية الدفاع لهذا واصلت مشاريع التوسع من خلال حروب اندلعت هنا وهناك وكانت أمريكا في بعض الحالات المتسببة في اندلاعها وفي الحالات الاخرى المستفيدة من اندلاعها كالحرب الأهلية اليوغسلافية وحرب الخليج الثانية. ويشير الصحفي الفرنسي الى ان أمريكا أرادت دائما أن تكون الأمة المثالية للعالم كما قالت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة أو ضابط الشرطة الصارم كما قال ريتشارد هاس مستشار وزارة الخارجية لم يقل أحد أنها الإمبراطورية إنما قالوا فقط شرطي العالم وهذا ما لم يكن حقيقيا تماما.
ويقول ان المحافظة الذكية كسياسية اجتماعية يقابلها تخفيض في الضرائب كانت تبدو كفيلة بتحقيق سعادة الأمريكيين الذين كانوا في الأساس غير مكترثين بأي شكل من الأشكال أن تشتعل الأرض في مناطق أخرى من العالم ولكن لأن الفارق بين الدبلوماسية والسياسة كطموح كان واضحا فلن يكون ثمة شيء اسمه العالم لا يهمنا في منظور صقور استثمروا نفوذهم الداخلي في التأثير على البيت الأبيض وعلى الكونجرس معا لأجل الذهاب إلى الخطوة التالية التي تم التخطيط لها من الستينات بالضبط لأجل التغيير الجذري في العالم على أساس براغماتي يخدم نزعة المصالح الأمريكية.. الديمقراطية أمام المصالح هي آخر الهموم ساعتها.
يقظة المارد
ويضيف قائلاً: أحداث 11 سبتمبر 2001 أيقظت بسرعة المارد الأمريكي الذي قرر بسرعة تنفيذ خطة نامت سنوات طويلة.. أمريكا التي استيقظت على كرامتها المهانة قررت أن تنتقم لنفسها ولكن ضد من؟ ضد العالم بأسره! مسألة رد الاعتبار تحولت إلى حرب مفتوحة على كل الدول وعلى الشعوب التي ترى فيها الولايات الأمريكية غير مستعدة لتبني أيديولوجية الحرية الأمريكية لهذا كان الضرب على الأصابع ثم الضرب تحت الحزام!
احتلال العقول
جوزيف ناي عميد كلية هارفارد بالولايات المتحدة يعلق على ظاهرة السلطة الأمريكية بالقول ان للظاهرة وجهين لإثبات تلك القوة المطلقة يسميهما: hard power القوة الصلبة و soft power القوة اللينة الأول يفرض على أساس عسكري والتأثير الاقتصادي كأساس لتكريس الإرادة الأمريكية على الآخرين أما الثانية فتعتمد على الإغراء الناتج عن طرح مفهوم مثالي للديمقراطية كبدلي حقيقي لدول تعيش وضعا قمعيا داخليا وبالخصوص في دول العالم الثالث.. لكن أمام الرفض شبه الشامل للأمركة الحالية تواجه أمريكا مشاكل كبيرة في كيفية وطريقة تسييرها للعالم ولهذا بدت القوة العسكرية هي البديل لفرض الأسلوب والسلوك والنمط الأمريكي على كل الأصعدة بما في ذلك الصعيد الدبلوماسي.. الشيءالثاني المهم هو أن إقامة الدولة العظمى كان على أساس أكاذيب أيضا وحسب اعتقاد جوزيف ناي فان نشر الخطاب السياسي الإنساني المتسامح والحديث عن الديمقراطية المبهرة لم يكن أكثر من وهم حقيقي سرعان ما صار يستيقظ عليه الأمريكيون أنفسهم.
توقيت هوليود
الفونسو ميشيل الكاتب الفرنسي في مجلة لوموند ديبلوماتيك يلخص مشكلة الأمريكي في أنه يعيش بتوقيت هوليود فكل فيلم سينمائي يصل إلى قاعات السينما يتحول إلى بعد سياسي تدخل فيها سلطة المخابرات القوية والجنود الذين يحملون الحرية والديمقراطية إلى كل العالم ورغبة ازدهار الأرض لأجل تطلعات إنسانية مثيرة الأمريكيون يتكلمون بهذا الشكل حين يتناولون الوضع الدولي يستعملون عبارة البديل للكلام عن الواقع الراهن ولهذا يقررون بالقوة، ويتصرفون بالقوة ويتكلمون بالقوة.
ويشير الى ان جورج بوش الابن منذ وصوله إلى البيت الأبيض لا يخلو خطابه من عبارة «أقطاب الشر» ولا من عبارة «الديمقراطية والحرية» إلا للربط بينهما بين الدول التي ترفض تلك الديمقراطية والحرية ليتهمها بالإرهاب أو ببساطة بالشر فالاولى تبرر الثانية لأن الشر يقابله الردع.. ما حققته الولايات الأمريكية أنها دخلت في حروب كثيرة ربما انتصرت في معظمها ولكن على حساب ماذا؟ أو لنقل النصر بأي ثمن؟
حقد تجاه الأمريكيين
ويرى ان سمعة الأمريكيين ليست جيدة في العالم يمكن لأي شخص في كوبا أو كولومبيا أو اسبانيا أو ايطاليا أو فرنسا أو يوغسلافيا أو ألمانيا أو اليابان أو الصين أو الهند أو باكستان أو فلسطين أو لبنان أو ليبيا أو العراق أن يكون مثالا حقيقيا للحقد الذي يشعر به نحو الأمريكيين ليس حقدا عاديا إنه ذو جذور قديمة ولأنه وهذا المهم نتيجة حقيقية لأسلوب الأمركة غير الناجح في العالم.. الأمريكيون راهنوا كثيرا على نمط معيشتهم على طريقة حياتهم وأسلوبهم في التعامل مع بعضهم ولكنهم فشلوا في حمل ذلك إلى الآخرين كبديل وحيد فالعالم ينظر إلى أمريكا اليوم كفيلم سينمائي مبالغ فيه ولهذا بدت الحرب على العراق في أسبوعيها الأولين تأكيدا لذلك الفيلم لأن نسبة كبيرة من هذا العالم كانت تتمنى في قرارة نفسها أن تنهزم أمريكا في حربها على العراق ليس حبا في نظام العراق بل في سقوط أمريكا في فخاخها العسكرية السقوط لم يحدث والذي حدث هو سقوط العراق بين أيدي الأمريكيين. والعالم يعزي نفسه آليا.. أمريكا القوة التي راهنت على جنودها وعلى ترسانتها العسكرية الضخمة كسبت الحرب ولكنها لن تخرج سليمة مائة بالمئة ولأنها سوف تدفع الثمن غاليا، ثمة جيل رأى ما فعلته أمريكا ويعرف أن ما فعلته كان قمةالفظاعة فالقتل والإجرام لأجل البترول ليس مبررا أبدا لإقامة الديمقراطية.ولأجل هذه الأسباب كلها لن تخرج أمريكا سالمة من حربها الأخيرة هذه !
ويقول فريديرك جوبي في مقال نشر بصحيفة «اللموند»: يوم 19 مارس، بينما كان الرئيس بوش يلقي خطابه للشعب الأمريكي كانت الصواريخ تسقط على بغداد.
كان مشهد الحرب يوحي بالفظاعة لكن خطاب بوش لم يكن خطابا عاديا لأنه كشف الوجه الآخر للخطاب السياسي الأمريكي في شخص الرئيس جورج دبليو بوش حالة مثيرة للتساؤل، نزعة دينية مسيحية تبدأ بالصلاة قبل كل خطاب سياسي وأثناءه لم يكن الرئيس الأسبق بيل كلينتون يفعل ذلك ولا حتى جورج بوش الأب فكيف يحدث هذا؟ لا احد في أمريكا يجهل أن جورج دبليو بوش ومنذ أحداث 11 سبتمبر من سنة2001 نما فيه النزوح إلى الدين المسيحي بشكل يقترب من التطرف أحيانا.. والدين المسيحي في الحقيقة هو المدرسة الأولى للسياسة للديمقراطية الأمريكية قالها «توكفيل» عام 1831 لكن لا أحد تذكر توكفيل بقدر تذكره للخطاب السياسي الأمريكي على لسان جورج بوش الذي استعمل نفس العبارة في حديثه عن الدين ولم يقل أن العبارة ليست له قال أقول لكم الدين جزء من السياسة من الديمقراطية الأمريكية !
حرب صليبية
ويقول الكاتب الفرنسي: سنعود إلى أحداث سبتمبر تلك لنعلق على العبارة الأخطرالتي قالها الرئيس الأمريكي وعلى وحد وصفه فإن ما تعرضت له أمريكا لهي الحرب وأنه يعلنها من أعلى كرسي أمريكي أنها حربا صليبية ربما تسرع في قمة صدمته لأنه اعتذر مباشرة وقال إنها «زلة لسان»، ولكن ماذا لو لم تكن زلة لسان؟
نقول ذلك لأن الكلام صدر عن رئيس أمريكي بمعنى رئيس الدولة العظمى أعطى لنفسه شرعية التحليل عن نوع الحرب التي يقودها لهذا يمكن القول إن الدول التي تتعرض للإهانة تمتلك حق الرد بالمثل وهذا جزء من شرعيتها في الوجود..لا يمكن اقتصار الخطاب الديني السياسي على الأمريكيين بدليل أن ثمة أكثر من عشرين طائفة تتعارض مع الخطاب الديني السياسي الأمريكي وأن ثمة من يعتبر هذه الرؤى الإنجيلية الكاثوليكية غير قادرة على تمرير رسالة المستقبل التعايشية لأنها منحازة إلى العنف بشكل جلي وواضح..
نقول إن الخطاب السياسي الأمريكي الرسمي لا يعبر عن رأي الأغلبية أنظروا إلى هذه الإحصائيات: 40 % من الشباب الأمريكيين لا يوافقون على النظرة الدينية السياسية للرئيس الأمريكي يعتبرونها غير مجدية بمعنى أنها غير مسالمة بالكيفية التي يمكنها تأسيس عالم مثالي كما ينطق به الخطاب السياسي الآخر علاقة من اللا تعايش بين الخطابين.
ليس من العدل أن يطير أي رئيس مسافة طويلة ليضرب دولة بحجة تحريرها بالقنابل والدموع والمآسي وليس من حق ذلك الرئيس اعتبار الخطاب الديني المعاكس إرهابا لأن الدين جزء من السياسة وعليه من باب احترام الديمقراطية الأمريكية يجب أن يعترف الآخر أن الحرب شيئا فظيعا وأن قتل الأطفال لهو الشيء الأفظع ما يمكن إعلانه للأمريكيين أن هذا الأسلوب، هو الحرب المقبلة، فالذي يبدأ بعبارة معي حق إهانتك ينتهي إذا جاء دورك كي تهان، هذه هي السياسة الوحيدة التي لن تخضع لشيء غير الرغبة في الثأر حتى لو كانت على طريقة الهنود الحمر لأن زمن رعاة البقر يبدو كارزماتيا ولأجل كل هذا لن يوفق هؤلاء أبدا ًمهما كانت الأسماء التي يحملونها.
فانتازية العضلات
من جانبه يرى فرانس دولافانس في مقال له بمجلة لونوفيل اوبزرفاتور الفرنسية بعنوان (قلتم حقوق الانسان) يرى ان فانتازية استعراض العضلات هي الصورة اليومية من الحرب التي شنت ضد العراق أو أي حرب أخرى على هذه الأرض ربما تشعرك بالحزن لأنك إنسان ولأنك تبدو عاجزا أمام هؤلاء الذين يموتون تحت القصف أو باغتيال الطائرات التي غالبا ما صارت تحمل الماركة الأمريكية هي التي تقصف لتقتل !
ويتابع قائلا: عندما هددت الولايات المتحدة الأمريكية بضرب العراق اعتقد العالم أن أسلوب التهديد هو الطريقة الأمريكية النموذجية لزرع الرعب في النفوس.
أمريكا التي تخاطب العالم بلسان رئيسها وتعده بالحريات الأكثر ازدهارا هي التي أيضا إن الحرب على العراق سوف تكون سريعة وخاطفة.
لا يهم نتيجتها إزاء الواقع والخسائر هذا شيء لا يطرح أبدا في صيغ الحرب المعلنة أنت لا تستطيع أن تسأل رئيس الولايات الأمريكية المتحدة قائلا له: ألم تفكر في الأطفال وفي العجزة والشيوخ والمرضى والنساء؟ ألم تفكر في الإنسان الذي ليس بالضرورة عدوك ليس من حق احد ولا حتى الرئيس الأمريكي أن يحكم على إنسان أنه سيئ ليس ثمة شيء اسمه سيئ لكن ثمة شيء اسمه لا إنساني.. وهذا هو الفرق بين الأشخاص.
ما الثمن ؟
ويقول دولافانس: في الحرب على العراق تكلم الناس عن الاستراتيجيات العسكرية عن القوة التي هاجمت والأخرى التي دافعت عن الطائرات التي أطلقت حمولتها وعن القواعد التي تم تأمينها لعبور الجنود إلى البصرة إلى الموصل إلى بغداد لم يسأل أحد: ما الثمن؟ على حساب من أو ماذا تحقق؟ لأن الإجابة في غاية الفظاعة ولأن أمريكا شنت الحرب في النهاية على بلد منهك كثيرا من جراء حصار دام أكثر من 12 عاما.
ويضيف: عندما أعلنت الأمم المتحدة العراق داخل الحصار الاقتصادي الشامل لم يتصور أحد أن تكون عقوبة دولية بهذه الفظاعة ليس لأن العراقيين وجدوا نفسهم في عزلة عن العالم الخارجي بل لأنهم دفعوا ثمن نظام حاصرهم سياسيا ونفسيا طوال سنوات طويلة ما صنعته الأمم المتحدة أنها أضفت حالة من الرسمية على حصار موجود وقائم أصلا لهذا كانت الجريمة مضاعفة ثم جاءت الحرب احتلال وليس تحرير!
ويردف دولا فانس قائلا: مهما يكن من كلام فمن الصعب تجاوز الواقع الجديد الذي يبدو مفهومه عميقا ومتداخلا في الوقت نفسه أمريكا جاءت إلى العراق لتحريره، أمريكا وقعت في استسهال الحرب معتقدة أنها ستلاقي شعبا سعيدا بحضورها إليه الورود لم تكن أبدا حاضرة لاستقبالهم حرب تحرير العراق تحولت من معناها التحرري الإنساني إلى حرب احتلال بالقوة وهذا الذي غير كل المعايير. ويقول الكاتب: لننظر إلى ما يجري مثلا عندما نطلب المساعدات الإنسانية نتفاجأ بالعدد الهائل من الطائرات والدبابات المقتحمة والقنابل العنقودية تسقط على الرؤوس لتحصد كل العراقيين دونما تمييز إن كانوا من جيش صدام أو من المتعبين من نظام صدام من هنا تبدو الأجراس المقرعة أمام هاجس الكارثة الإنسانية التي فعلا حدثت في البصرة وفي مناطق أخرى وجد الناس أنفسهم فيها داخل الجحيم الحرب التي تصنع المأساة الحرب تنادي إلى الحرب لإصلاح أشياء مهمة ولإيصال المساعدات إلى المساكين إنه الوقت إذن لملاحظة الحقيقة، بأن عبارة إنسانية ما هي إلا وسيلة إشهارية داخل الحرب والتي من خلالها يمكن الحصول على المقابل أمريكا تفعل ذلك.. تعرف أن عبارة الخطر الإنساني ليست أكثر من مطية اقتصادية لأجل العبور إلى الخطوة التالية: النفط مقابل الخبز.
ويتابع قائلا: أمريكا التي جاءت لتحرير العراق من نظامه لأجل تحريره من همومه المزمنة تتكلم عن النفط مقابل الخبز بعد الحرب، من حق أي إنسان عاقل أن يسأل: بما أن النفط سيكون بديلا عن الخبز كما كان الحال في زمن الحصار الاقتصادي الدولي على العراق، فما الجدوى من الحرب أصلا؟ لماذا شنت أمريكا الحرب على دولة محاصرة لتقرر محاصرتها ثانيا بسياسة النفط مقابل الخبز والتي تفتح خزينة العراق على ملايين الدولارات المجمدة والتي لن يستفيد منها العراقيون لأنهم سيظلون يطالبون بالخبز مقابل النفط وبالدواء مقابل النفط، وبالهواء مقابل النفط.
جرائم الحرب
حرب التحرير التي قامت على آلاف من الجثث لم تخرج بأي شيء تاريخي بل بدويلات ربما تقوم على أساس كونفدراليات تتعايش فيما بينها بنفس الهموم نفسها وبالتالي تقوم على أساس قوانين أمريكية تحدد ما لها وما عليها.
ويضيف قائلا: نتكلم عن معاهدة جنيف التي تؤكد على ضرورة تزويد السكان بالمؤونة الغذائية في حالة الحرب أو الغزو أو التحرر بنفس التأكيد على حقوق الأسرى في حسن المعاملة، هذه هي النقاط التي تبدو منتهكة في هذه الحرب.. الإساءة إلى الشعب وإلى الأسرى على حد سواء هو في النهاية شكل من أشكال جرائم الحرب.
مسؤولية عنان
ويقول دولا فرانس: الأمم المتحدة ساهمت في تلك الإساءة كثيرا نتذكر اجتماع مارس من السنة الماضية والاتفاقية شبه السرية بين كوفي عنان حول المساعدات الأممية إلى العراق والتي تحولت إلى مساومة معلنة ملايين من الأطفال العراقيين توفوا نتيجة نقص في الدواء وفي الغذاء (الحليب).. كان العراق مطالبا بالقيام بمزيد من التنازلات لأجل كمية من الحليب قد يسمح لها بالدخول إلى العراق بعد انتهاء صلاحيتها يقول فرانك جوبر الموظف في هيئة الإغاثة الدولية:كوفي عنان يتحمل بشكل أو بآخر نتيجة الوضع المأساوي داخل العراق في مارس الماضي أعلنت هيئات إنسانية دولية عن امتعاضها من الدور الذي تمارسه الأمم المتحدة كوفي عنان كان المتهم رقم واحد على الانحياز الذي أبداه منذ سنوات للولايات الأمريكية كانت القنبلة التي سبقت الحرب على العراق حين أمر كوفي عنان العاملين الأمميين في العراق بمغادرته كانت ضربة كبيرة إن لم نقل خيانة كبيرة للواجب الإنساني الذي تأسست عليه اتفاقيات جنيف السيد كوفي عنان يتحمل قبل الحرب وبعدها مسؤولية كل عراقي ميت نتيجة الجوع ونتيجة المرض ونتيجة الحرب لأن القتل بالقفاز أصعب وأقسى من القتل باليد العارية.
ويردف دولا فرانس قائلا: التقابل في الأفكار بين الأمم المتحدة والولايات الأمريكية المتحدة يعني للكثيرين أن الجهتين تعملان في نفس السياق: المصالح بمعنى إيجاد أكثر من عذر لأجل الاستيلاء على الأهم بما في ذلك المتاجرة بدم الأبرياء.. حدث ذلك في فلسطين وكوسوفو وفي كابول وفي الشيشان.. ليس جديدا على الأمم المتحدة هذا التوجه المخيف نحو القوة بمعنى فرض سياسة الإنسان بالقوة وهو النمط الأمريكي المطلق أمريكا تريد فرض سيطرتها على العالم ذلك فهمناه جيدا ولكن ما هي مصلحة الأمم المتحدة في ذلك النفوذ الأمريكي؟ نقولها ثانيا: المصالح ..
ويختم دولا فرانس قائلا : مع الاسف الشديد اصبحنا نرى ان مصالح الأشخاص أكبر من مصائر الشعوب. لهذا نعي جيدا أن هيئة الأمم المتحدة ستشهد انقلابا راديكاليا نحو التغيير في الدور الذي تضطلع به.. ولن تكون أكثر من الصوت الأمريكي بصيغة الحقوق المدنية والإنسانية.. الحرب نفسها جردت الأمم المتحدة من سلطتها، حتى لو تقمصت هذه الهيئة دورا إعماريا في العراق فلن تفعل ذلك إلا بالأسلوب الأمريكي.. بعبارة ما لروما لروما وما لقيصر لقيصر.. هذا كل شيء !
يبقى أن نقول أن 70 % من العراقيين صاروا في حالة من الفجيعة الإنسانية، وأن المساعدات التي وصلت من أكثر من ثلاثين دولة مختلفة لم يسمح بدخولها لحد الآن لأسباب أمنية يقول البريطانيون. 55% من العراقيين يعيشون في الخط الأحمر من الخطر 35% يقابلهم خطر الموت.. من بين كل هؤلاء نجد 49 % من الأطفال الحرب ستحكي لنا الكثير من أمريكا أقطاب الشر بحيث ان العبارة سرعان ما توسعت دائرتها إلى دول أخرى وضعتهم الإدارة الأمريكية في دائرة الضوء لتصفيتهم سياسيا أو عسكريا.
الامبراطورية الأمريكية
من جانبه يعتقد الصحافي انطوان باتريك
من مجلة نوفيل اوبزرفاتور الفرنسية ان المشكلة تكمن في أن الأمريكيين يصنعون في بغداد ما صنعه الروم في القرون الوسطى.. يريدون إقامة الحضارة الغربية على حضارة قائمة منذ آلاف السنين.
والمطلوب من العالم أن يستوعب هذه الفكرة من الآن يعي العالم أن الإمبراطورية الأمريكية موجودة فعلا لأن الرئيس الأمريكي يعلنها بشكل صريح.جاعلا من هذه الغاية شأنه الخاص بموجب ما يأخذه من شأن الآخرين وفق تحديده لمفهوم القانون الدولي الجديد بصيغة القوة المطلقة السياسية والاقتصادية والعسكرية وهو الشيء الأكيد الذي يمكن رؤيته في طريقة الحرب على العراق وبالتالي يمكن تخيل شكل النصر الذي سيحتفل به الأمريكان من منطلق انتصارهم على مدينة تعد من المدن الأعرق تاريخيا والأكثر خطورة استراتيجيا انتصارهم عليها دونما تأييد دولي مباشر.
ويتابع باتريك: الأمريكيون عرفوا من البداية أن القانون لن يكون لصالحهم ولهذا قرر جورج بوش تجاوزه ومن خلال ذلك التجاوز التاريخي للقانون تجاوز الأمم المتحدة اليوم بامكانك الكلام عن هيئة رسمية ودولية بشيء من السخرية لم يعد أحد يحترم تلك الهيئة ليس لأنها أباحت الحرب على العراق بل لأنها أثبتت بشكل مدهش أنها منحازة إلى السياسة الأمريكية وهي التهمة التي أفقدتها مصداقيتها وبشكل علني. ويضيف: الإمبراطورية الأمريكية تبدو وحيدة وعنيفة في قراراتها أشبه ما يكون عليه الجحيم الذي تسبقه عبارة يا ليتني لم أفعل الإمبراطورية الأمريكية تدعي ببساطة أنها تحمل طموح الإنسان المتطور والسوي شيء يشبه عمل الخير بمعنى إمبراطورية الخير التي تحارب أقطاب الشر! وهي العبارة التي قالها الجيوسياسي الأمريكي روبرت كيجان في كتابة بعض من الحقيقة فقط بحيث ان الدفاع عن الحق يجب أن يندرج في إطار الدفاع عن المصالح الأمريكية: لا يمكن البحث عن الحياد والعدالة والقسوة بين المظلوم والجاني.. قالها جورج بوش في ويست بوينت عام 2002... نحن في نزاع بين الخير والشر وأمريكا تسمي الشر باسمه! علينا أن نفهم تلك الامبراطورية للتعايش معها تقبلها أو التأثير عليها أو رفضها أو محاربتها.
ويرى انطون باتريك ان مانراه في عالم اليوم يعتبر شيئا غير جديد وقد يبدو متشابكا مع مرور الوقت طالما السنين تتعاقب وطالما هنالك من يصرخ في كل أرجاء العالم أيها الظلاميون أخرجوا من حياتنا ! وطالما الإحساس بالظلم يصل حد الفجيعة وما يمكن اعتباره صدى له هو السلطة الكبيرة أو القوة المطلقة بالنسبة للقوة الأولى فإن ما يحركها هي القضية التي تؤمن بها.سواء كانت قضية نضال وطن أو نضال فكري أما القوة الثانية فهي المصالح التي يجب أن تتحدد وفق ما لديها من قوة عسكرية وبشرية أيضا هذا ما فعلته الولايات الأمريكية في العالم على مدى القارات الخمس وهذا ما تؤكد وتراهن عليه ألا وهو التأكيد على أهمية الانتشار العسكري في العالم والذي خصصت له400 مليار دولار لسنة 2004 والتي توازي ميزانية الدفاع لكل دول العالم مجتمعة هذه ليست صدفة ولا طموح أحادي الرؤى إنه تخطيط دقيق جدا لشيء أكبر بكثير من مجرد المصالح الاستراتيجية الحيوية لأنه ببساطة مشروع احتلال العالم ويؤكد الصحافي الفرنسي على ان هذه هي الرغبة التي تحرك الأمريكيين نحو مغامرات الحرب هنا وهناك يعرفون أنهم سيخسرون كثيرا وأن أرواح جنودهم جيء بها إلى مناطق معينة للتضحية بها لأجل القضية الأكبر لأجل الدولة العظمى أو لنقل الإمبراطورية العظمى لأنها الأقرب إلى الحقيقة وإلى الواقع على حد سواء بيد أن الأمر لن يتعلق بالإقناع أمريكا لن تتصرف كما في الماضي لن تقنع ولن تحاول إقناع احد بالحوار لكنها ستفرض رغباتها كلما أرادت أن تقول شيئا ما لأنها تريد في النهاية تجاوز القانون العام لأجل تكريس سياسة القانون الأمريكي الجديد الذي يجب أن يسود الأرض الشعب الأمريكي يشكل5 % من نسبة شعوب العالم ولكنه ينتج 43 % من خيراته هذه هي القوة التي تراهن عليها أمريكا لتغيير السلوك الدولي تجاهها لأن زمن القوات اضمحل ولم تعد هنالك سوى قوة واحدة فقط بعد الانهيار التام للاتحاد السوفييتي والتذبذب الحاصل لدول أخرى أرادت أن تحرج بشكل ما الولايات الأمريكية ولم تستطع ولعل الحرب على العراق أعطت للأمريكيين ذلك الشعور الانفرادي المطلق بالقوة وبأن لا شيء يمكن توقيف زحفهم نحو العالم للتغيير وفق مايريدونه وليس ما يريده العالم.
انهيار جدار برلين
دورسيل ماكجرو محرر الشؤون السياسية بجريدة لوهيومانيته الفرنسية يشير الى ان القوة الأمريكية كانت كريمة وقاسية دائما لكنها لم تكن إمبريالية بالشكل الذي صارت عليه بعد سقوط جدار برلين يوم التاسع من نوفمبر من عام1989 يوم أعلن شارل كروثامر أن انهيار الجدار حدثا تاريخيا يفتح الباب للقطب الأحادي الأبقى وطبعا كانت أمريكا هي القطب الأبقى بعد الانهيارات المتتالية التي شهدتها الكتلة الشيوعية والكتل الاشتراكية المعتمدة على القومية والتاريخ والخطاب السياسي البراغماتي وهي كتل انهارت بسبب نفس الشعارات التي طالما تمسكت بها تاريخ القرن العشرين بدأ منذ تأسست فيه القوة الأمريكية التي صنعت لنفسها أذرع اخطبوطية للاستيلاء على العالم بأسره ولكن على الرغم من ذلك كان ينقص الولايات المتحدة الأمريكية القدرة المطلقة أيضا لأن تصبح روما الجديدة.
الأمة المثالية
ويتابع ماكجرو قائلا: بيد أن القطب الأوحد استفاد دائما من الضعف الأوروبي فيما يخص استراتيجية الدفاع لهذا واصلت مشاريع التوسع من خلال حروب اندلعت هنا وهناك وكانت أمريكا في بعض الحالات المتسببة في اندلاعها وفي الحالات الاخرى المستفيدة من اندلاعها كالحرب الأهلية اليوغسلافية وحرب الخليج الثانية. ويشير الصحفي الفرنسي الى ان أمريكا أرادت دائما أن تكون الأمة المثالية للعالم كما قالت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة أو ضابط الشرطة الصارم كما قال ريتشارد هاس مستشار وزارة الخارجية لم يقل أحد أنها الإمبراطورية إنما قالوا فقط شرطي العالم وهذا ما لم يكن حقيقيا تماما.
ويقول ان المحافظة الذكية كسياسية اجتماعية يقابلها تخفيض في الضرائب كانت تبدو كفيلة بتحقيق سعادة الأمريكيين الذين كانوا في الأساس غير مكترثين بأي شكل من الأشكال أن تشتعل الأرض في مناطق أخرى من العالم ولكن لأن الفارق بين الدبلوماسية والسياسة كطموح كان واضحا فلن يكون ثمة شيء اسمه العالم لا يهمنا في منظور صقور استثمروا نفوذهم الداخلي في التأثير على البيت الأبيض وعلى الكونجرس معا لأجل الذهاب إلى الخطوة التالية التي تم التخطيط لها من الستينات بالضبط لأجل التغيير الجذري في العالم على أساس براغماتي يخدم نزعة المصالح الأمريكية.. الديمقراطية أمام المصالح هي آخر الهموم ساعتها.
يقظة المارد
ويضيف قائلاً: أحداث 11 سبتمبر 2001 أيقظت بسرعة المارد الأمريكي الذي قرر بسرعة تنفيذ خطة نامت سنوات طويلة.. أمريكا التي استيقظت على كرامتها المهانة قررت أن تنتقم لنفسها ولكن ضد من؟ ضد العالم بأسره! مسألة رد الاعتبار تحولت إلى حرب مفتوحة على كل الدول وعلى الشعوب التي ترى فيها الولايات الأمريكية غير مستعدة لتبني أيديولوجية الحرية الأمريكية لهذا كان الضرب على الأصابع ثم الضرب تحت الحزام!
احتلال العقول
جوزيف ناي عميد كلية هارفارد بالولايات المتحدة يعلق على ظاهرة السلطة الأمريكية بالقول ان للظاهرة وجهين لإثبات تلك القوة المطلقة يسميهما: hard power القوة الصلبة و soft power القوة اللينة الأول يفرض على أساس عسكري والتأثير الاقتصادي كأساس لتكريس الإرادة الأمريكية على الآخرين أما الثانية فتعتمد على الإغراء الناتج عن طرح مفهوم مثالي للديمقراطية كبدلي حقيقي لدول تعيش وضعا قمعيا داخليا وبالخصوص في دول العالم الثالث.. لكن أمام الرفض شبه الشامل للأمركة الحالية تواجه أمريكا مشاكل كبيرة في كيفية وطريقة تسييرها للعالم ولهذا بدت القوة العسكرية هي البديل لفرض الأسلوب والسلوك والنمط الأمريكي على كل الأصعدة بما في ذلك الصعيد الدبلوماسي.. الشيءالثاني المهم هو أن إقامة الدولة العظمى كان على أساس أكاذيب أيضا وحسب اعتقاد جوزيف ناي فان نشر الخطاب السياسي الإنساني المتسامح والحديث عن الديمقراطية المبهرة لم يكن أكثر من وهم حقيقي سرعان ما صار يستيقظ عليه الأمريكيون أنفسهم.
توقيت هوليود
الفونسو ميشيل الكاتب الفرنسي في مجلة لوموند ديبلوماتيك يلخص مشكلة الأمريكي في أنه يعيش بتوقيت هوليود فكل فيلم سينمائي يصل إلى قاعات السينما يتحول إلى بعد سياسي تدخل فيها سلطة المخابرات القوية والجنود الذين يحملون الحرية والديمقراطية إلى كل العالم ورغبة ازدهار الأرض لأجل تطلعات إنسانية مثيرة الأمريكيون يتكلمون بهذا الشكل حين يتناولون الوضع الدولي يستعملون عبارة البديل للكلام عن الواقع الراهن ولهذا يقررون بالقوة، ويتصرفون بالقوة ويتكلمون بالقوة.
ويشير الى ان جورج بوش الابن منذ وصوله إلى البيت الأبيض لا يخلو خطابه من عبارة «أقطاب الشر» ولا من عبارة «الديمقراطية والحرية» إلا للربط بينهما بين الدول التي ترفض تلك الديمقراطية والحرية ليتهمها بالإرهاب أو ببساطة بالشر فالاولى تبرر الثانية لأن الشر يقابله الردع.. ما حققته الولايات الأمريكية أنها دخلت في حروب كثيرة ربما انتصرت في معظمها ولكن على حساب ماذا؟ أو لنقل النصر بأي ثمن؟
حقد تجاه الأمريكيين
ويرى ان سمعة الأمريكيين ليست جيدة في العالم يمكن لأي شخص في كوبا أو كولومبيا أو اسبانيا أو ايطاليا أو فرنسا أو يوغسلافيا أو ألمانيا أو اليابان أو الصين أو الهند أو باكستان أو فلسطين أو لبنان أو ليبيا أو العراق أن يكون مثالا حقيقيا للحقد الذي يشعر به نحو الأمريكيين ليس حقدا عاديا إنه ذو جذور قديمة ولأنه وهذا المهم نتيجة حقيقية لأسلوب الأمركة غير الناجح في العالم.. الأمريكيون راهنوا كثيرا على نمط معيشتهم على طريقة حياتهم وأسلوبهم في التعامل مع بعضهم ولكنهم فشلوا في حمل ذلك إلى الآخرين كبديل وحيد فالعالم ينظر إلى أمريكا اليوم كفيلم سينمائي مبالغ فيه ولهذا بدت الحرب على العراق في أسبوعيها الأولين تأكيدا لذلك الفيلم لأن نسبة كبيرة من هذا العالم كانت تتمنى في قرارة نفسها أن تنهزم أمريكا في حربها على العراق ليس حبا في نظام العراق بل في سقوط أمريكا في فخاخها العسكرية السقوط لم يحدث والذي حدث هو سقوط العراق بين أيدي الأمريكيين. والعالم يعزي نفسه آليا.. أمريكا القوة التي راهنت على جنودها وعلى ترسانتها العسكرية الضخمة كسبت الحرب ولكنها لن تخرج سليمة مائة بالمئة ولأنها سوف تدفع الثمن غاليا، ثمة جيل رأى ما فعلته أمريكا ويعرف أن ما فعلته كان قمةالفظاعة فالقتل والإجرام لأجل البترول ليس مبررا أبدا لإقامة الديمقراطية.ولأجل هذه الأسباب كلها لن تخرج أمريكا سالمة من حربها الأخيرة هذه !
ويقول فريديرك جوبي في مقال نشر بصحيفة «اللموند»: يوم 19 مارس، بينما كان الرئيس بوش يلقي خطابه للشعب الأمريكي كانت الصواريخ تسقط على بغداد.
كان مشهد الحرب يوحي بالفظاعة لكن خطاب بوش لم يكن خطابا عاديا لأنه كشف الوجه الآخر للخطاب السياسي الأمريكي في شخص الرئيس جورج دبليو بوش حالة مثيرة للتساؤل، نزعة دينية مسيحية تبدأ بالصلاة قبل كل خطاب سياسي وأثناءه لم يكن الرئيس الأسبق بيل كلينتون يفعل ذلك ولا حتى جورج بوش الأب فكيف يحدث هذا؟ لا احد في أمريكا يجهل أن جورج دبليو بوش ومنذ أحداث 11 سبتمبر من سنة2001 نما فيه النزوح إلى الدين المسيحي بشكل يقترب من التطرف أحيانا.. والدين المسيحي في الحقيقة هو المدرسة الأولى للسياسة للديمقراطية الأمريكية قالها «توكفيل» عام 1831 لكن لا أحد تذكر توكفيل بقدر تذكره للخطاب السياسي الأمريكي على لسان جورج بوش الذي استعمل نفس العبارة في حديثه عن الدين ولم يقل أن العبارة ليست له قال أقول لكم الدين جزء من السياسة من الديمقراطية الأمريكية !
حرب صليبية
ويقول الكاتب الفرنسي: سنعود إلى أحداث سبتمبر تلك لنعلق على العبارة الأخطرالتي قالها الرئيس الأمريكي وعلى وحد وصفه فإن ما تعرضت له أمريكا لهي الحرب وأنه يعلنها من أعلى كرسي أمريكي أنها حربا صليبية ربما تسرع في قمة صدمته لأنه اعتذر مباشرة وقال إنها «زلة لسان»، ولكن ماذا لو لم تكن زلة لسان؟
نقول ذلك لأن الكلام صدر عن رئيس أمريكي بمعنى رئيس الدولة العظمى أعطى لنفسه شرعية التحليل عن نوع الحرب التي يقودها لهذا يمكن القول إن الدول التي تتعرض للإهانة تمتلك حق الرد بالمثل وهذا جزء من شرعيتها في الوجود..لا يمكن اقتصار الخطاب الديني السياسي على الأمريكيين بدليل أن ثمة أكثر من عشرين طائفة تتعارض مع الخطاب الديني السياسي الأمريكي وأن ثمة من يعتبر هذه الرؤى الإنجيلية الكاثوليكية غير قادرة على تمرير رسالة المستقبل التعايشية لأنها منحازة إلى العنف بشكل جلي وواضح..
نقول إن الخطاب السياسي الأمريكي الرسمي لا يعبر عن رأي الأغلبية أنظروا إلى هذه الإحصائيات: 40 % من الشباب الأمريكيين لا يوافقون على النظرة الدينية السياسية للرئيس الأمريكي يعتبرونها غير مجدية بمعنى أنها غير مسالمة بالكيفية التي يمكنها تأسيس عالم مثالي كما ينطق به الخطاب السياسي الآخر علاقة من اللا تعايش بين الخطابين.
ليس من العدل أن يطير أي رئيس مسافة طويلة ليضرب دولة بحجة تحريرها بالقنابل والدموع والمآسي وليس من حق ذلك الرئيس اعتبار الخطاب الديني المعاكس إرهابا لأن الدين جزء من السياسة وعليه من باب احترام الديمقراطية الأمريكية يجب أن يعترف الآخر أن الحرب شيئا فظيعا وأن قتل الأطفال لهو الشيء الأفظع ما يمكن إعلانه للأمريكيين أن هذا الأسلوب، هو الحرب المقبلة، فالذي يبدأ بعبارة معي حق إهانتك ينتهي إذا جاء دورك كي تهان، هذه هي السياسة الوحيدة التي لن تخضع لشيء غير الرغبة في الثأر حتى لو كانت على طريقة الهنود الحمر لأن زمن رعاة البقر يبدو كارزماتيا ولأجل كل هذا لن يوفق هؤلاء أبدا ًمهما كانت الأسماء التي يحملونها.
فانتازية العضلات
من جانبه يرى فرانس دولافانس في مقال له بمجلة لونوفيل اوبزرفاتور الفرنسية بعنوان (قلتم حقوق الانسان) يرى ان فانتازية استعراض العضلات هي الصورة اليومية من الحرب التي شنت ضد العراق أو أي حرب أخرى على هذه الأرض ربما تشعرك بالحزن لأنك إنسان ولأنك تبدو عاجزا أمام هؤلاء الذين يموتون تحت القصف أو باغتيال الطائرات التي غالبا ما صارت تحمل الماركة الأمريكية هي التي تقصف لتقتل !
ويتابع قائلا: عندما هددت الولايات المتحدة الأمريكية بضرب العراق اعتقد العالم أن أسلوب التهديد هو الطريقة الأمريكية النموذجية لزرع الرعب في النفوس.
أمريكا التي تخاطب العالم بلسان رئيسها وتعده بالحريات الأكثر ازدهارا هي التي أيضا إن الحرب على العراق سوف تكون سريعة وخاطفة.
فانتازية العضلات
من جانبه يرى فرانس دولافانس في مقال له بمجلة لونوفيل اوبزرفاتور الفرنسية بعنوان (قلتم حقوق الانسان) يرى ان فانتازية استعراض العضلات هي الصورة اليومية من الحرب التي شنت ضد العراق أو أي حرب أخرى على هذه الأرض ربما تشعرك بالحزن لأنك إنسان ولأنك تبدو عاجزا أمام هؤلاء الذين يموتون تحت القصف أو باغتيال الطائرات التي غالبا ما صارت تحمل الماركة الأمريكية هي التي تقصف لتقتل !
ويتابع قائلا: عندما هددت الولايات المتحدة الأمريكية بضرب العراق اعتقد العالم أن أسلوب التهديد هو الطريقة الأمريكية النموذجية لزرع الرعب في النفوس.
أمريكا التي تخاطب العالم بلسان رئيسها وتعده بالحريات الأكثر ازدهارا هي التي أيضا إن الحرب على العراق سوف تكون سريعة وخاطفة.
لا يهم نتيجتها إزاء الواقع والخسائر هذا شيء لا يطرح أبدا في صيغ الحرب المعلنة أنت لا تستطيع أن تسأل رئيس الولايات الأمريكية المتحدة قائلا له: ألم تفكر في الأطفال وفي العجزة والشيوخ والمرضى والنساء؟ ألم تفكر في الإنسان الذي ليس بالضرورة عدوك ليس من حق احد ولا حتى الرئيس الأمريكي أن يحكم على إنسان أنه سيئ ليس ثمة شيء اسمه سيئ لكن ثمة شيء اسمه لا إنساني.. وهذا هو الفرق بين الأشخاص.
ما الثمن ؟
ويقول دولافانس: في الحرب على العراق تكلم الناس عن الاستراتيجيات العسكرية عن القوة التي هاجمت والأخرى التي دافعت عن الطائرات التي أطلقت حمولتها وعن القواعد التي تم تأمينها لعبور الجنود إلى البصرة إلى الموصل إلى بغداد لم يسأل أحد: ما الثمن؟ على حساب من أو ماذا تحقق؟ لأن الإجابة في غاية الفظاعة ولأن أمريكا شنت الحرب في النهاية على بلد منهك كثيرا من جراء حصار دام أكثر من 12 عاما.
ويضيف: عندما أعلنت الأمم المتحدة العراق داخل الحصار الاقتصادي الشامل لم يتصور أحد أن تكون عقوبة دولية بهذه الفظاعة ليس لأن العراقيين وجدوا نفسهم في عزلة عن العالم الخارجي بل لأنهم دفعوا ثمن نظام حاصرهم سياسيا ونفسيا طوال سنوات طويلة ما صنعته الأمم المتحدة أنها أضفت حالة من الرسمية على حصار موجود وقائم أصلا لهذا كانت الجريمة مضاعفة ثم جاءت الحرب احتلال وليس تحرير!
ويردف دولا فانس قائلا: مهما يكن من كلام فمن الصعب تجاوز الواقع الجديد الذي يبدو مفهومه عميقا ومتداخلا في الوقت نفسه أمريكا جاءت إلى العراق لتحريره، أمريكا وقعت في استسهال الحرب معتقدة أنها ستلاقي شعبا سعيدا بحضورها إليه الورود لم تكن أبدا حاضرة لاستقبالهم حرب تحرير العراق تحولت من معناها التحرري الإنساني إلى حرب احتلال بالقوة وهذا الذي غير كل المعايير. ويقول الكاتب: لننظر إلى ما يجري مثلا عندما نطلب المساعدات الإنسانية نتفاجأ بالعدد الهائل من الطائرات والدبابات المقتحمة والقنابل العنقودية تسقط على الرؤوس لتحصد كل العراقيين دونما تمييز إن كانوا من جيش صدام أو من المتعبين من نظام صدام من هنا تبدو الأجراس المقرعة أمام هاجس الكارثة الإنسانية التي فعلا حدثت في البصرة وفي مناطق أخرى وجد الناس أنفسهم فيها داخل الجحيم الحرب التي تصنع المأساة الحرب تنادي إلى الحرب لإصلاح أشياء مهمة ولإيصال المساعدات إلى المساكين إنه الوقت إذن لملاحظة الحقيقة، بأن عبارة إنسانية ما هي إلا وسيلة إشهارية داخل الحرب والتي من خلالها يمكن الحصول على المقابل أمريكا تفعل ذلك.. تعرف أن عبارة الخطر الإنساني ليست أكثر من مطية اقتصادية لأجل العبور إلى الخطوة التالية: النفط مقابل الخبز.
ويتابع قائلا: أمريكا التي جاءت لتحرير العراق من نظامه لأجل تحريره من همومه المزمنة تتكلم عن النفط مقابل الخبز بعد الحرب، من حق أي إنسان عاقل أن يسأل: بما أن النفط سيكون بديلا عن الخبز كما كان الحال في زمن الحصار الاقتصادي الدولي على العراق، فما الجدوى من الحرب أصلا؟ لماذا شنت أمريكا الحرب على دولة محاصرة لتقرر محاصرتها ثانيا بسياسة النفط مقابل الخبز والتي تفتح خزينة العراق على ملايين الدولارات المجمدة والتي لن يستفيد منها العراقيون لأنهم سيظلون يطالبون بالخبز مقابل النفط وبالدواء مقابل النفط، وبالهواء مقابل النفط.
جرائم الحرب
حرب التحرير التي قامت على آلاف من الجثث لم تخرج بأي شيء تاريخي بل بدويلات ربما تقوم على أساس كونفدراليات تتعايش فيما بينها بنفس الهموم نفسها وبالتالي تقوم على أساس قوانين أمريكية تحدد ما لها وما عليها.
ويضيف قائلا: نتكلم عن معاهدة جنيف التي تؤكد على ضرورة تزويد السكان بالمؤونة الغذائية في حالة الحرب أو الغزو أو التحرر بنفس التأكيد على حقوق الأسرى في حسن المعاملة، هذه هي النقاط التي تبدو منتهكة في هذه الحرب.. الإساءة إلى الشعب وإلى الأسرى على حد سواء هو في النهاية شكل من أشكال جرائم الحرب.
مسؤولية عنان
ويقول دولا فرانس: الأمم المتحدة ساهمت في تلك الإساءة كثيرا نتذكر اجتماع مارس من السنة الماضية والاتفاقية شبه السرية بين كوفي عنان حول المساعدات الأممية إلى العراق والتي تحولت إلى مساومة معلنة ملايين من الأطفال العراقيين توفوا نتيجة نقص في الدواء وفي الغذاء (الحليب).. كان العراق مطالبا بالقيام بمزيد من التنازلات لأجل كمية من الحليب قد يسمح لها بالدخول إلى العراق بعد انتهاء صلاحيتها يقول فرانك جوبر الموظف في هيئة الإغاثة الدولية:كوفي عنان يتحمل بشكل أو بآخر نتيجة الوضع المأساوي داخل العراق في مارس الماضي أعلنت هيئات إنسانية دولية عن امتعاضها من الدور الذي تمارسه الأمم المتحدة كوفي عنان كان المتهم رقم واحد على الانحياز الذي أبداه منذ سنوات للولايات الأمريكية كانت القنبلة التي سبقت الحرب على العراق حين أمر كوفي عنان العاملين الأمميين في العراق بمغادرته كانت ضربة كبيرة إن لم نقل خيانة كبيرة للواجب الإنساني الذي تأسست عليه اتفاقيات جنيف السيد كوفي عنان يتحمل قبل الحرب وبعدها مسؤولية كل عراقي ميت نتيجة الجوع ونتيجة المرض ونتيجة الحرب لأن القتل بالقفاز أصعب وأقسى من القتل باليد العارية.
ويردف دولا فرانس قائلا: التقابل في الأفكار بين الأمم المتحدة والولايات الأمريكية المتحدة يعني للكثيرين أن الجهتين تعملان في نفس السياق: المصالح بمعنى إيجاد أكثر من عذر لأجل الاستيلاء على الأهم بما في ذلك المتاجرة بدم الأبرياء.. حدث ذلك في فلسطين وكوسوفو وفي كابول وفي الشيشان.. ليس جديدا على الأمم المتحدة هذا التوجه المخيف نحو القوة بمعنى فرض سياسة الإنسان بالقوة وهو النمط الأمريكي المطلق أمريكا تريد فرض سيطرتها على العالم ذلك فهمناه جيدا ولكن ما هي مصلحة الأمم المتحدة في ذلك النفوذ الأمريكي؟ نقولها ثانيا: المصالح ..
ويختم دولا فرانس قائلا : مع الاسف الشديد اصبحنا نرى ان مصالح الأشخاص أكبر من مصائر الشعوب. لهذا نعي جيدا أن هيئة الأمم المتحدة ستشهد انقلابا راديكاليا نحو التغيير في الدور الذي تضطلع به.. ولن تكون أكثر من الصوت الأمريكي بصيغة الحقوق المدنية والإنسانية.. الحرب نفسها جردت الأمم المتحدة من سلطتها، حتى لو تقمصت هذه الهيئة دورا إعماريا في العراق فلن تفعل ذلك إلا بالأسلوب الأمريكي.. بعبارة ما لروما لروما وما لقيصر لقيصر.. هذا كل شيء !
يبقى أن نقول أن 70 % من العراقيين صاروا في حالة من الفجيعة الإنسانية، وأن المساعدات التي وصلت من أكثر من ثلاثين دولة مختلفة لم يسمح بدخولها لحد الآن لأسباب أمنية يقول البريطانيون. 55% من العراقيين يعيشون في الخط الأحمر من الخطر 35% يقابلهم خطر الموت.. من بين كل هؤلاء نجد 49 % من الأطفال الحرب ستحكي لنا الكثير من الماسي لأن العالم لن ينسى ماجرى .. وهذه هي المشكلة الحقيقة .
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|