لخصت أحداث أمس الأحد في قطاع غزة كامل الوضع الفلسطيني المأساوي؛ فالناس هناك يموتون، ليس فقط برصاص الإسرائيليين، بل برصاص أشقائهم أيضاً. وبينما كانت الطائرات تحلق فوق القطاع، وتختار بكل ارتياح أهدافها في غياب المضادات الأرضية، كان المسلحون من (فتح) و(حماس) قد بدأوا لتوهم جولة جديدة من القتال، وهذه المرة في رفح.
ولا يعرف من سيقنع الفلسطينيين بأن هذه الطائرات التي تحوم فوق أجوائهم تستهدفهم جميعهم في (فتح) و(حماس) و(الشعبية) و(لجان المقاومة)، وأن إسرائيل، وهي تقتل الفلسطينيين، يهمها أن تقضي على الجميع؛ لأن كل هذه الفصائل تعمل من أجل استعادة الحقوق، بما فيها الأرض، وكلها تطالب بعودة اللاجئين، وكلها قلبها على القدس.
إسرائيل تعلم ذلك، وتفعل الكثير من أجل زحزحة هذه القناعات، والفلسطينيون يساعدونها من خلال خلق قناعات جديدة تتمثل في إقصاء هذا الفصيل أو ذاك بدلاً من التركيز على إزاحة العدو المشترك من ديارهم ومن أراضيهم.
ولطالما ظلت الفصائل تتناحر وتتصارع حتى في أحلك الظروف التي يكون فيها الطيران الإسرائيلي متسيداً الأجواء يقتل هنا وهناك، فإن المصالح والأهداف الفلسطينية ستتعطل وستتراكم بانتظار صحوة تعيد العقل إلى هؤلاء الزعماء الذين شغلتهم الصراعات السياسية البينية عن تقدير المصالح العليا لشعبهم.
وسيكون من العسير تصوّر كيف يمكن إعادة الصواب إلى هذه العقول إذا لم تستطع الاعتداءات اليومية الإسرائيلية الوحشية أن تفعل ذلك.
هذا القتال بين (حماس) و(فتح) الذي يتكرر فترة بعد أخرى يشير بوضوح إلى خلل قيادي؛ فلا يمكن لأي فصائل منضبطة أن تتردّى إلى مثل هذا الوضع لمجرد حادث هنا أو هناك أو لمجرد خلاف عائلي مع أحد الفصائل؛ فالمسؤولية الوطنية تحتم على هذه القيادات أن تتعالى فوق الضغائن والأحقاد، وأن تنظر بمنظار أوسع لمصلحة الشعب الفلسطيني التي لن تتحقق بأي حال من خلال ما تقوم به من قتال بين بعضها البعض؛ فهي بذلك إنما تقوض أبجديات العمل المشترك والطبيعي، خصوصاً في ظل الظروف الفلسطينية الضاغطة، حيث الكل يعمل على ممارسة الضغوط على الفلسطينيين للحصول على تنازلاتهم التي تتطلع إليها إسرائيل.
ومن مظاهر هذه الضغوط استمرار الحصار والعقوبات على الشعب الفلسطيني ومحاولات الاستفراد بهذا الطرف دون ذلك، وغيرها من أساليب الفرقة التي تعمل في صفوف الشعب الفلسطيني، والتي توفر لها مثل هذه المعارك بين الفصائل البيئة المثلى لكي تعمل وتؤتي أكلها.
لقد وضع اتفاق مكة المكرمة الأسس القويمة من أجل انطلاقة فلسطينية صحيحة معافاة من سلبيات الفرقة والتشتت، وسيكون من الأوفق للفصائل أن تتمسك بهذا الاتفاق وتلتزم بمقتضياته طالما أنه يوفر الآليات المثلى لتكاتفها وتعاونها من خلال إبعادها عن مزالق المواجهات المسلحة التي تزيد فقط من مساحة التشتت وعدم الثقة.