* إعداد - محمد الزواوي
تشير الأرقام إلى أن ثلث قوة العمل البريطانية في عام 2021 سوف تكون من الرجال فوق الخمسين من عمرهم، ولهذا السبب بادرت الحكومة البريطانية إلى سن قانون يحرم التفرقة بين الموظفين على أساس السن، وهو ما يمكن أن يزيد عدد الوظائف الممنوحة لتلك الفئة العمرية مستقبلاً.
وقد نشرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) من لندن تقريراً عن هذا القانون الجديد الذي دخل حيز التنفيذ بدءاً من الأول من أكتوبر الماضي.
ويبدأ التقرير بقضية جوي فولر الذي يبلغ عمره الثانية والستين، والذي لا يدري عدد طلبات الحصول على وظيفة التي أرسلها إلى شركات في السنوات الماضية، ويقول إنها ربما تتخطى الألفي طلب، ولكن الردود من تلك الشركات بالقطع كانت أقل بكثير.
يقول السيد فولر: (إذا كان لدي 20 رسالة إجابة من شركات فسوف أشعر بالدهشة), وقد ظل فولر بدون عمل لأكثر من عامين، ويضيف: (الواقع يقول إنه بمجرد أن يتخطى المرء عتبة الخمسين فحينئذ يكون (غير مرئي) لأرباب الأعمال تقريباً؛ فأنا أشعر وكأنني تم وضعي مع أكوام الماكينات التي انتهى عمرها الافتراضي).
ورغم بلوغه الثانية والستين إلا أن السيد فولر لا يزال نشيطاً، ويمتلك خبرة عملية تصل إلى 40 عاماً من العمل في مجال المبيعات والتسويق، وقد مر بتجارب مريرة مع سوق التوظيف البريطاني، إلى درجة أن بعض وكالات التوظيف طلبت منه عدم إرسال سيرته الذاتية مرة أخرى، في حين أخبره مركز آخر للتوظيف أنه أصبح خبيراً (أكثر من اللازم) كما أن الشركات متعددة الجنسيات أصبحت ترفض النظر في طلبات التوظيف للأشخاص فوق الخامسة والأربعين.
ولكن من المقرر أن يتغير كل ذلك في بريطانيا، مع تقديم التشريع الجديد، والذي يحظر التفرقة على أساس السن في الوظائف؛ فيجب على أرباب الأعمال ومسئولي التوظيف أن يحذروا: فالإجراءات التي بدأ تطبيقها من الأول من أكتوبر الماضي تعطي العمال فرصة لمقاضاة أي شركة طلباً للتعويض إذا ما شعروا أن الشركات عاملتهم بصورة غير عادلة فقط بسبب سنهم.
وقد وصف الخبراء هذا القانون بأنه أكثر التغيرات جذرية في قانون التوظيف البريطاني منذ تشريعات التفرقة على أساس الجنس والعرق, والتي تم تمريرها في جيل سابق. وبالنسبة للشركات فإننا يمكننا القول إنها أمام (عصر جديد خطر) عليها؛ فمن الآن وصاعداً فإن إعلانات الوظائف التي تطلب موظفين (شباب) أو (ناضجين) يمكن أن يكون لها تداعيات قضائية خطيرة، كما أن هذا القانون سوف يفيد العمال فوق الخمسين الذين بلا وظيفة، وسيكون بمثابة نظام التعويض الذي يكافئ المسنين.
يقول سام ميرسير مدير منتدى أرباب الأعمال حول موضوع السن: (إن هذا التشريع يحمي الموظفين من كل الأعمار، فالشركات بحاجة إلى النظر في سجل العمال فيما يتعلق ببدء توظيفهم وسن تقاعدهم وكل ما بين هاتين الفترتين، مثل التدريب والشهادات والمزايا والرواتب وفترات البطالة).
ويشير التقرير إلى أن ذلك التحرك التشريعي جاء في حينه؛ فمثلها مثل أي دولة من الدول الصناعية الكبرى فإن بريطانيا (تشيخ)؛ وذلك لأن نسبة العاملين مقابل المتقاعدين تتغير بصورة كبيرة مما يهدد بوجود أزمة في المعاشات، وقد وعت الحكومة البريطانية لذلك لأن الناس أصبحوا يعيشون عمراً أطول ويظلون بصحة جيدة لفترات طويلة، لذا يطالب العديد بالحصول على وظائف فيما بعد سن التقاعد الرسمي وهو الخامسة والستين، ولكن ذلك لن يكون ممكناً إلا إذا سمح لهم أرباب الوظائف بتشغيلهم.
وقد صرح أليستر دارلينج وزير التجارة والصناعة البريطاني قائلاً: (في غضون خمس عشرة سنة فقط، فإن العمال فوق الخمسين سوف يشكلون أكثر من ثلث القوى العاملة البريطانية، وتجاهل جيل كامل هو شيء غير مقبول، فالأفراد سيخسرون والشركات ستخسر والاقتصاد سوف يخسر ثروة من المواهب والخبرات، إن ما يهم هو الشخص ومهارته وقدراته وليس سنه).
ويقول فولر: (لا يزال لدي الكثير الذي أريد أن أقدمه، فيا لها من خسارة؛ فأي شركة عاقلة تستطيع أن تحظى بكل تلك الخبرة بتكلفة ضئيلة جداً، وأنا لست وحدي في ذلك، فسوف تجد هناك آلافاً من الناس مثلي).
وتشير الأرقام إلى وجود مئات الآلاف، فطبقاً لإحصاء أصدرته مؤخراً نقابة العمال أن مليون شخص ما بين سني 50 و65 يطلبون عملاً، وهو أكثر من ثلث تلك المجموعة السنية، وقد قدرت نفقات إخراج أولئك الناس خارج سوق العمل بما يقرب من 57.5 مليار دولار سنوياً، في حين أشار إحصاء آخر أصدرته مؤسسة (مساعدة المسنين) الخيرية إلى أن 65% من أولئك الناس يعتقدون أن الشركات الحديثة (تسيء إلى العمال) بسبب سنهم.
ويمر الأكبر سناً بأوقات عصيبة للعثور على عمل، لأنهم في الغالب ما يكلفون الشركات رواتب أعلى، وفي بعض الأحيان يعتبرون أصعب في التوافق والتطويع والإدارة والتدريب.
ولكن هل سيساعد القانون الجديد؟ يحذر الخبراء أنه لن يكون هناك (ثورة بين عشية وضحاها)؛ ففي النهاية فإن التفرقة بناء على الجنس أو العرق لا تزال موجودة بعد 30 عاماً من تجريم تلك الممارسات، وقد خسرت إحدى مفتشات الصفحة قضيتها التي اشتكت فيها أن زميلها يتقاضى راتباً يفوقها بتسعة آلاف جنيه إسترليني فقط لأنها امرأة، ويقول المحامون ان التفرقة على أساس السن - بخلاف التفرقة على أساس الجنس والعرق - ستكون مبهمة المعالم مع القانون الجديد.
ويقول جيمس دافيس، رئيس شئون الموظفين بمؤسسة لويس سيلكين التي مقرها لندن إن بعض أرباب الأعمال سوف يكونون قادرين على تبرير ذلك بحجة أنهم بحاجة إلى أناس من سن معينة للعمل لديهم، بل إن الحكومة ذاتها تعترف أن شاباً في العشرين من عمره لن يكون قادراً على إيجاد عمل كجراح مخ أو طيار، بسبب سنوات التدريب الطويلة المطلوبة في مثل تلك المهن.
ويقول لاسيد ديفيس: (إن صاحب العمل الذي يقول إنه يريد شخصاً تحت الثلاثين للعمل في ملهى ليلي سوف يكون قادراً على تبرير ذلك، أو شركة نقل أثاث تريد شخصاً تحت الخامسة والخمسين فهي الأخرى تستطيع تبرير ذلك), فهناك الكثير من المحددات في تلك القضية التي لا تزال تدعو إلى الشكوك.
وهناك تشريعات مشابهة تم سنها في دول أوروبية أخرى في السنوات الماضية، ولكن بعدد قليل جداً من القضايا المؤثرة التي استفادت بذلك، وذلك لأن العمال الأوروبيين يتمتعون بحماية أكبر، وقلما يحتاجون إلى مقاضاة أصحاب الأعمال، ولكن بريطانيا مختلفة، والتي تنتشر فيها ثقافة التعويضات، والتي تتشابه في ذلك مع الولايات المتحدة.
فمثلما حدث في الولايات المتحدة التي سنت قوانين ضد التفرقة على أساس السن منذ عام 1967م، يتوقع ديفيز أن القانون سوف يفيد قطاعاً كبيراً من الناس، ويقول إن (أكبر الشكاوى سوف تأتي من المسئولين التنفيذيين الكبار الذين يتلقون رواتب عالية والأكبر سناً من الرجال، والذين عادة ما تجنح الشركات إلى استبدالهم والإتيان بدماء جديدة).
وعلى عكس القوانين الأمريكية التي تحمي الموظفين فوق الأربعين فقط، فإن القوانين البريطانية سوف تحمي شريحة صغار السن أيضاً، وقد حصل بعض العمال الشباب بالفعل على زيادة في صافي الأجر ليتساووا في ذلك مع العمال الأكبر سناً.
ولكن يقول فولر إنه يتوقع أن يحصل الشباب وليس كبار السن على أكبر فائدة من ذلك القانون، ويضيف: (إذا ما علم صاحب العمل أن هناك مشكلات في حالة إذا رغب في إنهاء وظيفة أحد العاملين كبار السن فسوف يجنح إلى عدم توظيف كبار السن بالأساس), ولكن النتيجة في النهاية ربما تكون حصول فولر على خطابات أكثر عدداً كرد على طلباته التي يرسلها بحثاً عن وظيفة، وربما أيضاً عدة مقابلات عمل إضافية أيضاً.
ولكنه يضيف: (سوف يظل أصحاب الأعمال قادرين على الخروج بعذر ما لتبرير اختيارهم لشاب في الخامسة والعشرين وليس رجلاً في الثانية والستين).