رواية (الحب في زمن الكوليرا) للكاتب الحائز على جائزة نوبل جابرييل جارسيا ماركيز، تعتبر أقرب إلى (الوثيقة العظمى) وهي تصورالحب والتفوق والكتابه المثيرة.
كان السيناريست رونالد هاروود، وهو نفس الممثل الذي قام بدور عازف بيانو في فيلم (غرفة الغوص والفراشة) الذي سيعرض قريباً، والمخرج مايك نيويل، مخرج فيلم (أربع زيجات وجنازة) يواجهون صعوبات شتى ليس فقط في التكيف مع ثقل ماركيث وكتابته التى تتميز بالسحر الواقعي وإنما في التغلب على أقوى ناصري الرواية. إنهم لم يفشلوا ولكنهم لم ينجحوا أيضاً.
يحتفظ فيلم (الحب في زمن الكوليرا) بشمولية الإطار الزمني وقيمة الكتاب المثيرة بينما يستغني إلى حد كبير عن أكثر التفاصيل إثارة. إنه من الصعب تخيل عرض الرواية على الشاشه دون تجريد النص إلى أبعد حد أو حتى اعتبارها مجرد إعادة القصة فهي بذلك لا تخدم الرواية. فالفيلم عبارة عن قصة بينما الرواية هي عالم بأسره.
وقد أعدّ نويل للفيلم إنتاج ضخم وجنّد فريق تمثيل مذهل لإحياء قصة الأجيال المتعاقبة، على الرغم من أن الجمهور سيستمر في المشاهدة لو أمكنهم تقبل خافيير باردم في دور فلورينتينو اريثا الشاعر الحالم مسلوب اللب والفؤاد. وجدير بالذكر أن خافيير باردم كان يلعب دور رجل مضطرب عقلياً له نزعة القتل في فيلم (لا وطن لكبار السن).
تدور أحداث الفيلم في كارتاجنّا بكولومبيا أثناء القرن التاسع عشر، حيث يقع فلورينتينو الساعي في حب فرمينا داثا الجميلة الرقيقة. وعندما يعترض والدها على هذه العلاقة، يجوب فلورينتينو البلاد باحثاً عنها لأكثر من 50 عاماً، حيث كانت الكوليرا والثورة تدمران البلاد. أما فرمينا فكانت قد تزوجت من خوبينال يوربينو الدكتور اللامع. يجسد باردم ببراعة شخصية فلورينتينو الحالم، الذي عندما لم يعثر على فرمينا شرع في رحله ملحمية بحثاً عن محبوته. لكن اختيار الممثلين في فيلم (الحب في زمن الكوليرا) كان بمثابة مشكلة في حد ذاتها، حيث يبدو جميع نجوم المجموعة في حالة نزاع. يظهر ليوف شرايبر في دور رئيس فلورينتينو الشاب، وجون ليجيزامو في دور والد فرمينا المكافح؛ وبنيامين برات في دور يوربانو. وجميعهم من ممثلي نيويورك. أما الاستثناء الوحيد فهو الممثلة الإيطاليه الشهيرة جيوفانا ميزوجيورنو التي قامت بدور فرمينا وهي في حالة هزال وهدوء وحزن جذّاب بعيون واضحة وشفاها شاحبة.
عندما وقع فلورينتينو في هوى فرمينا، هو في الواقع قد وقع ضحية أفكاره ورغباته. ولكن في الوقت الذي تدخل فيه حياة فرمينا مرحلة ثالثة مفاجئة، تتضح الإحباطات والتنازلات التي تمر بها، وإن كانت غير واضحة فيمكن فهمها من خلال تلك الجملة: (نحن لا نواجه أطفال القرى أبدا حتى ينضجوا). تظهر فرمينا في أحد مشاهد النهاية الرائعة، حيث يشارك المشاهدون إحساس فلورينتينو في طاعة والدته التي تنصحه بالتمتع بحياته بدلاً من المعاناة.
مثلما لا يوجد وقت ولا مكان في العالم لاحتواء القلب الكسير (كما يقول الفيلم)، فإنه لا يوجد تقريباً فيلم يحتوى كل قوة كتاب ماركيث السحرية.
أن فيلم (الحب في زمن الكوليرا) هي قصة الرغبات المفرطة وهي أيضاً قصة حزن مؤثرة. لا تزال تشعر أنه فيلم يصل من الخيال إلى حد الغرابة بينما خفت حدة عواطف الحمى التي، مثل الحمى تماماً، تظهر وتختفي ثم تنطوي في عالم النسيان.