|
ثقافة الحوار ..! |
كتبت من قبل..
وكتب كثيرون غيري..
ولن نتوقف مكتفين بما تم إنجازه من وجهات نظر مكتوبة حول الرأي والرأي الآخر..
فأمامنا على ما يبدو مشوار طويل قبل أن نبلغ سنام الهدف الذي نتمناه.
***
وإذا جاء من يقول إن مجتمعنا يحترم وجهات النظر الأخرى فهو مخادع..
وإذا تبيَّن أن هناك من يعتقد بأن شريحة المثقفين تلتزم بآداب الحوار فهو مغيب عن معرفة الحقيقة..
فالناس بما في ذلك الشريحة الأكثر تأهيلاً لا يحسنون الإصغاء للرأي الآخر أو احترامه..
بما فوت علينا استثمار تلك المناقشات الجادة والموضوعية بعد أن انحرفت عن اتجاهها إلى جدل بيزنطي غير مفيد.
***
والأخطر من ذلك..
والأسوأ في حياة الأمم والشعوب..
حين يصار إلى مصادرة رأي الآخرين بالتأويل والتأليب ورمي الآخر بما ليس فيه من اتهامات..
فضلاً عن المحاولات لاستعداء الناس عليه وخلق معارضة لفكره وثقافته وتوجهاته.
***
ما هو مطلوب منا جميعاً..
في مثل هذا الجو الملبد بغيوم التشكيك والاتهام الباطل بحق الغير..
أن نؤمن بأن حرية الرأي تقود حتماً إلى إفراز جواهر من وجهات النظر بين ركام هائل من الآراء الضارة بالمجتمع.
***
وهذا يقودنا إلى التركيز في مناشداتنا على أخلاقيات الحوار..
وإلى التنبه والتركيز على خطورة أن تأخذ المناقشات فيما بيننا هذا المسار الذي لازمنا طويلاً ولا زال..
فلا الاتهامات سوف تطفئ من لهيب الحماس والحماس المضاد لفكرة أو رأي أو وجهة نظر من هذا أو ذاك..
ولا التعصب لموقف من هذا الشخص سوف يلغي تمسك الغير بالمواقف الأخرى ما لم يكن هناك ما يبرر لذلك.
***
وعلينا حسماً لتوجه لا يقوم على أسس ولا يعتمد على منطق بل يشكل تقويضاً لقواعد بناء حضارة الأمة ومستقبلها..
وترسيخاً لشرعية الحوار الموضوعي والهادئ والمتزن المطلوب الآن ومستقبلاً وفي كل الأحوال والحالات..
أن نعيد قراءة مستقبل دولنا وشعوبنا في حوار تقوم تعريفاته ومفاهيمه وأهدافه ونواياه الصادقة على تثبيت معاني ثقافة الحوار التي تستجيب مع ما يفكر به العاقلون ومن ثم تعليمها للغير.
خالد المالك
|
|
|
بعد أن فقدتها في الحرب على العراق كيف تستعيد أمريكا شرعيتها ؟! |
* إعداد أشرف البربري
على مدى تاريخها الذي لا يتجاوز قرنين من الزمان سعت الولايات المتحدة بشكل حثيث إلى جعل الشرعية الدولية على رأس أولويات سياستها الخارجية. ولكن الأشهر الثمانية عشر الماضية ومنذ الحرب الأمريكية ضد العراق، جعلت الاحترام والمصداقية اللذين حققتهما أمريكا بجهد كبير خلال اكثر من مائتي عام في مهب الريح. فعندما شنت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الحرب ضد العراق دون وجود أي أساس قانوني ولا دعم من جانب الحلفاء التقليديين لأمريكا نسفت تاريخ أمريكا الطويل في الالتزام بالقانون الدولي وقبول مبدأ التشاور في صناعة القرار وسمعتها كدولة معتدلة وقوة حريصة على حماية السلام. وإعادة بناء ما هدمته هذه الإدارة يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين.
وفي مقال تحت عنوان: مصدر الشرعية للولايات المتحدة الأمريكية، نشر روبرت توكر استاذ السياسة الخارجية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية وديفيد هيندرسكون المحاضر في كلية كلورادو الأمريكية مقالا مشتركا في فصلية فورين أفيرز المرموقة تحدثا فيه عن مأزق غياب الشرعية عن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش.
يؤكد الكاتبان أنه منذ أن شنت أمريكا حربها الثانية ضد العراق منذ نحو 18 شهرا أدرك الجميع داخل أمريكا وخارجها بما في ذلك هؤلاء الذين يؤيدون تلك الحرب أن الولايات المتحدة تعاني من أزمة شرعية حقيقية. فالنموذج الذي رأيناه في حرب العراق الأولى التي عرفت باسم حرب تحرير الكويت عام 1991 لم يتكرر في الحرب الثانية. فالأولى تمت تحت مظلة الأمم المتحدة وبتحالف دولي واسع للغاية وبانتصار عسكري كاسح حقق أهدافه تماما وبأقل الخسائر. أما الحرب الثانية فجاءت على العكس تماما. فليس لها أي أساس قانوني ولا مظلة دولية و تكاد تكون أمريكا هي الدولة الوحيدة التي تخوض الحرب إذا ما تجاوزنا عن المشاركة الرمزية لعدد من الدول الصغيرة باستثناء بريطانيا. وأخيرا فالحرب لم تنته بانتصار أمريكي حاسم ولكنها تحولت إلى مستنقع أو حرب استنزاف للقوة الأمريكية.
ويتابع كاتبا المقال: إذا قلنا ان هذه الحرب أسفرت عن شيء فهو تعميق الشكوك تجاه السياسة الأمريكية. وبالفعل فقد تدهورت شعبية أمريكا وبخاصة في أوروبا التي تحتاج واشنطن إلى تعاونها من أجل النجاح في تحقيق مجموعة كبيرة من الأهداف وكذلك العالمان العربي والإسلامي حيث تخوض أمريكا معركة من أجل كسب العقول والقلوب حتى تنتصر في الحرب ضد الإرهاب. إذن فالأولوية القصوى للسياسة الخارجية الأمريكية يجب أن تكون إعادة بناء الثقة بين واشنطن وأغلب شعوب العالم بعد أن تأكد أن القوة الأمريكية الهائلة غير قادرة بمفردها على تحقيق أي أهداف.
ويؤكد الكاتبان أن الطريق لاكتساب الشرعية الدولية معروف وهو الاقتناع بأن الدول عادة ما تتصرف دائما في إطار القانون الذي يتخذ شكلين: الأول أن يكون التصرف منطلقا من سلطة صحيحة بمعنى أن يستند إلى موافقة المؤسسات السياسية المخولة بالموافقة عليه قبل القيام به والثاني ألا ينطوي على أي انتهاك لقانون أو قاعدة أخلاقية.
استعادة الشرعية
وبعد أن فقدت أمريكا مشروعيتها خلال الشهور الثمانية عشر الماضية أصبح السؤال الصارخ الذي يلح على الأمريكيين الآن، من وجهة نظر الكاتبين، هو: كيف تستعيد أمريكا الشرعية التي فقدتها على الرغم من صعوبة ذلك الواضحة؟!
فكما قلنا ربما يكون من السهل تدمير تراث عريق من الشرعية والمصداقية في وقت بسيط ولكن إعادة بناء هذه الشرعية أو المصداقية لا يمكن أن يتم في يوم وليلة.
فهذه مهمة شاقة وتحتاج إلى وقت طويل. وبالطبع لن تستطيع أمريكا استعادة مصداقيتها أمام العالم من خلال الأساليب البسيطة التي تطلق عليها الدبلوماسية الشعبية أو شرح القضية الأمريكية أمام العالم. فالرأي العام العالمي يرفض بالفعل القضية الأمريكية. أما إذا كانت أمريكا جادة بالفعل في السعي من أجل إعادة بناء شرعيتها فعليها التخلي تماما عن المبادئ والممارسات التي تبنتها أخيرا ودفعت بها إلى هذا الدرب الزلق.
وينتقل بنا الكاتبان إلى نقطة مهمة وهي مصادر الشرعية الأمريكية في عالم ما بعد
الحرب العالمية الثانية. ويؤكد الكاتبان المبدأ الذي ظل القادة الأمريكيون يرددونه باستمرار طوال تلك السنوات ويقول إن بلادهم لن تستخدم القوة إلا في إطار القانون الدولي. كما أن أمريكا في تلك السنوات ولكي تظهر نفسها باعتبارها دولة متحضرة
دائما أن هناك وسائل أخرى فعالة لتسوية أي صراعات بعيدا عن القوة العسكرية لذلك كان القادة الأمريكيون يصرون على ضرورة أن تعتمد العلاقات الدولية على هذا المبدأ. وكان هذا المبدأ يحظى بجاذبية كبيرة خاصة عندما تهب الدول للدفاع عنه عندما يتعرض القديم الذي انتهى تماما بعد الحرب العالمية الثانية قد دخل مرحلة الانهيار بعد المذابح التي شهدتها أوروبا عندما دخلت دولها أتون الحرب العالمية الأولى عام 1914م. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية ليشهد العالم مذابح أعنف عندما قرر النظام الألماني النازي ازدراء القانون الدولي.
وقد هبت أغلب دول العالم ضد التوجه الألماني في الخروج على الشرعية الدولية واعتماد القوة العسكرية وسيلة لتسوية الصراعات.
وفي محاكمات نورمبرج التي أقامها الحلفاء لمحاكمة قادة النظام النازي في ألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 قال روبرت جاكسون رئيس المحكمة العليا الأمريكية وممثل الإدعاء الأمريكي في المحاكمة إنهم يحاكمون قادة النظام النازي ليس لأنهم خسروا الحرب ولكن لأنهم بدأوها. ورفض جاكسون الانسياق وراء مناقشة أسباب الحرب خلال المحاكمة حيث قال إن موقفنا يقوم على أساس أنه لا توجد أي سياسات ولا مآس يمكن أن تبرر اللجوء إلى الحرب العدوانية.
فهذه الحرب مدانة تماما كأداة من أدوات السياسة. وقد تم تضمين هذا المبدأ في ميثاق الأمم المتحدة الذي كانت أمريكا إحدى أهم القوى الواقفة وراء صياغته.
فقد نص ميثاق الأمم المتحدة على أنه لا يجوز لأي دولة من دول العالم التهديد باستخدام القوة ضد أراضي أو سيادة الاستقلال السياسي لدولة أخرى.
ورغم الإعلان المتكرر من جانب قادة الولايات المتحدة على مدى النصف الثاني من القرن العشرين التزام أمريكا بالقانون الدولي فإن بعض المفكرين المؤثرين في دوائر صنع القرار بواشنطن يقولون الآن إن الالتزام بالقانون الدولي لم يكن له أي تأثير في المشروعية والمصداقية التي تمتعت بها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
فقد كتب المعلق الأمريكي المحسوب على المحافظين الجدد روبرت كيجان يقول لم يكن القانون الدولي ولا المؤسسات الدولية التي منحت أمريكا مصداقيتها وإنما ظروف الحرب الباردة والدور الخاص الذي لعبته
واشنطن هي التي منحت أمريكا مشروعيتها على الأقل داخل المعسكر الغربي.
ويضيف كيجان: على عكس الأسطورة الشائعة على جانبي المحيط الأطلنطي (في أمريكا وأوروبا) فإن أسس شرعية الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة لم يكن لها تأثير كبير على حقيقة أن الولايات المتحدة ساعدت في إنشاء الأمم المتحدة أو احترامها للقانون الدولي التي تجسد في ميثاق المنظمة.
ويبدد الرجل الأسطورة التي تقول إن أمريكا كانت طوال عشرات السنين ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي عندما يقول إن الولايات المتحدة احتفظت لنفسها بالتدخل في أي وقت وأي مكان من العالم لحماية مصالحها.
الحرب الباردة
وفي محاولة من جانب كيجان الذي يشارك حاليا في حملة المحافظين الجدد من أجل تحرير أمريكا من أي التزامات تفرضها القوانين الدولية لتشويه التزام أمريكا التاريخي بالقانون الدولي خلال سنوات الحرب الباردة يتحدث كيجان عن الدور الذي لعبته واشنطن في احتواء الاتحاد السوفيتي. ولكن الحقيقة تقول إنه وإن كان دور الولايات المتحدة في حماية أوروبا الغربية من السقوط في دائرة نفوذ الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة قد ساعد في إعطاء الدور الأمريكي العالمي نوعا من الشرعية فإن التحالف الغربي في ذلك الوقت ظل يؤكد باستمرار أن هذا التحالف يتفق تماما مع مبادئ ميثاق الامم المتحدة وتحريمه أي عمل عسكري عدائي.
وربما علينا أن نسأل السيد كيجان عما إذا كان يمكن لحلف شمال الأطلنطي (الناتو) الذي ضم الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين خلال الحرب الباردة أن يحقق أهدافه دون وجود أساس قانوني وأخلاقي؟
الواقع يقول إن الأمر كان سيزداد صعوبة بالنسبة للحلفاء. فقد كان سر نجاح الناتو هو المزج بين الرؤية الاستراتيجية والهدف الأخلاقي وهو أمر لم يكن بغريب. بل إن المحافظين الجدد أنفسهم يسعون إلى إضفاء هذا الطابع الأخلاقي على السياسة الخارجية الأمريكية حاليا حيث يتحدثون عن نشر الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان في دول العالم المختلفة.
وبالطبع لا يمكن القول ان كل تصرفات الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين كانت في حدود قواعد القانون الدولي. فقد تجاوزت هذه القواعد عندما غزت فيتنام على سبيل المثال. ولكن القادة الأمريكيين كانوا حريصين أغلب الوقت على جعل التحركات الأمريكية في إطار هذه القواعد بقدر الإمكان.
التشاور مع الحلفاء
المصدر الثاني للشرعية الأمريكية خلال سنوات الحرب الباردة كان اعتماد مبدأ التشاور بين الحلفاء في عملية صنع القرار على الصعيد الدولي. وهذا المبدأ انعكس بوضوح في الميثاق الديموقراطي للأمم المتحدة. ورغم أن جماعية صنع القرار في الأمم المتحدة كانت الضحية الأولى للحرب الباردة بعد انقسام المنظمة بين معسكرين شرقي وغربي فإن الولايات المتحدة ظلت حريصة على تحقيق أعلى قدر من التشاور داخل دائرة التحالف الغربي على الأقل فيما يتعلق بالقضايا الدولية.
ورغم أن الولايات المتحدة كانت القوة العظمى الوحيدة في التحالف الغربي خلال سنوات الحرب الباردة فإنها كانت حريصة تماما على وضع المصالح الحيوية لحلفائها في الاعتبار عندما يتعلق الأمر باستخدام هذه القوة أو التهديد باستخدامها.
وبالطبع فإن هذه الرؤية كانت تفرضها طبيعة الحرب الباردة حتى لا تتجه الدول الحليفة إلى تبني مواقف الحياد وعدم الانحياز في الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. وقد قامت الرؤية التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية خلال تلك السنوات على أساس أن المنظمات
والتحالفات الدولية والإقليمية تنجح بقدر ما يشعر كل عضو فيها بأن له صوتا ووزنا في اتخاذ قراراتها.
الاعتدال السياسي
المصدر الثالث من مصادر الشرعية الأمريكية خلال فترة ما بعد الحرب الباردة كان سمعة واشنطن باعتبارها صاحبة المواقف المعتدلة في السياسة. فبعد الحرب العالمية الثانية كان واضحا أن الولايات المتحدة قد قامت بمسئولياتها كحارس للسلام برغبة صادقة. لذلك كان القادة الأوروبيون يشعرون بالقلق من احتمال عودة الولايات المتحدة إلى سياستها الانعزالية والابتعاد على صراعات العالم فيما وراء المحيط الأطلنطي. فالموقع الجغرافي للولايات المتحدة حيث تقع بين محيطين يضمنان لها حماية طبيعية جعل في استطاعتها الابتعاد عن صراعات العالم الخارجي.
وهذا الأمر أعطى لانغماسها في القضايا الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وزنا أخلاقيا كبيرا حيث بدا وكأنها تسعى إلى ضمان السلام في مناطق لن تتأثر هي بحروبها.
التجمع الديموقراطي
وأخيرا نأتي للمصدر الرابع من مصادر الشرعية الأمريكية على الصعيد الدولي خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهو نجاح واشنطن في الحفاظ على السلام والرخاء في تجمع الدول الديموقراطية الصناعية في العالم. فعلى الرغم من شعور القادة الأوروبيين واليابانيين بالقلق أحيانا من أن يؤدي حب الولايات المتحدة للحرب الى اشتعال مواجهة أمريكية سوفيتية على أراضيهم فإن السلام بين القوتين الاعظم في العالم ظل قائما. لذلك تنامت ثقة الحلفاء الأوروبيين واليابانيين في الولايات المتحدة كدولة قادرة على حماية السلام والاستقرار والرخاء.
بداية السقوط
وعندما تولت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الحكم عام 2001 بدا واضحا أنها جاءت تحمل أجندة لتجفيف منابع
الشرعية الأمريكية. وبالفعل بدأت هذه الشرعية تتقلص مع تبني سياسات تتناقض تماما مع المصادر التي ذكرت آنفا.
فإدارة الرئيس بوش وقبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر أعلنت أنها لا تثق كثيرا في القانون الدولي. ففي أواخر التسعينيات قال جون بولتون الذي جاء مساعدا لوزير الخارجية لشئون منع انتشار الأسلحة :خطأ كبير من جانبنا أن نضمن صلاحية أي قانون دولي حتى لو كان يبدو في مصلحة أمريكا على المدى القصير. فالحقيقة أن القانون الدولي يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل.
وبالطبع فإن هذه الرؤية تتناقض تماما مع الأسس التي استمدت منها الولايات المتحدة شرعيتها على امتداد نحو نصف قرن.
ولكن ما كان يبدو مجرد هبة ريح خفيفة قادمة من واشنطن قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر أصبحت ريحا عاصفة بعد هذه الهجمات.
فقد سارعت الإدارة الأمريكية في أعقاب هذه الهجمات الى الإعلان عن مجموعة من المبادئ التي قالت إنها ستحكم سياستها الخارجية مثل من ليس معنا فهو مع الإرهابيين. والحرب الاستباقية. بل وصل الأمر إلى القول ان أمريكا لن تترك الأمم
المتحدة أو المنظمات الدولية تحدد أولويات الأمن القومي الأمريكي أو متى تتحرك أمريكا من أجل القضاء على خطر يهددها.
وحتى عندما كانت الإدارة الأمريكية تذهب إلى المؤسسات الدولية فإنها كانت تفعل ذلك من باب ذر الرماد في العيون. فقد أعلن البيت الأبيض اعتزامه غزو العراق سواء وافقت الأمم المتحدة أم لم توافق. ثم أعلن الرئيس بوش أن الحرب ضد العراق مبررة بسبب وجود حاكم مستبد في بغداد وهذا يعني سابقة خطيرة في العلاقات الدولية تسمح للقوى العظمى بشن الحرب على دول لا يوجد بها أنظمة حكم ديموقراطي.
والحقيقة أن الولايات المتحدة خرجت على العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بوجه يتعارض تماما مع كل المبادئ التي ظلت أمريكا ترددها وتدافع عنها عشرات السنين. وقد أصبحت الأعمدة الأربعة الرئيسية التي استمدت منها واشنطن شرعيتها خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهي: احترام القانون الدولي وعدم استخدام القوة العسكرية إلا في ضوء القانون الدولي والتشاور مع الحلفاء وحفظ السلام أصبحت محل شك كبير الآن.
ويتحمل المحافظون الجدد الذين يمثلهم الكثيرون داخل الإدارة الأمريكية مثل نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وجون بولتون مساعد وزير الخارجية وغيرهم مسئولية فقدان أمريكا لشرعيتها الدولية.
وإذا كانت بعض المبادئ التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش قد سبق أن نادت بها إدارات أمريكية سابقة مثل الرئيس رونالد ريجان الذي تبنى نظريا فكرة الاطاحة بأنظمة الحكم القمعية في العالم فإن أيا من هذه الإدارات لم تضع هذه المبادئ موضع التنفيذ قبل إدارة الرئيس بوش.
ومما لا شك فيه أن شرعية الولايات المتحدة على الصعيد الدولي لم تشهد تحولا جذريا في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وأن هذه الشرعية لم تنهر بانهيار جدر برلين في ألمانيا وتمثال لينين في موسكو.
ولكن كيجان يرى أن الولايات المتحدة واجهت بانهيار الاتحاد السوفيتي مأزقا جديدا. فقد كانت تبني ترسانتها العسكرية لأنها تواجه عدوا قويا ولكن عندما انهار هذا العدو ولم يعد له وجود أصبحت أمريكا لا تجد أي مبرر لاستمرار انفاقها العسكري. بل إنها شعرت أنه لا يوجد لها ند لا عسكريا ولا اقتصاديا وبالتالي بدأت التعامل مع العالم بأقل القليل من الاكتراث.
وفي حين أن انفراد أمريكا بالقوة في العالم بعد الحرب الباردة يشكل ميزة إلا أن هذه الميزة تحولت إلى موقف خطير يحتاج إلى تصحيح من وجهة نظر الفكر السياسي الأمريكي التقليدي. فقد شعرت أمريكا أنها ستفقد دورها على الصعيد العالمي بعد اختفاء التهديد السوفيتي من الوجود وهو أمر ليس في صالحها بالتأكيد. لذلك كان من الضروري البحث عن خطر جديد تحشد قوتها لمواجهته وتضمن به شرعيتها على الصعيد الدولي
ورغم ذلك يجب القول إن الرئيس بوش لم يكن أول رئيس أمريكي يرفض أي قيود يمكن أن يفرضها مجلس الأمن الدولي على بلاده. فقد سبقه الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون إلى نفس الاتجاه وسبقهما آخرون.
ورغم ذلك لا يمكن القول ان إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لم تكن معنية على الإطلاق بتوفير غطاء من الشرعية الدولية لتحركاتها. فقد ذهبت بالفعل إلى مجلس الأمن الدولي ممثلة في وزير الخارجية كولن باول من أجل الحصول منه على تفويض لضرب العراق وهو ما فشلت فيه بعد أن عجز الوزير ومن ورائه الإدارة في تقديم أي مبررات كافية تقنع الدول الأعضاء بحتمية الحرب وان العراق يشكل خطرا حتميا على الأمن القومي الأمريكي.
وبعد الحرب تأكد أن الاستراتيجية الأمريكية التي تقول إن من حق واشنطن المسارعة بضرب أي تهديد محتمل لها ليس بها ما يضمن صحة تطبيقها. فقد شنت إدارة بوش الحرب ضد العراق بدعوى امتلاكه أسلحة دمار شامل. ولكن الحرب انتهت وتم احتلال العراق ولم تعثر أمريكا على أي من هذه الأسلحة.
في الوقت نفسه فإن إدارة بوش تنظر من البداية إلى الأمم المتحدة باعتبارها أداة يمكن استخدامها وليست منظمة يجب الالتزام بمواقفها. لذلك فقد سعت هذه الإدارة من أجل الحصول على تأييد المنظمة لحربها ضد العراق. ولكن عندما أدركت أنها لن تحصل على هذا التأييد اعلنت أنها لن تسمح لهذه المنظمة الدولية التي عفا عليها الزمن بتحديد أولويات الأمن القومي الأمريكي.
والواقع يقول إن مبدأ الحرب الاستباقية الذي أعلنه الرئيس بوش في سبتمبر عام 2002 كاستراتيجية للأمن القومي الأمريكي ينسف مصادر الشرعية الأمريكية الأربعة التي تحدثنا عنها في البداية. فقد شنت حربا غير مشروعة ضد العراق. وبدلا من أن تحاول إدارة بوش إصلاح الخطأ وترك المجال امام المجتمع الدولي لكي يعيد بناء ما دمرته الحرب فشلت الإدارة في عرض قضيتها أمام المجتمع الدولي فانهار الموقف أكثر وأكثر وفقدت أمريكا الكثير من مصداقيتها حتى بين حلفائها.
الانهيار الغامض
ورغم أن تحديد المشروعية يرتبط أساسا بالقانون فإنه في بعض الأحيان يتجاوز أوامر ونصوص هذا القانون. وهذا يوضح بسهولة لماذا يكون في بعض الحالات الصعبة التحرك من أجل تأكيد الشرعية عملا غير قانوني. كما يوضح أن الاستثناءات رغم قانونيتها فإن التوسع فيها يجعلها قانونا. والحقيقة ان السياسة الخارجية الأمريكية وجدت نفسها الآن في قاع منحدر غامض مفتقدة لمصادر الشرعية الدولية وأسسها.
فقد فشلت كل محاولات الإدارة الأمريكية إضفاء أي قدر من المشروعية على انتهاكاتها للقانون الدولي بدعوى محاربة الإرهاب ومواجهة مخاطر تنظيم القاعدة. فقد تحول استخدام أمريكا غير المشروع للقوة إلى منهج في التعامل الأمريكي مع الكثير من القضايا الدولية. وفي محاولة من جانب إدارة بوش تغطية فقدان مشروعيتها كثفت من هجومها على الأمم المتحدة وميثاقها الذي يعد أبا القوانين الدولية الحالية. وبالطبع فإن أضرار مثل هذه المحاولة أكثر من منافعها.
وبعد أن تأكدنا من أن أمريكا فقدت شرعيتها يظل السؤال الأهم هو: كيف تستعيد أمريكا شرعيتها؟
بالطبع الإجابة رغم بساطتها فإن تنفيذها ليس بسيطا على الإطلاق. فالإجابة البسيطة تقول إنه على أمريكا التخلي عن كل سياساتها التي أفقدتها شرعيتها. ولكن حتى هذا لا يعني أن تستيقظ أمريكا وقد وجدت نفسها ترتدي ثياب الشرعية التي خلعتها عن نفسها. فقد مضى العصر الذي كانت فيه أمريكا محط آمال العالم. وعلى أمريكا أن تفعل الكثير وتصبر أكثر حتى تستعيد شرعيتها. ولكن قبل كل هذا عليها أن تدرك أولاً أنها في حاجة إلى استعادة هذه الشرعية.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|