|
ظاهرة غير مقبولة |
يصل إلى بريد صحيفة الجزيرة يومياً الكثير من الرسائل..
بالإضافة إلى اتصالات عديدة عن طريق الهاتف ليس من اليسير إحصاؤها..
فضلاً عن أن هناك زيارات إلى مكاتبنا تكاد لا تتوقف على مدار ساعات الدوام..
مع وساطات وشفاعات بلا حدود ومن فئات متباينة في العمر والمظهر ونوع الطلب، وكلها تريد أن تنقل إلى الآخرين عن طريق الصحيفة معاناة أصحابها وطلب المساعدة والوقوف إلى جانبهم.
***
نشفق على هؤلاء أحياناً ونلتمس لهم العذر أحياناً أخرى..
وتشعر كإنسان بالألم لو تصرفت بما يضفي على شخصيتك مظهر القسوة والتخلي عن مساعدة شخص أحسن الظن بك فطرق باب مكتبك أو راسلك أواتصل بك أو جاء بمن يتوسط له عندك..
وتود وتتمنى عندئذ أن يكون تصرفك بما يساعده على تجاوز محنته دون أن يكون هذا التصرف بمثابة اختراق للبرامج والخطط المقرة من أعلى سلطة بالدولة لمعالجة هذا النوع من الشكاوي على مستوى أوسع وأعم وأشمل.
***
فهذا ممن جاء إليك لا يملك منزلاً يؤويه وأولاده الكثر..
وذاك مدين بالملايين وليس لديه ما يسدد به أو يفي به للغير حقاً يطالب به..
وهذا عاطل وبلا وظيفة وليس مؤهلاً للعمل بحكم السن أو المرض أو عدم التأهيل أو غير ذلك..
هناك من يحتاج إلى علاجٍ في الخارج وبعضهم يقول لك ولو في الداخل..
ومن هو سجين في حق خاص منذ بعض الوقت، ويبحث عن مساعدة للإفراج عنه..
من يريد أن يعلن في الصحيفة عن حاجته إلى كلية أو قرنية أو غير ذلك ومستعد لدفع القيمة التي تطلب منه..
وما إلى ذلك من الطلبات التي لا تنتهي، ويريد هؤلاء أن ينشر عنها في الصحيفة.
***
والموقف برأيي أن الصحيفة التي تحترم نفسها لا يمكن أن تتحول إلى مشروع للتسول مع وجاهة (ربَّما) بعض هذه الطلبات..
وإلاّ لقضت بذلك وساهمت في تقويض جهود الدولة في القضاء على هذه الظاهرة..
وبخاصة أن هناك لجاناً مختصةً تنظر في مثل هذه الحالات وتساعد أصحابها..
وهناك دور اجتماعية تقوم بإيواء من هو محتاج إلى خدماتها بمستوى ما يقدم فيها.
***
وأهم من ذلك، أن الصحيفة أية صحيفة لا تستطيع أن تتثبت من صحة كل ما يقدم لها عن حالات هؤلاء..
والاجتهادات التي تقوم على العاطفة تكون نتائجها عكسية ومضرة على مستوى شرائح المجتمع..
كما أنَّ هناك تناقضاً لو استجابت الصحيفة للضغوط العاطفية بين ما تنادي به من ضرورة أخذ خطوات حقيقية لمعالجة التسول وبين فتح صفحاتها لعرض مشاكل الناس بهذه الصيغة التي أشرت إليها وكأنها نافذة للتسول بترويج صحفي لا مثيل له ولا أفضل منه.
***
وباختصار، فإن هذه حالة ينبغي أن تكون موضع اهتمام ليس باكتفائنا رفض النشر عنها صحفياً، وإنما بمعالجة الموضوع من جذوره بإيجاد قنوات تساعد هؤلاء (ودون الإضرار بقناعات الشريحة الأكبر من المجتمع) على تخليهم عن هذه الممارسات في مقابل توفير العيش الكريم لهم..
فهذا مجتمع يعد التسول بين صفوفه ظاهرة جديدة مخلة بتاريخه وسلوكه واعتزازه بنفسه، ويجب أن يبقى كذلك بلا تسول، فلا تؤثر عليه وفيه العاطفة والشعور الإنساني التي توظف أحياناً دون تثبت من حقيقة ما يتقدم به هؤلاء، فتعطي بذلك القرارات الفردية المتعجلة نتائج عكسية ما كان هذا هو الهدف لبلوغ ما نتمنّاه تصحيحاً لوضع هذه الفئة الغالية في مجتمعنا.
خالد المالك
|
|
|
بمشاركة 16 فنان من جميع أنحاء العالم سوريا تستضيف ندوة عالمية في فن النحت *إعداد إسلام السعدني |
لا يعد سفح هذا التل المنعزل الواقع في ضاحية مرقية الساحلية بمدينة اللاذقية السورية من بين الأماكن التقليدية التي اعتاد فيها عشاق الفن ممارسة عملهم، أو المكان الأكثر راحة بالنسبة لهؤلاء.
ولكن في هذا الموقع وتحت شمس الظهيرة وفي ظل دوامات لا تتوقف من الغبار، يمكن للمرء أن يرى العديد من النحاتين الذين يرتدون قبعات من القش وكمامات للوقاية من الأتربة وهم يحملون مطارقهم في أيديهم، وينهمكون في نحت قطعة كبيرة من الرخام.
هؤلاء هم الفنانون الستة عشر الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم بدءا من العاصمة الكورية الجنوبية (سول) في أقصى الشرق وحتى مدينة (لوس أنجلوس) الأمريكية غربا للمشاركة في أول منتدى دولي تقيمه سوريا في فن النحت.
يصف النحات الفرنسي (ليونارد راشيتا) مشاركته في هذه التظاهرة الفنية طبقا لتقرير نشرته (كريستيان ساينس مونيتور) بأنها تمثل له تجربة ثرية للغاية، مشيرا إلى أن هذه المشاركة أتاحت له الفرصة للقاء نحاتين آخرين لكل منهم عقليته الخاصة المتفردة. وأضاف قائلا (مشاركتي في المنتدى لم تكن فقط عبارة عن عمل.. ولكنها كانت فرصة للاحتكاك بثقافات مختلفة.. لقد غنينا معا وعشنا معا لشهر كامل.. لقد بات ما جرى جزءاً حقيقيا من حياة كل منّا).
ويعكس هذا التجمع الفني الاهتمام المتزايد حاليا في العالم العربي بالفن المعاصر، خاصة وأن الدول العربية بدأت خلال السنوات الأخيرة السعي لتبوء مكانة متميزة في هذا المجال على الصعيد الدولي.
تحدي الهوية
ولكن في ظل هذا التطور الإيجابي، بات التحدي الأكبر الذي يواجه الجيل الشاب من الفنانين العرب هو تأكيد هويتهم الفنية المتميزة، تلك الهوية التي لا تتماشى مع القوالب الجاهزة التي يتصور الغرب أنها تشكل الطابع المميز لفن النحت في المنطقة العربية.
وتزداد صعوبة هذا التحدي بالنظر إلى أنه في ظل فرص الربح التي أتاحتها موجة العولمة التي تجتاح العالم حاليا أمام الفنانين التشكيليين العرب، وذلك لأنها تجعل بمقدورهم تسويق إنتاجهم الفني في شتى أنحاء العالم، يبدو من العسير على هؤلاء ألا تأتي أعمالهم الفنية متماشية مع توقعات الجماهير المحبة للفن والتي تتردد على المعارض ومواقع الإنترنت المخصصة لفنون العالم العربي.
وفي هذا الإطار، تشير خبيرة الفن التشكيلي (ليسا بال ليتشجار) التي تقوم بإعداد موضوعات عن القاهرة وبيروت لحساب مؤسسة الثقافة الأوروبية إلى أن التحدي الآن أمام أولئك الفنانين يتمثل في نجاحهم في اجتياز الحدود الجغرافية من خلال أعمالهم الفنية.
إلا أن الملاحظ أن النحاتين والرسامين في العالم العربي لا يميلون كثيرا لأن يتم تصنيفهم بأنهم فنانون عرب، خاصة وأن هذه الصفة عادة ما تطلق بشكل مشوش ودون تمييز على أنماط مختلفة من الرسامين والنحاتين الذين يحملون جنسيات عربية مختلفة ورؤى فكرية متباينة سواء كانوا من أولئك الفنانين العراقيين الذين كانوا يعيشون في المنفى خلال حكم الرئيس المخلوع (صدام حسين)، أو هؤلاء الذين يعبرون عن الفن الذي أفرزته الحرب الأهلية في لبنان.
في الوقت نفسه، نجد أنه فيما يعتبر البعض نعتهم بأنهم فنانون عرب أمرا مشرفا، يرى آخرون أن مثل هذا الوصف يحصر فنهم في أطر محدودة.
دهشة غربية
من جهة أخرى، أشار أصحاب أحد المعارض الفنية في سوريا إلى أن معظم الزوار الغربيين يشعرون بالدهشة إزاء ما يرونه من تصميمات وأفكار مبتكرة تجود بها قريحة الفنانين التشكيليين المعاصرين في منطقة الشرق الأوسط.
ويمكن لنا أن نجد تفسيرا لهذه الدهشة إذا ما تأملنا الرأي الذي طرحه النحات البريطاني (دارين يادون) وهو أحد المشاركين في منتدى النحت الذي أقيم في سوريا حيث يقول إن الكثيرين لا يلتفتون للفن الوافد من الشرق الأوسط بسبب الاهتمام الكبير الذي يوليه الجميع عادة للأوضاع السياسية هناك.
ويكتسب هذا الطرح وجاهة لا شك فيها خاصة وأن من يزورون البلدان العربية لا يتوقعون في المعتاد أن يجدوا هناك أشياءً تلفت انتباههم هناك غير الحرف التقليدية، ولذا فإن الدهشة تصيب عادة من يرى منهم معارضاً مكرسة للفن التشكيلي، مثل ذلك المعرض الواقع في أحد شوارع العاصمة السورية دمشق، فمن المؤكد أن المارة في هذا الشارع الذين يطالعون خلال سيرهم واجهات المحال المجاورة للمعرض تلك الحافلة بأنواع مختلفة من الأبسطة والأواني الفخارية والمصنوعات النحاسية سيدهشون كثيرا بمرأى ذلك العمل الفني البرونزي الذي يتصدر واجهة المعرض الذي يعبر من خلاله النحات السوري (مصطفى علي) عن رؤيته لمكتبة تغص بالكتب.
رحلة إلى باريس
ويرجع تاريخ الفن المعاصر في سوريا إلى أوائل القرن الماضي عندما سافر الفنانون السوريون إلى العاصمة الفرنسية باريس، وعادوا منها بعد أن تعرفوا على المدارس الغربية المختلفة في الفن التشكيلي، ثم قاموا بعد العودة إلى الوطن بفتح مراكز لتعليم الرسم، وقد سادت هذه المراكز خلال النصف الأول من القرن العشرين ذات المدارس الفنية التي سادت في الغرب في تلك الفترة مثل الواقعية والتأثيرية والتعبيرية والتجريدية.
وعندما نال العديد من الدول العربية استقلالها في منتصف القرن العشرين، طالب بعض المفكرين العرب الفنانين التشكيليين بإبداع فن ذي طابع مميز للعالم العربي، من خلال أعمال يمكن اعتبارها بغض النظر عن مستواها (أعمالا فنية عربية).
وفي هذا الصدد، يقول (عصام درويش) وهو رسام وصاحب أحد المعارض في دمشق إن (كل ما له صلة بالرسم يحمل السمة الغربية بدءا من الأساليب الفنية وحتى المواد المستخدمة)، أما الرسام السوري ومصمم الجرافيك (أحمد الملا) فيشير إلى أن السؤال الذي يواجه الرسامين في سوريا يتمثل على الدوام في (كيف يدرك من يشاهد لوحاتي أنني سوري)؟، وهو سؤال تُذكي من حدته تلك الروح القومية التي تسود البلدان التي تتخلص من ربقة الاستعمار الأجنبي.
ويضيف (الملا) قائلا (إن التحدي الحقيقي هو كيفية القيام بذلك دون أن يؤثر على الجوهر الفني الحقيقي للعمل في حد ذاته، وهو تحد لا يزال يواجه فناني هذا الجيل).
الجذور
وعلى صعيد مسألة الهوية أيضا، تؤكد الفنانة التشكيلية السورية (بثينة علي) الأستاذة في جامعة دمشق إيمانها بأن الفنان لا ينبغي عليه التخلي عن جذوره كما أنه ليس بمقدوره القيام بذلك أيضا، إلا أنها تقول في الوقت نفسه إنها لا تقف في وجه الفنون القادمة من دول أجنبية باسم الدفاع عن (الفن العربي) لأنها تدرك أن الحياة التي يحياها الفنانون العرب تختلف عن تلك التي يعيشها نظراؤهم في باقي بقاع العالم.
ويبدو أن هذه الاختلافات هي التي دفعت (صالح بركات) صاحب أحد المعارض الفنية في العاصمة اللبنانية بيروت للقول إنه حان الوقت للفنانين العرب لنسيان الغرب والتغلب على ذلك الشعور الذي يراودهم بأن نجاحهم لن يأتي سوى إذا نالوا مكانة على الصعيد الدولي.
ويضيف (بركات) الذي صار له نحو عقد من الزمان يسعى لبيع لوحات الفنانين العرب في الولايات المتحدة أن هذه اللوحات تمثل (فننا نحن، وتخاطبنا نحن، ولذا لن يغير من الأمر شيئا. ما إذا كانت تحظى بالإعجاب من قبل الأمريكيين أم لا).
ويزيد من صعوبة ترويج الفن التشكيلي العربي في الخارج قلة المعارض المكرسة لهذا النوع من الفن، وقلة عدد النقاد والمؤرخين العرب المهتمين به، فضلا عن نقص الكتب التي تساعد الأجانب على الإلمام بتطورات الإبداع التشكيلي في البلدان العربية.
حوار مع الآخر
ولمواجهة هذا الوضع، تؤكد (بثينة علي) التي أبدعت أعمالاً فنية متعددة تتناول البيئة البدوية والمناظر الطبيعية على ضرورة فتح حوار مع الغرب.
وقد شاركت هذه الفنانة بعمل فني في أحد المعارض بباريس حيث كانت تدرس، وكان هذا العمل عبارة عن خيمة بدوية، ودفعت هذه الخيمة التي كانت صورة طبق الأصل من الخيام البدوية التقليدية الفرنسيين إلى التساؤل (عما إذا كان العرب يعيشون في مثل هذه الخيام حقا أم لا)؟، وبدلا من الرد بشكل مباشر وفظ بالقول (لا.. ليس كل العرب يعيشون في الخيام)، فضلت الفنانة السورية أن تجيب بطريقة أخرى حيث أبدعت على جدران الخيمة الداخلية رسوما معبرة أعطت لهؤلاء الفرنسيين لمحة عن حياة العرب في الوقت الحاضر .
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|