كانت هناك مشاركة فعلية قدمها صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل في المنتدى الإعلامي السنوي الرابع للجمعية السعودية للإعلام والاتصال المنعقد بجامعة الملك سعود بالرياض في 20- 3-1428هـ الموافق 8-4-2007م، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية.
وقد ألقاها سموه في الجلسة التاسعة من المنتدى حيث تطرق في بداية حديثه عن تاريخ تأسيس أول جامعة في المملكة العربية السعودية وهي جامعة الملك سعود التي مر عليها خمسون سنة من العمل الأكاديمي المتجدد في المنجزات العلمية والثقافية لمواجهة التحديات المستقبلية.
وكان هناك اعتراف صريح من الأمير تركي أمام الحضور من المفكرين والباحثين من أستاذة الجامعة قال فيه: (اقتباس) (إنني سعيد بالوقوف أمامكم وأنا لست خبيراً إعلامياً أو منظراً كما حال جمعكم الكريم، وإنما لكوني سفيراً سابقاً دفعته ممثلاً لخادم الحرمين الشريفين - أعزه الله - في كل من المملكة المتحدة وأيرلندا والولايات المتحدة الامريكية إلى التعامل مع الإعلام واستخدامه لتحقيق الأهداف والواجبات المطلوبة منه).
فقد أضافت إلينا محاضرته مصطلحا جديدا في قاموس الدبلوماسية باسم (الدبلوماسية الشعبية) ما زاد لغة التخاطب الدبلوماسي الشخصي أو الجماعي قبولا في تحسين العلاقات الشخصية والاجتماعية في البلد المستضيف، فقد ذكر أن (اقتباس) العمل الدبلوماسي هو قناة إعلامية مهمة، لأن مهمة السفير بوصفه ممثلاً لبلاده لدى الدولة المضيفة لم تعد محصورة في القنوات الرسمية المعتادة، بل تجاوزت ذلك إلى الاتصال الشعبي والجماهيري في تلك الدول أو ما يطلق عليه (الدبلوماسية الشعبية).
أنا أتفق مع الأمير تركي - يحفظه الله - بأن الدبلوماسية تعتمد على النشاط البشري لتغيير المفاهيم والوظائف الاجتماعية في أي مجتمع بشري، وتفعيل هذه الوظائف بعضها بعضا عن طريق الاتصال الشخصي بأسلوب مقبول على المستوى الشعبي، لأن الدبلوماسية هي باب مفتوح للتحاور والتبادل والتواصل الإنساني بكل مصداقية ووضوح في الرسالة المنقولة شخصيا.
فالاتصال الشخصي أفضل أشكال الاتصال للحصول على المعلومة مباشرة ويعتبر مشاركة شعبية فورية تنتج عنها رجوع صدى فوري عن هذا الاتصال من خلال المفاوضات أو الحوار أو النقاش في المواضيع الدبلوماسية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
وقد تطرق المحاضر الأمير إلى التحول والتغيرات التي حدثت في مفاهيم الإعلام والسياسة، قائلاً:
(اقتباس مباشر) (إن التحول في مفاهيم الإعلام والسياسة واكبه تحول في مفهوم مهمة السفير إذ تغيرت أساليب العلاقات الدولية ومهام الدبلوماسيين، فلم يعد التواصل عبر التصريحات الصحفية أو المؤتمرات الصحفية كافياً لإيصال الرسالة المرجوة، ولم تعد زيارة السفير لرئيس الدولة المضيفة أو رئيس وزرائها أو وزير في حكومتها والهمس في أذنه كافياً لإنجاز مهمته، بل لا بد للسفير أن يخاطب المواطن العادي ويتكلم معه للتأثير فيه خصوصاً في الدول الديمقراطية التي يمثل صوت المواطن فيها قيمة انتخابية لدى السياسيين).
طبعاً، الاتصال عملية تفاعلية إنسانية اجتماعية، خاصة إذا حدث الاتصال وجهاً لوجه واستخدام اللغة المناسبة والمفهومة في الحوار، وتبادل المعلومات والأفكار بين الناس، فنحن نتأثر كأشخاص بالاتصال الحقيقي المباشر، كوسيلة أساسية لمعرفة الحقائق والشعور بردود الفعل الحقيقية السريعة تجاه القضايا والمواضيع المطروحة على طاولة النقاش والحوار في الاجتماعات التي على مستوى المواطن العادي.
فقد شرح وجهة نظره عن الأخبار السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي هي من مصنع البشر، يقوم الإعلاميون بنشرها عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، ولكن ما كل ما ينقل من الأخبار يكون مؤثرا في الرأي العام بالمجتمع، قد يحدث إثارة وبلبلة اجتماعية من استقبال هذه الأخبار، وقد تتولد عنها أزمات سياسية تجعل السياسيين والدبلوماسيين يستخدمون أسلوب الاتصال الشخصي الدبلوماسي الشعبي المباشر مع الجمهور المستقبل لهذه الأخبار وتصحيح بعض الأفكار والمفاهيم غير الواقعية وتسوية الأمور بالطرق السلمية التي تجدد وتعزز العلاقات الدبلوماسية من أجل المحافظة على التواصل والتعاون الاجتماعي مع البلد المضيف.(اقتباس مباشر).
(إن وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها القناة الأكثر تأثيراً وهي الشبكة العنكبوتية التي نحصل خلالها على أحدث المعلومات والأخبار، سلحت الجماهير بأدوات التأثير في سير الأحداث والأزمات السياسية، كما أنها سهلت على القادة السياسيين عملية التواصل الشعبي مع الناس، بالإضافة إلى زيادة تأثير الرأي العام وسرعة وصوله إلى القادة السياسيين، ومن هذا المنطلق أصبح الاتصال الشعبي مع الجماهير في البلد المضيف، والتحدث المباشر معهم بالكيفية والمناسبة للوصول إلى عقولهم ومشاعرهم، أمراً ضرورياً لإنجاح مهمة البعثة الدبلوماسية).
فالتجارب والخبرات العلمية والعميقة التي يملكها المحاضر الأمير أعطت المحاضرة تميزا فريدا من نوعه في أسلوب الإلقاء والتحدث بطريقة مفهومة ومؤثرة في نفوس الحاضرين في قاعة حمد الجاسر بجامعة الملك سعود، بسبب المكاشفة والشفافية والصراحة والمصداقية التي نهجها الأمير المحاضر.
وقد سخر المحاضر تجاربه وخبراته العملية لخدمة المملكة العربية السعودية في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وأكد ضرورة التغيير في التعامل مع وسائل الإعلام بالطرق الحديثة وليس بالقديمة، وعدم استغلال المركز الدبلوماسي الوظيفي كعذر للهروب من المسؤولية تجاه القضايا السياسية والأحداث الدولية التي نقلتها الوسائل الإعلامية، لأن هذا الوضع أصبح مكشوفا في عصرنا الحاضر، وليست هناك فائدة في استخدام الردود الإعلامية على ما تنشره الوسائل إذاعياً أو صحفياً أو تلفزيونياً عن القضايا، فالحل الوحيد هو المواجهة عن طريق الاتصال الشخصي واستخدام الدبلوماسية الشعبية في تعديل الرأي والتوجهات العامة عن الحدث.
وناشد بأهمية الاتصال والتواصل المباشر مع الناس دون الاعتماد على ما تنقله وسائل الإعلام من بيانات وتقارير إخبارية، بهدف الرد الإعلامي الذي قد يكون غير مقبول من الناس، وركز على أهمية الحوار والنقاش الفعلي مع أطراف المجتمع في البلد المضيف.(اقتباس مباشر من المحاضرة).
(لقد تأكد لي أثناء عملي سفيراً في المملكة المتحدة وأيرلندا ثم في الولايات المتحدة الأمريكية أن هناك حاجة ملحة إلى تجاوز الطرق التقليدية في التعامل مع الإعلام التي كان يعتمد فيها على إصدار البيانات والتعقيبات الهادفة إلى النفي أو التعليل، ووجدت أن التحصين خلف أسوار الحصانة الدبلوماسية لم يعد مجدياً في التعامل مع الإعلام، لذلك نهجت نهجاً يعتمد على المبادرة إلى تحقيق تواصل مباشر مع الشعبية والزيارات الرسمية وتنظيم اللقاءات بين المؤسسات السعودية والبريطانية والمسؤولين في كلا البلدين طريقاً لتأسيس أرضية مشتركة للحوار السياسي والاقتصادي والثقافي بين الشعبين الإنجليزي والسعودي).
وتحدث عن تجاربه ونشاطاته الثقافية التي ساعدت على تكوين الرأي العام الإيجابي عن المملكة العربية السعودية بواسطة التواصل والاتصال عن طريق المهرجانات الثقافية التي أشرف عليها شخصياً في العاصمة البريطانية (لندن) وغيرها من المدن البريطانية.(اقتباس مباشر).
(ومن الأمثلة الجيدة ما نتج عن المهرجانين الثقافيين في كل من لندن ومانشستر من أثر على المستويين الرسمي والشعبي لدى الإنجليز، إذ كان صداهما إيجابياً كما تبين من رصد نتائجهما عن طريق وزارة الخارجية السعودية والقسم الإعلامي في السفارة). ودعم الأمير فكرة الانفتاح العالمي وعدم الدخول في مجال العزلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل يجب علينا المشاركة في جميع النشاطات والمناسبات مع التركيز على التبادل الثقافي الذي يخدم مصالح المجتمع السعودي حسب الأنظمة الشرعية والعادات والتقاليد المتبعة، لمواكبة المجتمع الدولي للوصول إلى أهدافنا.
(إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية السريعة في العالم تتطلب التخلص من الانغلاق على الذات والانعزال، والعمل بجدية تامة على التواصل مع الآخر من أجل توفير قدر كبير من التفاهم بين الشعوب).
وتطرق بكل فخر واعتزاز إلى تأثير التاريخ العربي في العلوم والبحوث العلمية التي استعانت بها دول الغرب مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في تنمية وتطوير الإنسان، ومن النصائح التي ذكرها في محاضرته تقبل النقد الغربي الذي نسمعه ونشاهده ونقرأه ضد مجتمعنا بكل سعة صدر ودبلوماسية مع السعي إلى تصحيح الأخطاء والمفاهيم التي ضد عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية، حيث يوجد هناك مجموعات من المسلمين متشددين بأفكارهم التي قد تعكس علينا بنتائج سلبية وذلك بسبب اجتهاداتهم الشخصية المبنية على الجهل فيما يخص علم الدبلوماسية والعلاقات الدولية وغيابهم عن استخدام أسلوب الدبلوماسية في تعاملهم مع الآخرين من اجل تصحيح الأخطاء.
فوجد أن لغة الحوار هي الطريق السليم في تصحيح المعلومات الخاطئة عنا بأسلوب إيجابي لبق ودبلوماسي يؤدي إلى خلق وتكوين علاقات تسودها المحبة والوفاء بين الطرفين.
وقسم الدبلوماسية الشعبية الناجحة الى محاور عدة ذكر منها: حسن الإلقاء - القدرة على المناظرة - الحوار والجدل ومثال ذلك ما حدث لمؤسس الدولة السعودية الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي أتقن أسلوب الدبلوماسية، في بناء الدولة السعودية الثالثة والسيطرة على المواقف السياسية التي مرت عليه في عهده.
أما في عهد الملك فيصل - رحمه الله - فقد بين في شرحه عن الدبلوماسية السعودية التي لعبت دوراً كبير في خدمة التضامن الإسلامي ضد المعتقدات الشيوعية والاشتراكية والاستعمارية والصهيونية في المنطقة العربية.(اقتباس مباشر من المحاضرة)
(... الملك فيصل - رحمه الله - الذي تحدى وتصدى للمد الشيوعي والاشتراكي والاستعماري والصهيوني في المنطقة بكل جدارة واتقان وتوجت سياسته بحرب رمضان المباركة وما تلاها من حظر البترول على أمريكا وهولندا، والكل يذكر المقابلات التلفازية والصحفية التي أجراها الملك الشهيد وخطاباته الرسمية عند لقائه بقادة الدول التي زارها قبل وقوع الحرب).
وعاد مرة أخرى يركز على أهمية الاتصال والدبلوماسية وتحريك التواصل الشخصي أو الاجتماعي على المستوى الدولي، وتوظيف القدرات الدبلوماسية لخلق البيئة التي يسودها السلام والأمان والاستقرار والابتعاد عما يفسد أو يعكر أي علاقات دبلوماسية بين أي طرفين، فالاتصال المباشر بالحكومات والشعوب هو الحل الوحيد لتوضيح الأخطاء والنزاعات والأزمات السياسية التي قد تنشأ بين الدول.
فقد كانت الأزمات السياسية التي تطورت بعد أحداث سبتمبر سببت شبه انقطاع في العلاقات السعودية الأمريكية، ولكن الدعم القوي والمساندة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فتح أبواب جديدة في مجال الدبلوماسية السعودية مع أمريكا من أجل تصحيح المسار والمفاهيم السياسية والدبلوماسية السلبية بين البلدين. (اقتباس مباشر).
(على الرغم من كل العوامل السلبية التي أشرت إليها فقد سعيت منذ أن باشرت عملي سفيراً في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي وضعها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، هي إعادة جسور التفاهم والتعاون وبناء الثقة واصبح التواصل بين القيادتين أمرا لمعالجة الأزمات المحتملة قبل بروزها).
ومن خلال المرئيات والتعليق على المحاضرة وجدت أن العمليات الدبلوماسية التي شملت الاتصال الشخصي والجماعي والدبلوماسية الشعبية والعلاقات الدولية تحتاج إلى عوامل وشروط وضوابط علمية وعملية من الضروري تطبيقها حتى يتمكن الإنسان من أن يكون دبلوماسياً ناجحا في عمله وخدمة وطنه.
صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رجل غني عن التعريف، خدم وما زال يخدم بلادنا الحبيبة بهدف تحسين الصور الذهنية السلبية وتجسيد القيم السعودية الإسلامية وحفظ حقوق المواطن السعودي في الخارج، وبناء علاقات مميزة تخدم المصالح الوطنية بشكل فعال والتأثير على جميع المستويات والطبقات الاجتماعية في أمريكا وبريطانيا، والسعي إلى خلق علاقات دبلوماسية شعبية بالطرق الهادئة والايجابية هدفها دعم مواقف المملكة العربية السعودية السياسية والاجتماعية وصيانة ومعالجة الأوضاع والمشاكل السياسية التي تطورت ضد المملكة بعد أحداث سبتمبر 11 التي وقعت على أراضى الولايات المتحدة الأمريكية.
فالتجارب والخبرات الدبلوماسية التي تكمن في شخصية الأمير سوف تفيد الدبلوماسية السعودية الحديثة التي أصبح لها وجهها الجديد المؤثر في صنع القرار السياسي والمتغيرات الإقليمية والدولة.
بالإضافة إلى ما سبق ذكره في محاضرة الأمير، نجد أن الدبلوماسية هي الجهود المبذولة في حل النزاعات السياسية والتنافس والتحديات العسكرية، وإظهار التعاطف لخدمة السلام والاستقرار العالمي.
ومن الصعب حجب المعلومات عن عامة الشعب، بسبب تقنية مصادر المعلومات التي تسافر وتنتقل بسرعة فائقة من مكان إلى مكان وتعبر الحدود الوطنية للدولة دون رقيب أو تأشيرة دخول أو خروج، فقد أصبحت في متناول كل فرد يعيش في المجتمع الدولي باستخدام وسائل الاتصال المتطورة مثل: تقنيات الأقمار الصناعية، البث والاستقبال التلفزيوني والإذاعي، الصحافة الالكترونية، الحاسوب، الهاتف بأنواعه، الإنترنت بأنواعه.
فمع تقنيات الاتصال الحديثة يجب على الدبلوماسيين أن يتعلموا كيف يتعاملون على المكشوف، لأن وسائل الاتصال أصبحت تنشر جميع الوثائق السرية التي قد تكون خطيرة في تداولها بين الرأي العام.
ففي السابق الدبلوماسي يخفي ما يريد أن يكشفه للآخرين، لكن الحال تغيرت الوقت الحاضر، فليس هناك فرق بين عمل الرجل الدبلوماسي أو الرجل الإعلامي خاصة بعد تطور وسائل الاتصال في كشف الحقائق ونشرها للجمهور وتقارب المهام التي تسند للدبلوماسي والصحفي، فالإعلام سلاح ذو حدين من الصعب التحكم فيه أو السيطرة عليه، فيجب علينا أن ندرك أن العالم أصبح قرية صغيرة في نقل ونشر المعلومات.
وفي نهاية هذا التحليل، أقدم شكري وتقديري لصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل على هذا المحاضرة التي جددت معلوماتي في مجال الدبلوماسية والإعلام السياسي.
drmeliky@hotmail.com