|
الصحافة من مؤسسات مغلقة إلى شركات عامة مساهمة
|
يحدثنا التاريخ عن الصحافة السعودية عبر أطوارها المختلفة، بمعلومات ساهمت ولا شك في إثراء وتوثيق ما صدر من كتب وأبحاث ودراسات، تميزت بالكثير من الرؤى والمعلومات..
والتاريخ وإن لم يتتبع مبكرًا كل خطواتها ويوثقها مثلما كنا نتمنى، فقد أمكن لاحقًا لكثير من هذه الإصدارات أن ترصد ما يعد مهمًا ومطلوبًا لمن يريد أن يتعرف على تاريخ الصحافة السعودية أو يقدم دراسة علمية توثيقية عنها.
***
والمملكة كما هو ثابت استخدمت المطبعة في زمن مبكر جدًا، وتزامن دخول هذه الآلات إلى المملكة مع قرب بدء دورة العمل لإنجاز مشاريع تخص إصدار بعض الصحف والدوريات التي كانت البدايات الحقيقية للصحافة السعودية..
وهذه السطور لا تتسع للحديث عن تاريخ الصحافة السعودية، ولا هذا هو ما كان يستهدفه الكاتب من طرحه هذا الموضوع.
***
أعود إلى عنوان هذه السطور..
إلى طرح فكرة تحويل المؤسسات الصحفية إلى شركات مساهمة..
باعتبار أن ذلك افتراضًا ضمن التوجه العام لتوسيع القاعدة الاقتصادية في البلاد..
وبخاصة أنه لو تم إقرار مثل هذا، فهو لن يمس خصوصية العمل في الصحافة، أو يؤثر على سياسات النشر فيها.
***
الصحافة السعودية كما يحدثنا التاريخ بدأت بملكية فردية، وهو ما أُطلق عليه اصطلاحًا صحافة الأفراد..
ثم رُؤي منذ أكثر من أربعين عامًا أن تُحول إلى صحافة يملكها عدد من المواطنين وهو ما تم التعارف عليه اصطلاحًا بصحافة المؤسسات الصحفية..
وقد يكون الوقت قد حان الآن لتتحول صحافة المؤسسات هي الأخرى إلى صحافة قاعدتها أكبر، بما يمكن أن يطلق عليه اصطلاحًا صحافة الشركات.
***
إن انتقال الصحافة السعودية إلى قاعدة شراكة أكبر، في ظل التوجه الرسمي لخصخصة القطاعات الحكومية..
وانضوائها تحت قبة شركات ذات إمكانيات مالية وإدارية عالية، سوف يضيف إليها كما نتوقع المزيد من فرص التميز والنجاح.
***
وإن مثل هذه الخطوة المتقدمة إن قدر لها أن ترى النور، قد تسهم في إنقاذ المشاريع الصحفية المتعثرة..
وقد تطور الصحف الأكثر نجاحًا وتميزًا بين مثيلاتها..
وبالتأكيد، فإن المنافسة الإيجابية بين المؤسسات الصحفية ستنمو وتكبر، وبالتالي ستكون هناك أجيال صحفية متمكنة وجديرة بتطوير الصحف وتحقيق التألق لها.
***
دعونا نفكر في هذا الاقتراح..
ندرسه دراسة متأنية قبل أن نواجهه بالرفض أو القبول..
وبخاصة أن عمر المؤسسات الصحفية منذ تنظيمها على هذا النحو، يوشك أن يبلغ نصف قرن من الزمان.
***
وكل قطاعات وزارة الثقافة والإعلام بالمناسبة سوف تتحول إلى مؤسسات..
وقد تتحول فيما بعد إلى شركات مساهمة بعد خصخصتها..
وبالتدرج ذاته، لماذا لا تتحول المؤسسات الصحفية إلى شركات عامة، يكتتب فيها المواطنون بعد أن مرت بتجربتي صحافة الأفراد وصحافة المؤسسات؟.
***
حتى وإن تحولت المؤسسات الصحفية إلى شركات مساهمة..
وبالتالي ازداد عدد المساهمين فيها من مختلف الشرائح والاهتمامات والثقافات..
فسياسة النشر سوف تبقى بعيدة عن تأثير الجمعيات العمومية، بمثل ما هي اليوم بمنأى عن إملاءات الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحفية..
أسأل: ما المانع إذًا من أن تكون المؤسسات الصحفية شركات مساهمة عامة؟.
خالد المالك
|
|
| width="68%" valign="top" align="center" dir="rtl">
يرويها خبير في الشؤون الروسية قصة صعود وهبوط الملياردير خودروكفسكي!
|
* إعداد إسلام السعدني
من القمة إلى القاع هوى ميخائيل خودروكفسكي الملياردير الروسي الشهير الذي بات الآن يقبع وراء القضبان، حيث يقضي حكما بالسجن لمدة تسعة أعوام، بعد أن أدانته إحدى المحاكم الروسية بتهم الاحتيال وغسيل الأموال والتهرب من الضرائب.
وقد أثار هذا الحكم وما سبقه من أحداث ضجة هائلة تجاوزت حدود روسيا، خاصة وأن الحكم على خودروكفسكي مثّل ذروة المواجهة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما يسمى ب(طبقة الأغنياء الجدد) التي ظهرت عقب تفكك الاتحاد السوفيتي، وازدهرت في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين بحكم العلاقات التي ربطت بين أركانها وبين أقطاب الكرملين في تلك الفترة. وكانت هذه العلاقات هي ما سمح ل(خودروكفسكي) وغيره من رجال الأعمال الروس بجمع مليارات من الدولارات في غضون سنوات قلائل قبل أن تدير لهم الحياة ظهر المجن ويتحولون إلى خارجين عن القانون ملاحقين بتهم شتى.
في السطور التالية، نقرأ تحليلا متعمقا لمسيرة هذا الرجل الذي كان يعد أثرى رجل في بلاده حتى وقت قريب يقدمه مارشال جولدمان الخبير المرموق في شؤون الاقتصاد الروسي، وذلك في حوار أجراه معه برنارد جيورتسمان أحد كتاب موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي على شبكة الإنترنت.
وفي الحوار يؤكد جولدمان الذي يشغل أيضا منصب المدير المساعد بمركز ديفيز للدراسات الروسية والأوروآسيوية في جامعة هارفارد الأمريكية أنه على الرغم من أن هناك تأييدا كبيرا من قبل المواطنين الروس للتعامل بصرامة وحزم مع خودروكفسكي وأمثاله من (الأثرياء الجدد)، لكن الإجراءات التي يتخذها بوتين في هذا الصدد تؤثر بالسلب على نمو الاقتصاد الروسي الذي يسعى للنهوض من عثرته.
ويشير جولدمان إلى أن الرئيس الروسي نفسه أدرك أن هذه الإجراءات تثير الفزع في قلب المستثمرين سواء كانوا روساً أو أجانب، ومع أن الأمر لا يصل إلى حد توقف عجلة الاستثمار بشكل كامل، في ضوء أن البعض لا يزال يستثمر أمواله في روسيا حتى الآن، إلا أن الواضح أن هناك الكثيرين ممن نبذوا هذه الفكرة برمتها.
ويخلص الرجل للقول إن ما اتخذ ضد خودروكفسكي الذي كان رئيسا لمجلس إدارة مجموعة يوكوس العملاقة للنفط ومع رجال أعمال روس آخرين أدى إلى أن يصبح معدل الاستثمار في روسيا الذي يبلغ على أفضل التقديرات عُشر نظيره في الصين أقل من معدله في بولندا وغيرها من دول شرق أوروبا.. والآن إلى نص الحوار:
***
* هل لك أن تعطينا لمحة مفصلة حول مسيرة خودروكفسكي وكيف أصبح بكل هذا الثراء في فترة قصيرة من الزمن؟
جولدمان: بالتأكيد.. ولكن في البداية دعني أوضح لك شيئاً: أن خودروكفسكي ذلك الرجل الذي نتحدث عنه كان يعتبر حتى عامين مضيا أثرى رجل في روسيا، وقدرت مجلة (فوربس) الشهيرة ثروته بما يقرب من 15 مليار دولار. وهي ثروة كبيرة بلا شك لا أريد التقليل منها على الرغم من أنها تقل عن ثروات رجال الأعمال الآخرين الذين يسبقونه في القائمة بمراحل مثل بيل جيتس على سبيل المثال. وقد جمع خودروكفسكي ثروته وتمكن من أن يحظى بنفوذ واسع في بلاده من خلال السير على الدرب ذاته الذي سار عليه من يسمون ب(الأوليجاركية) أو (النخبة الفاسدة) في روسيا، مع أنه فاقهم جميعا فيما يتعلق بجمع المال. وقد بدأ هذا الرجل مشواره عام 1987 بتأسيس شركة تعاونية مع مجموعة من زملائه بعد عام واحد فقط من تخرجه من معهد ميندليف الكيميائي التقني. وكان هذا النمط من الشركات قد ظهر خلال عهد الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف الذي سمح لأول مرة منذ عشرينيات القرن الماضي بأن تتأسس شركات غير مملوكة للدولة في البلاد، وبيد أنه كان من الأفضل أن تصبح تلك الشركات شركات تعاونية إلا أنه كان من المسموح به أيضا أن تكون شركات خاصة. وعملت شركة خودروكفسكي وزملائه في مجال الحواسب الآلية واستيرادها من الخارج.
وكان هذا الاتجاه إدراكا واعيا لحقائق السوق في الاتحاد السوفيتي السابق في تلك الفترة، حيث كانت السلع نادرة للغاية، ومثلت هذه الندرة فرصة للكثيرين الذين كان بوسعهم تحقيق مكاسب كبيرة من السعي للحصول على البعض من تلك السلع، ومن ثم بيعها لأناس كانوا على استعداد لدفع الكثير من أجل اقتنائها.
وزادت قيمة هذه الفرصة في ضوء تآكل نظام التخطيط المركزي في الاتحاد السوفيتي السابق حينذاك، وهكذا سنحت ل(خودروكفسكي) وشركائه فرصة ثمينة للثراء، فأصبح بمقدور هذا الرجل تدريجيا تجميع ثروة صغيرة تراكمت شيئا فشيئا، مما جعله يفكر في ضرورة الاستفادة منها، فنبتت في ذهنه فكرة إقراضها لآخرين. وفي تلك الفترة أي في عام 1987 كان جورباتشوف قد أقر قانونا يسمح بإنشاء بنوك تجارية خاصة. وشكل ذلك بداية مرحلة جديدة في حياة البلاد التي كان كل شيء فيها مملوكا للدولة حتى وقت قريب. ولم يتأخر خودروكفسكي عن اغتنام الفرصة الجديدة حيث أسس وشركاؤه بنكا أطلقوا عليه اسم (ميناتب)، ومن خلال هذا البنك بات بمقدور هذا الرجل أن يجني أرباحا كبيرة جعلته وشركاءه قادرين على شراء مستندات الصرف التي صدرت فيما بعد عقب وصول يلتسين إلى السلطة عام 1991م.
شبح الشيوعية
* وهل صدرت هذه المستندات لجميع الروس؟
لقد كان لكل روسي واحد من هذه المستندات التي تم توزيع ما يتراوح من 140 مليونا إلى 150 مليونا منها. وقيل للروس في ذلك الوقت إنه يمكن لهم استبدالها بأسهم تمنحهم حصة في الأصول المادية للاتحاد السوفيتي السابق. وقد اتخذت هذه الخطوة بناء على برنامج روج له ودعمه بعض المستشارين الغربيين، ووضعه موضع التطبيق أناتولي تشوبايس الذي كان مسؤولا عن برنامج الخصخصة في روسيا حينذاك.
وقد وضع هذا البرنامج وطبق على عجل لأن هؤلاء ممن خططوا له ونفذوه كانوا قلقين من إمكانية أن يعود الشيوعيون إلى السلطة مرة أخرى في روسيا، فأرادوا تطبيق ما يمكن أن نسميه ب(شيوعية الشعب) التي يمتلك كل فرد فيها مستند صرف يضمن ما له من حق في ثروة بلاده. ولكن غالبية المواطنين الروس الذين كانوا معتادين على النظام القديم تشككوا في قيمة هذه المستندات، وقالوا بينهم وبين أنفسهم (ما قيمة هذه القطعة من الورق، وما هي قصة الأسهم التي ستضمن نصيبنا من ثروة البلاد؟.. لقد قيل لنا دائما إن هذه الأسهم ليست سوى وهم من أوهام الرأسمالية، وأنها وسيلة لخداعنا.. وعلى الرغم من أنه قد تكون لهذه الأسهم التي يتحدثون عنها قيمة ما في المستقبل ولكننا نعيش في الحاضر)..
وبسبب هذه الأفكار أقدم غالبية الروس على التخلص من مستندات الصرف تلك بأسرع ما يمكن وإما مقابل مبلغ زهيد!.. وهذا ما حدث بالفعل.
الطريق نحو الثروة
* كم كانت قيمة كل مستند؟
100 ألف روبل، وقد باتت هناك سوق حقيقية لتلك المستندات انهارت في النهاية لتصل قيمة كل منها إلى ما لا يتجاوز 35 دولارا. وكان هذا المبلغ هو نصيب كل مواطن روسي في ثروة بلاده بعد سبعين عاما من الحكم الشيوعي، وبدا الأمر كما لو كان مزحة سخيفة. ولذا لم يحتفظ بتلك المستندات، أو يستفيد منها سوى القليل للغاية من المواطنين الروس. أما من كانوا مثل خودروكفسكي فقد رأوا في مثل هذه المستندات مصدرا ذهبيا للثروة، وهو ما دفعه لشراء أكبر عدد ممكن منها واستخدم في ذلك الأموال التي كانت مودعة في البنك الذي كان شريكا فيه. وقد كان هذا هو السبيل الذي سلكه خودروكفسكي ليبدأ من الصفر تقريبا حتى أصبحت له تلك الثروة الكبيرة. وعلى أي حال فإن نقطة التحول الرئيسية بالنسبة لهذا الرجل جاءت عام 1995 عندما قررت الحكومة الروسية الاقتراض من البنوك لتعويض العجز الناجم عن تهرب قطاعات عديدة من المواطنين من تسديد الضرائب المستحقة عليهم، مما جعل الحكومة غير قادرة على دفع ديونها. وهنا نبت مشروع جديد حمل اسم (القروض مقابل الأسهم)، اقترحه أحد رجال البنوك وهو فلاديمير بوتانين. ويقوم هذا المشروع على أن تمنح البنوك قروضا لحكومة موسكو التي تسددها فيما بعد عندما تجمع الضرائب من المواطنين، ولكن مسؤولي هذه البنوك طلبوا ضمانات من السلطات الروسية تمثلت في أن يحصلوا على حصص من أسهم الشركات العامة التي لم تكن قد طُرحت بعد في إطار برنامج الخصخصة. وهكذا بدأت الحكومة الروسية تستعين بما تمتلكه من شركات لم تكن قد باعتها مثل يوكوس وسبنفت البتروليتين. ولكن من الذي لم يكن يدفع الضرائب؟.. (النخبة الفاسدة) أو (الأثرياء الجدد) مثل خودروكفسكي الذين ظلوا لا يسددونها بعد ذلك أيضا، ولذا لم تتمكن الحكومة من جمع المال اللازم لتسديد القروض. وهنا قال مسؤولو البنوك الدائنة (حسنا.. سنتعامل بنزاهة وشرف في هذا الأمر. سنطرح الشركات التي حصلنا على أسهمها كضمانات للبيع في المزاد).. وكان المزاد وسيلة لهؤلاء للحصول على أموال تفوق تلك التي أقرضوها للحكومة، خاصة أن رجال البنوك هم أنفسهم من تولى عملية تنظيم المزادات.. وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى أن يشتري شخص مثل خودروكفسكي بمبلغ لا يزيد عن 310 ملايين دولار أصولا قدرت قيمتها بعد ذلك بفترة وجيزة ب5 مليارات دولار. وكان ذلك ما فعله جميع عناصر تلك (النخبة)، فكل منهم حصل على أصول مادية عالية القيمة مقابل مبالغ زهيدة للغاية، وهو ما جعلهم كلهم يتحولون إلى مليارديرات. على الجانب الآخر لم يحصل المواطنون الروس على شيء يذكر. وإذا ما حاول أحد أن يلقي نظرة على أحوال الاقتصاد الروسي في نهاية التسعينيات وبالتحديد في عام 1998 سيرى أنه كان يمر بحالة من الانهيار التام، حيث صار إجمالي الناتج القومي في البلاد آنذاك لا يتعدى نصف ما كان عليه عام 1991م. وعلى الرغم من أن الإحصائيات المتوافرة عن تلك الحقبة مشوشة قليلا، إلا أنه وفي كل الأحوال يمكن التأكيد على أن الأوضاع كانت منهارة بشكل رهيب. كما يمكن توضيح صورة الوضع الاقتصادي في روسيا خلال هذه المرحلة بالقول إنه لم يكن هناك سوى اقتصاد تضاءل حجمه إلى نصف ما كان عليه عندما بدأ مسيرته على طريق الخصخصة قبل سبع سنوات تقريبا، وكذلك لم يكن هناك سوى حفنة من (الأثرياء الجدد) الذين كان يتعاظم في كل يوم نصيبهم في كعكة تتقلص بشكل سريع. وكان ما يقوم به هؤلاء من الناحية السياسية بمثابة قنبلة جاهزة للانفجار في كل لحظة. وبدا واضحا أن انتقاما ما يلوح في الأفق ضد أركان تلك الجماعة من (الأثرياء الجدد)، ولعل هذا ما يفسر الشعور بالنقمة الشديدة الذي يعرب عنه الروس حيال خودروكفسكي، وكذلك الدعم الكبير الذي يقدمونه للخطوات التي اتخذها بوتين ضده وضد بعض أقطاب (النخبة الفاسدة)
دور يلتسين
* خلال عامي 1995و1996 كان يلتسين يسعى لإعادة انتخابه، وعقب نجاحه في الانتخابات، عادت ظاهرة (القروض مقابل الأسهم) كمكافأة لرجال الأعمال الذين مولوا حملته، هل كان خودروكفسكي من بين هؤلاء المؤيدين؟
نعم.. كل (الأثرياء الجدد) كانوا كذلك.. فقد كانوا يخشون من أن المرشح المنافس وهو جينادي زيوجانوف زعيم الحزب الشيوعي سينهي تلك الحقبة الذهبية بالنسبة لهم وسيعيد عقارب الساعة إلى الوراء وسيقوض كل نجاحاتهم، ويستولى على جميع ما ربحوه من أموال.
* إذاً.. لم تبذل أي جهود من قبل يلتسين لكبح جماح هؤلاء الأشخاص؟
لا لم تكن هناك أي جهود على الإطلاق.
الملياردير والأزمة
* ولكن بما إنه كان هناك انهيار اقتصادي كبير عام 1998، فكيف تسنى ل(خودروكفسكي) الإفلات من هذا الانهيار والحفاظ على ثروته؟
بالفعل نال البنك الذي كان يمتلكه خودروكفسكي مع شركائه نصيبا من تلك الأزمة المالية التي ضربت روسيا في السابع عشر من أغسطس عام 1998، وهو اليوم الذي أصبح فيما بعد عطلة بالنسبة للبنوك الروسية. ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حوّل خودروكفسكي الأصول المادية التي استطاع الحفاظ عليها بمنأى عن الأزمة إلى بنك آخر بخلاف (ميناتب) ولم يجد المودعون سوى قبض الريح.
* إذاً فقد حصل على كل الأصول المتبقية ولم يترك للآخرين شيئا؟
بالتأكيد.
* من هنا، فلم يكن هذا الرجل قديسا كما كان يظن البعض؟!
إن ما فعله هذا الرجل في أزمة عام 1998 لا يعد الدليل الوحيد على سوء سلوكه، وإنما توجد العديد من الأمثلة منها ما حدث مع المستثمر الأمريكي (كينيث دارت) الذي استثمر مليوني دولار تقريبا في بعض الشركات الروسية التي تتولى تقديم خدمات في مجال البترول، فقد سعى خودروكفسكي إلى ضرب أسهم هذه الشركات، حتى نجح في أن يجعل (دارت) ينسحب من الساحة. وعلى الرغم من أنه تمت تسوية هذا الأمر بعد ذلك، ولكنني علمت أن رجل الأعمال الأمريكي خسر في هذه المشاريع ما يقرب من مليار دولار. وذلك ما يجعلني أقول إن خودروكفسكي لم يكن مثاليا لا في تصرفاته، ولا في وسائله لتحقيق غاياته. ولا يقتصر ما قام به هذا الرجل على الجانب الاقتصادي فحسب، بل ان هناك اتهامات وجهت إليه بشأن تقديم الدعم لمرتكبي جرائم اغتيال طالت بعض المسؤولين الحكوميين الذين عارضوا ما كانت تقوم به (يوكوس)من تصرفات،وذلك إلى جانب اتهامات الاحتيال وغسيل الأموال وغيرها من الممارسات الفاسدة.
لواء النزاهة
* متى بدأ خودروكفسكي ينال شهرة واسعة في روسيا؟
في عام 1999، وفي ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار البترول، نزع الرجل عن نفسه ورقة توت أخرى بعد أن صار أحد حاملي لواء النزاهة والشفافية في بلاده، وكانت تلك مفارقة من العيار الثقيل!. وفي تلك الفترة جلب خبراء بترول من أمريكا، وغيّر تشكيلة مجلس إدارة (يوكوس)، فاستبعد المخضرمين من المطلعين على بواطن الأمور، وجاء بأعضاء غربيين من بينهم سارة كاري خريجة جامعة هارفارد، والتي تعد إحدى ألمع وأنجح محاميي واشنطن. وكانت السيدة كاري أيضا من أكثر المحامين خبرة بالتعامل مع القضايا المتعلقة بالتجارة مع روسيا.
من ناحية أخرى، أعلن خودروكفسكي عن إنشاء مؤسسة تسعى لدعم الانفتاح في المجتمع الروسي، وذلك سيرا على درب الملياردير الشهير جورج سوروس. وقد منحت مؤسسة خودروكفسكي مليون دولار لمكتبة الكونجرس الأمريكي، كما منحت أموالا للمشروعات الخيرية في روسيا.
طموحات سياسية
* إذاً.. ما هي أسباب المشكلات التي نشبت بينه وبين الحكومة الروسية؟
كانت هذه المشكلات ترجع إلى الطموحات السياسية لهذا الرجل. فقد منح أموالا لما اعتبرها (أحزاب معارضة جيدة). وكان خودروكفسكي يفعل ذلك لثلاثة أسباب رئيسية: أولها أنه كان يؤمن بضرورة ترسيخ دعائم الديموقراطية، والثاني إيمانه بأهمية التعددية، أما السبب الثالث فيتعلق برغبته في ضمان ألا يتمكن بوتين الذي كان قد بات يحظى بقدر كبير من النفوذ في هذا الوقت من الاستحواذ على صلاحيات أكبر من اللازم. وكان خودروكفسكي يأمل وقتذاك في أن يستطيع الحصول على بعض الضمانات التي تكفل له ألا يطرح بوتين تشريعا يقوض الامتيازات والصلاحيات التي كانت تتمتع بها شركات النفط الروسية ومنها (يوكوس) بالطبع. وقد تردد في تلك الفترة أن هناك نحو مائة من نواب الدوما المجلس الأدنى في البرلمان الروسي رهن إشارة هذا الرجل. وعلى أي حال فنحن نعلم أنه لم يكتب النجاح لمحاولتين استهدفتا زيادة الضرائب المفروضة على شركات النفط بسبب موقف الدوما في هذا الشأن، خاصة وأن الحكومة لم تكن تستطيع فرض إرادتها على ذلك المجلس. وفي تلك الفترة بلغ نفوذ خودروكفسكي حدا مكّنه من أن يقول لأحد مسؤولي الحكومة الروسية في ذلك الوقت إنه إذا ما واصلت الحكومة ممارسة ضغوط بغية زيادة الضرائب على الشركات البترولية فإنه أي خودروكفسكي سيكون مضطرا للرد بقوة.. ومن هنا فإن هذا الرجل لم يكن يتباهى بنفوذه وسطوته فحسب، بل انه رفع راية التحدي لبوتين. وقد ظهر ذلك واضحا في اجتماع عقد في فبراير من عام 2003، حيث انتقد خودروكفسكي أحد زملاء الرئيس الروسي السابقين في جهاز (الكي. جي. بي)، والذي كان يدير شركة نفطية مملوكة للدولة واتهمه بعقد صفقات مشبوهة.
وبدأ خودروكفسكي في إطلاق تصريحات نارية حافلة بمشاعر الزهو والفخر بنفسه من قبيل (أنا سأقوم بإصلاح هذه البلاد) وغيرها، وهي تصريحات أثارت قلق الدائرة المحيطة ببوتين، مما جعلهم فيما بعد يمضون قدما في اتخاذ إجراءات ضد هذا الملياردير، قادت في نهاية المطاف إلى مثوله أمام المحكمة.
حاشية بوتين
* ما هي بالتحديد الاتهامات الموجهة ل(خودروكفسكي)؟
الاحتيال، التهرب من الضرائب، الاختلاس والتخطيط لارتكاب جرائم. وقبيل صدور الحكم بفترة وجيزة ظهرت تهمة أخرى ألا وهي المتعلقة بغسيل الأموال. المحزن في الأمر أن هذه القضية قد تشكل تكأة لهؤلاء المسؤولين الذين يحيطون ببوتين لتكرارها مرات ومرات ضد رجال أعمال آخرين لا لشيء سوى لأنهم يريدون أن يصبحوا أكثر ثراءً. ولهذا السبب بات مسؤولو الكرملين يفرضون هيمنتهم على شركات البترول. فعلى سبيل المثال يرأس ديمتري ميدفيديف رئيس ديوان الكرملين الحالي مجلس إدارة شركة جازبورم النفطية، ويرأس نائبه إيجور ساشين مجلس إدارة شركة روزنفت النفطية أيضا، وهي تلك الشركة التي امتلكت معظم أسهم الشركات التي كانت تابعة ل(يوكوس)..
* هل يمكننا أن نصف هذا الأمر بأنه عودة لسياسة محاباة الحاشية والمقربين من الحاكم في روسيا؟
بالتأكيد يعتبر ذلك استعادة لتلك الظاهرة. كما أن ما يحدث حاليا على هذا الصعيد ما هو إلا نوع من أنواع إعادة تأميم الشركات، ولكن بشكل مختلف يسمح للأفراد بأن يكونوا أرصدة لأنفسهم، وان يزيدوا ليس فقط من نفوذهم بل ومن ثروتهم كذلك.
الهدف التالي
* ولكن هناك في روسيا حاليا بعض (الأثرياء الجدد)ممن لا يزالون طلقاء.. أليس هذا صحيحا؟
نعم.. ويجب على هؤلاء الشعور بالقلق من أنهم سيصبحون الهدف التالي بعد خودروكفسكي. ويوجد العديد من المؤشرات التي تفيد بإمكانية حدوث ذلك بمجرد هدوء الضجة التي أعقبت الحكم على هذا الرجل. وخاصة بسبب التصريحات التي أدلى بها البعض منهم في الماضي. ولعلي أتذكر هنا أنني حضرت اجتماعا عقد في موسكو في إبريل من العام الماضي تحت رعاية غرفة مراجعة الحسابات التابعة للحكومة الروسية. وقد رأس هذا الاجتماع الذي استمر يوما واحدا سيرجي ستيباشين ذلك الرجل الذي تولى رئاسة الوزراء في روسيا من قبل والذي كلف من جانب بوتين بتشكيل لجنة لدراسة ما يمكن اتخاذه من إجراءات لتصحيح ما خلّفته الخصخصة من أخطاء. وقد أعدت هذه اللجنة تقريرا لم يصدر حتى الآن، ولكن خلاصته تشير إلى أن أغلب الأخطاء الناجمة عن عملية الخصخصة نجمت عن ممارسات الشركات التي يسيطر عليها (الأثرياء الجدد) في المجتمع الروسي.
بطة عرجاء
* وفي ضوء كل ذلك ما الذي ينبغي عمله؟
بادئ ذي بدء يتعين على هذه الشركات أن تسدد ما عليها من ضرائب، وقد بدأت بعضها القيام بذلك بالفعل عقب قضية خودروكفسكي. بل وصارت هذه الشركات بشكل مفاجئ تتباهى بما سددته من ضرائب. وكان لديّ اقتراح لمنح هؤلاء ما يشبه (عفوا ضريبيا). ويقوم هذا الاقتراح على أن ينظر هؤلاء للقيمة الحقيقية للشركات التي قاموا بشرائها، وكذلك للمبلغ الذي دفعوه من أجل شرائها بالفعل، وذلك توطئة لأن يسددوا الفارق ما بين المبلغين.
* هل يدرك بوتين الصورة بكل مساوئها؟
ما أدركه بوتين هو أن حملته الحالية ضد الأثرياء الجدد أثارت فزع المستثمرين سواء كانوا من الداخل أو من الخارج. كما أن هذه الحملة كان لها أثرها السلبي على قطاع البترول الذي تباطأت وتيرة معدلات نموه بشكل كبير، فبينما كان هذا المعدل ينمو حلال عام 2003 بمعدل علامتين عشريتين كل شهر، بات لا يتجاوز 4% شهريا حاليا. وبالطبع كان لتلك التطورات أثرها السلبي على إجمالي الناتج المحلي وعلى حجم الإنتاجية الصناعية في روسيا. ويشير ذلك إلى أن الرئيس الروسي لن يتمكن من تحقيق ما تعهد به لمواطنيه من رفع مستوى معدلات إجمالي الناتج القومي إلى 7% في السنة خلال عشرة أعوام. الخلاصة أن بوتين أدرك أن هناك قيودا تفرضها عليه جماعات رجال الأعمال، وأنه لم يعد قادرا على التحكم في كل شيء فيما يتعلق بالاقتصاد، من منطلق أن هناك عوامل مستقلة باتت تؤثر في الوضع الاقتصادي في روسيا، تلك العوامل التي ربما لم يكن لها تأثير في ظل نظام التخطيط المركزي التابع للدولة الذي ساد الاتحاد السوفيتي السابق.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|