|
الانتخابات العربية: لم ينجح أحدٌ!!
|
الانتخابات التشريعية في عالمنا العربي كانت ولا تزال ذلك الهاجس الجميل الذي شغل ويشغل بال الأُمّة، وبالتالي بقيت الدعوة لها إلى اليوم متواصلة ومستمرة كما لو أنّها الصوت الذي ينبغي ألاّ يعلو عليه صوت آخر، أو أنّها القضية التي يجب ألاّ ينافسها منافس، من حيث أهميتها وأولويتها في إدارة شؤون المؤسسات بهذه الدول.
ومن يدعو لمثل هذه الانتخابات، وينادي بصوت عالٍ من أجل تحقيقها، ويرى أنّ حل مشاكل الأُمّة، ومعالجة تخلُّفها، مرهون بفتح المجال أمام انتخابات تقود برأيه إلى التغيير في مواقع سلّم المسؤوليات، بانتظار ما هو أفضل، إنّما هو يتجاهل أو لا يكترث بما آلت إليه تلك الانتخابات في بعض الدول العربية من نتائج سلبية، ولم يعِ تلك التأثيرات المفجعة التي خلَّفتها انتخابات مزيَّفة ومخادعة، قادت لاحقاً إلى ما كان سبباً في إنهاك جسم هذه الدولة أو تلك، وبالتالي تقويض مصالح شعوب هذه الدول وتطلُّعاتها نحو مستقبل أفضل.
***
لقد عاشت غالبية دولنا العربية حقبة تاريخية من الزمن مُورست خلالها الكثير من الشعارات الثورية التي صاحبت الانقلابات العسكرية، تحت شعارات ضبابية تركَّزت على إثارة موضوعات كثيرة أهمها: صيانة حقوق الشعوب، وبناء دولة المؤسسات، وإشاعة الحرية، ونشر الديمقراطية، وضمان حقوق الإنسان، والترتيب بعد ذلك لتنظيم انتخابات تختار فيها الشعوب بإرادتها الحرّة من يقود مؤسسات الدولة، بل من يكون على رأس السُّلطة.
وقد صدّقت الشعوب منذ الخمسينيات من القرن الماضي وإلى السبعينيات منه البيانات العسكرية التي خاطب بها الانقلابيون شعوبهم، حيث خُدعت بكلماتها المنمّقة ووعودها البرّاقة، وانساقت هذه الشعوب لأطروحات أنظمتها الجديدة، معتقدة بسلامة توجُّهها، ونبل هدفها، وحرصها على المصلحة العامة، فإذا بها تفيق أمام بناء السّجون عوضاً عن المدارس والجامعات ومن ثم فُرص العمل أمامهم، بما أيقنت لاحقاً بأنّه لا خلاص لها من مشاكلها بمثل هذه الوعود وتلك الانتخابات المزيَّفة.
***
وهكذا، وبالمقارنة بين تلك الدول التي يدّعي من يقودها في جميع درجات المسؤولية بأنّه قد وصل إلى السُّلطة بواسطة ورقة الاقتراع، ضمن ما ترتب - كما تزعم - هذه الدول على نتائج استيلاء بعض العسكريين على السُّلطة في البلاد، وتلك الدول التي يتم اختيار مسؤوليها من خلال الكفاءة والنزاهة والخبرة المتميِّزة بالثراء الفكري والعلمي، فإنّ أيّ منصف أو عاقل لن يتردَّد في رفض هذا النَّمط من الانتخابات، ولن يقبل بأن يقوده من غامر من العسكريين للاستيلاء على السُّلطة بدافع من طموح شخصي مستخدماً ما اؤتمن عليه من سلاح وقوة عسكرية لتحقيق أهدافٍ ومصالح شخصية.
ومثل ذلك، حين تأتي الانتخابات وفق ترتيب لا يراعي مصلحة الأُمّة، وبالتالي لا يقود الأكفأ والأقدر والمؤهَّل إلى سدّة المسؤولية، وهو ما عزّز من تمسُّك وقناعة ذوي الوعي من الشعوب في مواقفهم المؤيِّدة والمساندة للقيادات التاريخية وللأنظمة التقليدية لدولهم التي أظهرت في السِّلم كما هي في الشدائد والمحن جدِّيتها وكفاءتها ومقدرتها في ضمان حقوق شعوبها والذَّود عن مصالح دولها دون أن تفرط بهذه الحقوق أو تتساهل بها، أو أن تستخدم موضوع الانتخابات غطاءً لتمرير إخفاقاتها.
***
وبينما بدأت الشعوب تعيد النظر في تقديراتها وحساباتها، ومن موقفها من الانتخابات في ظل ما آلت إليه من نتائج سلبية، فإنّها إذ تتمسّك بمبدأ تعيين من هم مؤهّلون لكلِّ المواقع في جسم كلِّ دولة، فلا بأس عندها من أن تتم الانتخابات لاستكمال العدد المطلوب بواسطة صناديق الاقتراع للمؤسسات الدستورية.
وبهذا نكون قد وفّقنا بين رأي من يرى سلامة اللجوء إلى الانتخابات للوصول إلى الكفاءات المطلوبة، وبين من تكون قناعته بأنّ التعيين هو الأسلوب الأصلح والأمثل، في ظل التأثيرات التي تصاحب عادة حملات الانتخابات، وما تفرزه من نتائج قد تقصي من يكون مناسباً ومطلوباً من الكفاءات الوطنية، وهو ما يعيدنا من جديد إلى عنوان هذا المقال، من أنّ الانتخابات في الدول العربية وإن نُظِّمت في كثير منها إلاّ أنّه - مع شديد الأسف - لم ينجح فيها أحدٌ، وفي ظل هذا فإنّنا لسنا ضد الانتخابات إذا كانت ستتم في أجواء صحية وسليمة وبعيدة عن الصورة التي تجري بها الآن ومن قبل، نعم نحن مع الانتخابات، ولكن ليس أي انتخابات!!
خالد المالك
|
|
|
الطائرات والتلوث البيئي المعادلة الصعبة
|
* إعداد - محمد الزواوي
نعيش اليوم في عالم امتلأ بالتلوث البيئي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضارة بالصحة العامة وبغلافنا الجوي، مما نتج عنه ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الجليد في القطبين وما تلاه من ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، وهو ما أدى بدوره إلى تهديد اليابسة حول العالم بشكل مباشر. وهناك العديد من الأيادي التي تشارك في تلك الجريمة التي ترتكب ضد الطبيعة وكل ما هو جميل ونقي في كوكبنا، من بينها الطائرات التي تحوم فوق سمائنا كل يوم. وبالرغم من أن الطائرات أصبحت وسيلة للسفر لا يمكن الاستغناء عنها، إلا أنها أيضاً وسيلة مهمة من وسائل التلوث البيئي، وذلك بسبب آلاف الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون التي تسكبها يومياً وتخرج من عوادمها النفاثة، والتي تنفثها قريباً من أضعف نقطة في غلافنا الجوي الذي يحمي كوكبنا.
عن هذا الموضوع المهم نشرت مجلة (الإيكونوميست) البريطانية تقريراً عن الطائرات التجارية ومدى تهديدها لبيئتنا وإسهامها في ارتفاع حرارة الأرض. تقول المجلة:
لقد تم ابتكار طائرة جديدة اختبرت مؤخراً في مطار هيثرو البريطاني، وهي الطائرة العملاقة التي تعد أضخم طائرة رآها العالم، وهي من طراز A380، والتي تحتوي على خمسمائة وخمسين مقعداً، ومن المقرر أن تدخل الخدمة التجارية نهاية هذا العام. وتم اختبار تلك الطائرة على مدارج هبوط مطار هيثرو لمعرفة إذا كان المدرج سيتحمل تلك الطائرة العملاقة أم لا؟!
لحظة تاريخية
وكانت تلك اللحظة لحظة تاريخية لشركة رولزر رويس التي قامت بتصنيع محركات تلك الطائرة من طراز ترينت 900. وتقول الشركة إن المحركات الأربعة من طراز ترينت لهذه الطائرة ذات كفاءة عالية وطاقة نقية، وتستطيع إنتاج طاقة تعادل طاقة 3500 سيارة عائلية، وتشير الأرقام إلى أنه لحمل مسافر واحد جواً، تحتاج الطائرة إلى ما يعادل قوة 6 سيارات مجتمعة.
وإذا قمنا بحساب الحمولة الكاملة لتلك الطائرة العملاقة، فإننا نحتاج إلى طابور من السيارات طوله 14 كم لحمل جميع هؤلاء المسافرين جواً. وطبقاً لأرقام شركة إيرباص، فخلال 20 عاماً فسوف يتم طرح ما يقرب من 1500 طائرة من ذلك الطراز في الهواء، ومن المتوقع أن يتضاعف العدد الإجمالي للطائرات عامة ليصل إلى 22 ألف طائرة تحوم فوق كوكبنا، ومن المعروف أن طائرات السوبر جامبو العملاقة تضخ وحدها في الهواء كميات ثاني أكسيد الكربون تعادل 5 ملايين سيارة مجتمعة.
ولكن هذا الرقم لا يبدو كبيراً مقارنة بستة ملايين سيارة يتم تصنيعها سنوياً حول العالم، إضافة إلى مليار سيارة تسير حالياً على طرقات كوكبنا. وتشير الأرقام إلى أن السيارات يتم استخدامها في المتوسط ساعة يومياً، لكن الطائرات النفاثة العملاقة تسير في المتوسط نحو 10 ساعات يومياً، وتحرق وقوداً عالي الأوكتان يضخ مئات الملايين من الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في الجزء الأكثر حساسية لغلافنا الجوي.
ولكن بالرغم من هذه الكمية الهائلة من ثاني أكسيد الكربون، إلا أن الطائرات لا تعد المصدر الرئيس للانبعاثات الكربونية التي تسبب ارتفاع حرارة الأرض، بالرغم من أن حصة الطائرات في اطراد مستمر. كما أن ثاني أكسيد الكربون الذي يخرج من المحركات النفاثة على ارتفاعات عالية والذي يستمر في خطوط طويلة خلف الطائرات النفاثة يسبب ضرراً كبيراً للغلاف الجوي، وهو ما لفت أنظار المدافعين عن البيئة والسياسيين في الفترة الأخيرة، وتم تقديم اقتراحات بوضع أغطية خاصة في ذيول الطائرات لسحب ثاني أكسيد الكربون وتقليل الانبعاثات من الطائرات.
وتوجه اتهامات لشركات الطيران بأنها تستقل الهواء مجاناً وتلوثه في الوقت ذاته؛ وذلك لأنها لا تدفع ضرائب على الوقود الذي تستخدمه في الرحلات الدولية. وبالرغم من أن طائرات اليوم أكثر كفاءة بنسبة 70% عن مثيلاتها منذ 40 عاماً، إلا أن المخاوف من الانبعاثات لا تزال في ازدياد.
ومن ناحية أخرى فإن بعض شركات الطيران قد حققت خسائر في الفترة الماضية - بالرغم من زيادة الطلب على السفر الجوي - بسبب عدة أحداث أهمها ضربات سبتمبر وما تلاها من حروب، كما يشن أنصار البيئة حملات لترهيب الناس من الطيران بسبب ما يسببه من ملوثات، وهو ما يجعل البعض يفكر مرتين قبل السفر عبر الطائرات.
وقد بلغ ذلك الجدل حول الطيران أشده في القارة الأوروبية العجوز بصفة خاصة، وذلك لانتشار السفر عبر الطائرات بين العواصم الأوروبية المختلفة، ومن المقرر أن يصوت البرلمان الأوروبي في وقت لاحق من الشهر الحالي (يوليو) على مشروع قانون لتقليص انبعاثات الطائرات، وإدراج ذلك القانون في منظومة التجارة الأوروبية الخاصة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، المعروفة اختصاراً باسم ETS. وسوف يكون لهذا الاقتراح تداعيات عالمية، لأنه سوف يغطي كافة الرحلات التي تستخدم مطارات تابعة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الخدمات الدولية.
وقد أعربت أمريكا عن عدم رضاها بأن يتم إخضاع طائراتها لتلك الاتفاقية الأوروبية، وأكد شارون بنكيرتون كبير ممثلي هيئة الطيران الفيدرالي الأمريكية، في أثناء زيارته لبروكسل هذا العام، أن الطائرات الأمريكية يجب أن تعفى من هذه المنظومة، مما يمهد لوجود نزاعات قضائية جديدة بين ضفتي الأطلنطي، إضافة إلى النزاعات السابقة الخاصة بالإعانات المالية لطائرات الإيرباص الأوروبية وتحرير التعريفة الجوية بين القارتين.
قلق شركات الطيران
وقد أصبحت شركات الطيران أكثر قلقاً وتوتراً، فشركات الطيران الدولية الكبرى الممثلة برابطة النقل الجوي الدولية كانت تفضل أن تنتظر أوروبا مناقشات هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالطيران، وهي منظمة الطيران المدني الدولية التي تضع القواعد التقنية والقانونية وقواعد الأمن والسلامة منذ أكثر من 50 عاماً. وقد تم استثناء حركة الملاحة الجوية من اتفاقية كيوتو للمناخ، ولكن هناك شرط وحيد، وهو أنه بحلول نهاية 2007 فإن كل الدول وخطوط طيرانها التي تعمل تحت مظلمة الطيران المدني الدولية يجب عليها أن تصل إلى حل لتقليل الانبعاثات عن طريق منظومة تجارية.
فقد وافقت الحكومات الأعضاء في منظمة الطيران المدني الدولية بعد وقت قصير من نهاية الحرب العالمية الثانية أن يتم استثناء الطائرات من الضرائب على الوقود، وذلك كما يفسر البعض من أجل عدم فرض ضرائب أحادية الجانب من شأنها إحداث تذبذب في الأسواق، في حين يفسره آخرون بأنه كان من أجل تشجيع صناعة الطيران الناشئة آنذاك والتي كانت قد خرجت لتوها من القتال في الحرب العالمية. وقد نتج عن ذلك أن الملاحة الجوية، على عكس غيرها من وسائل النقل الأخرى، يمكنها أن تنفق بشفافية على مشروعات بنيتها التحتية والخدمات الأخرى التي تتطلبها، مثل وسائل إدارة النقل الجوي ونفقات الهبوط وحقوق الطيران فوق أراضي الدول الأخرى وغيرها، وكان من المتوقع أن يغطي ذلك النفقات الخارجية أيضاً لشركات الطيران، ولكن لم يفكر أحد في تلك الأيام الماضية بالشئون البيئية.
ولم يلتفت العالم إلى الآثار البيئية الناتجة عن حركة الطيران على عالمنا قبل عام 1999، وذلك على يد لجنة الأمم المتحدة للتغير البيئي. ويعتقد أن وسائل النقل بمجملها مسئولة عن ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، مما يجعلها واحدة من أكبر مصادر التلوث البيئي، إضافة إلى مولدات الطاقة والاستخدامات المنزلية الأخرى. ومن بين وسائل النقل يعتقد أن الطيران الجوي مسئول عما يقرب من 13 % من التلوث البيئي، أما نصيبه من تلوث الكون بصفة عامة فيبلغ 3%.
وقد يقول قائل: لماذا إذن كل تلك الجلبة بالرغم من النسبة الصغيرة التي تساهم بها الطائرات في تلوث البيئة؟ يقول المختصون أن تلك الانبعاثات التي تصدر على ارتفاعات عالية تضر بالبيئة بصورة كبيرة، لأن أكسيدات النيتروجين التي تصدر من عوادم الطائرات النفاثة تؤدي إلى تركيبة أخرى من الأوزون الذي يعد من غازات الصوب الزراعية. كما يعتقد أن خيوط العادم النفاث الممتدة وراء الطائرات تبلغ تأثيراتها ما بين ضعفي إلى أربعة أضعاف تأثيرات الانبعاثات الكربونية العادية، وبالرغم من عدم وجود إجماع على مقدار تلك التأثيرات إلا أن الاتحاد الأوروبي يؤكد أن تأثيرها يبلغ ضعفي الوسائل الأخرى على أقل تقدير.
ولكن بالطبع فإن خطوط الطيران تقول إن انبعاثاتها الكربونية تأتي على أقل التقديرات من أجل تحسين صورتها أمام ناشطي البيئة وعلماء الأمان، كما استخدموا من قبل إحصاءات الحوادث في صالحهم لتقليل مخاطرها، وتشير الأرقام إلى أن أكثر من نصف حوادث الطائرات تقع عند الإقلاع والهبوط، لذا فإن معدل الحوادث مقارنة بكل ميل تقطعه الطائرات سوف يكون قليلاً جداً مقارنة بوسائل المواصلات الأخرى، في حين أنه إذا ما تم مقارنة أرقام الحوادث بعدد الرحلات ذاتها، فسوف تأتي الطائرات في المرتبة الثانية مباشرة بعد الدراجات النارية من حيث الخطورة.
وتلك المقارنة تنطبق أيضاً على الغازات المنبعثة، فتقول رابطة النقل الجوي الدولية أن استهلاك وقود الطائرات يأتي بنفس قدر استهلاك السيارة العائلية، وهو ما يعادل 3.5 لترات لكل مسافر ولكل 100 كيلومتر سفر، ولذا فإن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون مساوية لوسائل النقل الأخرى، ولكن هذا الأمر غير صحيح إلا في حالة واحدة فقط، وهي أن تكون الطائرات ممتلئة تماماً وأن تكون السيارة فارغة. وحتى في تلك الحالة، فإن طائرة الجامبو العملاقة التي تسافر من لندن إلى سيدني تستلهك وقوداً يساوي 400 عربة من طراز (بولو) من سيارات فولكس فاجن، كل منها تسافر أكثر من 16 ألف كيلومتر، وهو متوسط المسافة التي يقطعها المسافر الأوروبي في العام.
أي أنه بالرغم من أن السيارات والطائرات تخرج عادماً بنسبة مساوية تقريباً من غاز ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر، إلا أن الطائرات تسافر أكثر بكثير.
وفي أمريكا، موطن أكثر السيارات استهلاكاً للوقود في العالم، فإن إدارة الطيران الفيدرالي قد قدرت أن الطاقة المستخدمة لحمل مسافر واحد لميل واحد أعلى من تلك المستخدمة في السفر بالسيارات الرياضية والشاحنات وحافلات النقل. وتقول أن السيارات والطائرات التجارية متساويتان تقريباً، وذلك في حالة أن الطائرة ممتلئة بالركاب بنسبة ما بين 70 إلى 75% والسيارات تحتوي على 2.5 شخص (لأن أطول مسافة عادة ما تشير إلى الرحلات العائلية).
وسائل السفر
و قد عقدت شركة سي ديلفت - وهي شركة استشارات ألمانية - مقارنة ما بين الأنواع المختلفة للسفر، وقد كان أداء السيارات أفضل، وتبعه السيارات التي تعمل بالغاز المسال والسيارات التي تعمل بوقود الديزل أو الترامات التي تسير في شوارع المدن. أما الرحلات الجوية ذات المسافات الطويلة لأكثر من 1500 كم فكانت أسوأ بنسبة 50% من السيارات التي تعمل بالبنزين لكل كيلومتر. أما الرحلات الجوية القصيرة (حيث يتم استغراق وقت أقصر في التجول والتنزه بالطائرات الموفرة للطاقة والمزيد من الرحلات صعوداً وهبوطاً بالطائرات للمتعة) كانت أكثر بثلاثة أضعاف السيارات التي تعمل بالبنزين.
وهذا يعني أن المسافر الأوروبي الواعي للشئون البيئية والذي يطير في سلسلة من الرحلات في نهاية الأسبوع يستهلك حصته اليومية من الكربون بالكامل. وهناك سبل أخرى لتوفير انبعاثات الكربون، تتمثل في شراء سيارة موفرة للطاقة، واستخدام مصابيح الإضاءة الموفرة للطاقة في المنزل، والأكل من الطعام الحيوي الذي يزرع محلياً.
وتشير رابطة النقل الجوي الدولية إلى أن الطيران المدني تجارة يبلغ حجمها 400 مليار دولار وإسهاماتها الاقتصادية أكبر بكثير من حصتها في الانبعاثات الكربونية. وأربعة أخماس ثاني أكسيد الكربون القادمة من الرحلات الجوية تأتي من الرحلات الطويلة لأكثر من 1500 كيلومتر، حيث لا توجد حتى الآن وسيلة أكثر عملية من الطائرات. وهناك واحد من كل خمسة مسافرين بالطيران يطيرون للأعمال، مع افتراض أن رحلتهم ضرورية للغاية. كما ازداد الطلب على السفر جواً مع زيادة الرخاء والنمو الاقتصادي، وقد ارتفعت الطاقة المستهلكة من الطائرات التجارية في الفترة ما بين عامي 1980 و2003 بنسبة 75% حول العالم، في حين قفزت في الدول الغنية بنسبة 165%.
ولكن على المدى البعيد تقلص النمو في الرحلات الجوية بنسبة ما بين 10 إلى 5% سنوياً، ولم تتخطى تلك النسبة، لذا تقوم الشركات الكبرى ببناء خططها على تلك النسبة الضئيلة من النمو، ومن بين تلك الشركات بوينج وإيرباص وشركات تصنيع محركات الطائرات وخطوط الطيران. ومن أجل الدعاية لطائراتها الجديدة A380 قالت شركة إيرباص أن معدلات الزيادة وحدها في السفر في عام 2020 سوف تماثل كافة رحلات الطيران التي تم قطعها في عام 1969، العام الذي أطلقت فيه شركة إيرباص الجيل الأول من طائرات الجامبو.
وقد كلفت جمعية (أصدقاء الأرض) مركز تيندال لأبحاث تغير المناخ بعمل دراسة لاكتشاف ماذا يعني نمو سنوي في حركة الطيران بمعدل 6.4% لبريطانيا في الأربعين إلى خمسين عاماً المقبلة.
وخلصت الدراسة إلى أن الكمية الإجمالية لغاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الرحلات الجوية سرعان ما سيعادل الكميات المستقطعة من انبعاثات الكربون، والتي قننتها سياسات الحكومة البريطانية لتتوافق مع اتفاقية كيوتو للمناخ. وقد أكدت اللجنة الأوروبية المحايدة أنه بحلول 2012 فإن النمو في الرحلات الجوية سوف يعادل أكثر من ربع الكميات المستقطعة من غازات الكربون.
وإذا كان لا يمكننا الاستغناء عن الطيران الجوي، فكذلك لا يمكننا الاستغناء عن التقنية التي تدفعه وتحركه؛ فقد أصبحت المحركات النفاثة أكثر كفاءة. وطبقاً للسير جون روز، الرئيس التنفيذي لشركة رولز رويس، فمن المتوقع أن يستمر النمو بنفس تلك النسبة، ولكنه حذر من أن الابتكارات التقنية وحدها لا تستطيع حل تلك المشكلة؛ ففي المجال الجوي يجب أن يكون المحرك قوياً والوقود خفيفاً، وبالطبع لا يمكن لأي مصدر طاقة آخر أن يضاهي كثافة الطاقة المنبعثة من وقود الطائرات.
أما خلايا وقود الهيدروجين فربما تصبح في يوم من الأيام الوقود اليومي للسيارات والحافلات من دون انبعاثات كربونية، ولكن ضرورة وجود خزانات قوية وثقيلة وحصص خلايا وقود تجعل من الهيدروجين وقوداً خارج الاحتمالات بالنسبة للطائرات. وقد قامت شركة بوينج بعمل تجربة صنعت فيها طائرة خاصة لإنتاج طاقة ديناميكية هوائية عالية الكفاءة، وفي تلك الطائرة يجلس المسافرون في كبائن واسعة أشبه بمدرج كبير، ولكن تلك التجارب الأولية أتت بردود فعل سلبية من المسافرين، مما قصر تلك التقنية على طائرات إعادة التزود بالوقود العسكرية.
ومن إحدى طرق تقليص انبعاثات الطائرات هي تحسين قدرات الرقابة على المرور الجوي، وتقدر رابطة النقل الجوي الدولية أنه يمكن تقليل الرحلات الجوية بنسبة 12% عن طريق وضع الرقابة على النقل الجوي الأوروبي تحت سيطرتها بدلاً من وجود 35 هيئة مختلفة تعمل الآن بالتنسيق مع بعضها، وقد عقدت رابطة النقل الجوي الدولية بالفعل عدة صفقات لتقليل مناطق الملاحة الدولية التي تؤدي إلى إطالة مسارات الطائرات، والتي يجب أن تتبع الحدود الدولية أو من أجل تجنب مناطق التدريبات العسكرية. ومؤخراً تم تقليص مسار جوي في الأجواء الصينية سيوفر 30 دقيقة طيران بين كل من الصين وأوروبا، مما يوفر سنوياً ما يقرب من 3 آلاف ساعة طيران، و27 ألف طن من الوقود، وأكثر من 84 ألف طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
كما توجد مشكلة أخرى في مدارج الهبوط المزدحمة، فازدحام مدارج الهبوط في المطارات الهامة مثل مطار هيثرو يحتم على الطيارين الدوران فوق المطار في عدة حلقات حتى يتم إفراغ مدارج الهبوط، مما يعني أن الطائرات يجب أن تحمل وقوداً إضافياً تحسباً لذلك، مما يعني ازدياد حمولة الطائرة ومن ثم استهلاك أكبر للوقود. كما يمكن اتخاذ خطوات أخرى من أجل تقليل انبعاثات الكربون، مثل سحب الطائرات على الأرض بواسطة عربات كهربائية، كما يمكن تخصيص جزء من عائدات الطيران من أجل غرس المزيد من الأشجار التي تعد مصانع لتوفير الأكسجين النقي.
كبح انبعاثات الكربون
ولكن يظل الحل في فرض المزيد من الضرائب لكبح جماح انبعاثات الكربون، وذلك لأن الحلول التقنية والعملياتية تظل في نطاق محدود. ومن جانبها تقول خطوط الطيران أن فرض المزيد من الضرائب يعني ذبحهم بسكين ثلم وفي الوقت ذات ه لن يجني العالم سوى فوائد بيئية هامشية. ولم تستبعد اللجنة الأوروبية فرض المزيد من الضرائب، ولكن هدفها الأساسي هو انضمام خطوط الطيران إلى اتفاقات التجارة الأوروبية. وقد صرحت اللجنة الأوروبية أن الضرائب على التذاكر يجب ألا تتخطى 11 دولاراً، وهو ما يعد مبلغاً رمزياً.
ومن الممكن للاتحاد الأوروبي أن يكافئ شركات الطيران التي تستطيع أن تقلل من انبعاثاتها الكربونية بأن يعطيها مميزات تجارية وصناعية، فيمكن أن يتم إعطاء كل طائرة حصة كربونية لا تتخطاها، وذلك في كافة الطائرات التي تطير فوق السماء الأوروبية، كما تستطيع شركات الطيران أن تقوم بدفع ثمن حصص كربون إضافية إذا ما أرادت أن تزيد من طائراتها، من دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة الانبعاثات الكربونية بصفة عامة. ولكن تطبيق ذلك ربما يكون صعباً، وبخاصة يما يتعلق بالطائرات القادمة من الولايات المتحدة والتي لا تعترف باتفاقية كيوتو المناخية. أما إذا تم استثناء الطائرات الأمريكية فإن ذلك يعني تمتعهم بمزايا إضافية غير عادلة فوق نظيرتها الأوروبية.
ومن المهم للغاية تحديد الطريقة المثلى لتوزيع تلك الحصص على خطوط الطيران. وتريد رابطة النقل الجوي الدولية أن تعتمد تلك الحصص على المستويات المناسبة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وذلك بالمحافظة على الوضع الراهن دون زيادة. ولكن الطائرات ذات التكلفة المنخفضة في أوروبا مثل طائرات (إيزي جيت) و(ريان إير) تفضل عمل مزاد لتوزيع تلك الحصص، ويرى ستيليوس هاجي مؤسس شركة (إيزي جيت) نظام الحصص هذا على أنه نوع آخر من الإعانات للشبكة الكبيرة من الخطوط الجوية.
وقد صرحت رابطة النقل الجوي الدولية أن الخسارة الصافية لخطوط الطيران العالمية في السنوات الست الماضية ربما تصل إلى 44 مليار دولار. فقد أضيرت خطوط الطيران بسبب الإرهاب والحرب والركود، ومرض سارس الرئوي وارتفاع أسعار النفط. وهناك آمال بأن الصناعة ربما تحقق أرباحاً بسيطة عام 2007، ولكن إلزامها بدفع نفقات بيئية يمكن أن يغير ذلك. كما أن ارتفاع حرارة الأرض ليس شيئاً يمكن القضاء عليه نهائية سواء من خطوط الطيران أو من أي مجال صناعي آخر.
وفي النهاية، عاجلاً أم آجلاً، يتحتم على شركات خطوط الطيران تحمل تبعات الأعباء المناخية التي تفرضها تلك المحركات الطائرة العملاقة على هواء كوكبنا.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|