جُنِنَّا بليلى وهي جُنّت بغيرنا |
وأخرى بنا مجنونة لا نريدها |
هذا البيت الفصيح المنسوب إلى قيس بن الملوح مجنون ليلى يقابله بيت من الشعر الشعبي مماثلة للشاعرة نورة الهوشان والتي تقول فيه:
اللّي يبينا عيّت النفس تبغيه |
واللّي نبي عيّا البخت لا يجيبه |
هذان البيتان من الشهرة بحيث قلما تجد من لا يحفظهما أو يرويهما من أهل الحب والشعر والأدب لحلاوتهما، ومرارتهما، أما الحلاوة فتكمن في بلاغتهما وأما المرارة فنجدها ماثلة في معاناة صاحبيهما العاشقين المفلسين، وكلا المعشوقين مشغول بحب من لا يحبه..
يقول المجنون:
جُنِنّا بليلى وهي جنّت بغيرنا |
وأخرى بنا مجنونة لا نريدها |
المجنون هنا في بيته تعبير عما في نفسه خير تعبير كما قيل: لكل إنسان من اسمه نصيب، ونصيبه كما نرى، والعياذ بالله، الجنون، فهو مجنون بليلاه وليلاه مجنونة بغيره، وغيرها مجنونة به، والبيت من أوله إلى آخره خزانة ملأى بالجنون.
أما بيت نورة الهوشان، ففي منتهى الرقة والعطف، فالنفس تأبى أن تميل إلى غير من تحب كما تقول، والبخت يأبى أن يحقق ما تتمناه.
لحظة تأمل..
إنه لمن الفظاعة بمكان أن يجد الإنسان قلبه فجأة أُسِر بحب من لا يُحبه وسليب قاس لا يرحمه، وظالم لا ينصفه، وهذه الابتلاءات التي لا علاج لدائها في دنيا الحب لا ينجو منها إلا ذوو النفوس الكبيرة، والهمم العالية وقليل ما هم.. فهؤلاء هم الذين يربؤون بأنفسهم عن المهانة ويترفعون بها عن المذلة. أما ضعاف النفوس فإنهم هم ضحايا هذا الحب المقيت، فهؤلاء يتذللون لمن لا يقيم لهم وزناً، ولا يعيرهم اهتماماً وما هكذا الحب المنشود الذي يتغنى العشاق به شوقاً، ويترنمون بحب صاحبه وجداً، وشوقاً، لا لا، وألف لا..
ورحم الله القائل:
إذ المرء لا يرعاك إلا تكلّفا |
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا |
ففي الناس إبدال وفي الترك راحة |
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا |
ومن رغب عمّن زَهِدَ فيه فقد أكرم نفسه.
عبدالله القحطاني
rrr_225@hotmail.com |