انتابت سوق الأسهم هذا الأسبوع موجة هبوط جديدة وقوية تسببت في حالة ارتباك كامل في أركان السوق، فقد سادت روح مارس وإبريل من العام الماضي من جديد، خصوصاً في ظل الانحدار الكبير للسيولة اليومية المتداولة التي سجلت أرقاماً قياسية جديدة في الهبوط بما يقلّ عن 5 مليارات ريال على مدى ثلاثة أيام. وبالتوازي حدث اضطراب في السوق من حيث إدراج ساب تكافل والإعلان عن تداول كيان وبناء سجل الأوامر للمملكة والتنويه عن إمكانية إعادة إنعام وعودة الباحة. إن المتداولين أصبحوا حائرين بين أسهم قديمة تائهة وراء المؤشر وأطروحات لأسهم جديدة تضطرب وراء بناء أوامرها، وأخرى وراء علاوات إصدارها، ونوع ثالث من الأطروحات ما يزال في مرحلة بناء الأوامر. إن محور التركيز في السوق الآن بات ينصبّ على الصناع الجدد للاكتتابات، وهم صناديق الاستثمار سواء البنكية أو المستقلة... الأمر الذي بات يثير الجدل حول: هل اختفى هوامير السوق بلا رجعة؟ أين ذهبوا؟ هل تحوّلوا بالفعل إلى شركات مالية وبدؤوا يدخلون حلبة السوق في شكل صنّاع جدد؟ وهل بالفعل آلية بناء الأوامر ستعزز عملياتهم المضاربية؟ وهل يتوقع أن يحقق هؤلاء الصناع الجدد الاستقرار للسوق؟ وإذا لم يحققوا استقرار السوق فماذا يفعل صغار المتداولين؟ وما الحل؟ هل يخرجون، أم هل يجمعون، أم هل يعدلون؟
المؤشر يتحرك كالطائرة لأسفل ويحبو كالقاطرة لأعلى
على الرغم من أن مؤشر السوق لم يخسر هذا الأسبوع سوى 52.5 نقطة فقط؛ أي ما يعادل نسبة 0.7% من قيمته، وعلى رغم أن هذه النسبة تمثل هبوطاً طفيفاً في عرف مؤشر السوق الذي اعتاد المتداولون على انحداراته بمئات النقاط ربما خلال اليوم الواحد، إلا أن ما سبّب الخوف والذعر لدى المتداولين هو سرعة انحدار المؤشر لمستويات قاعية جديدة لم تكن متوقعة بعد كل هذا الهبوط على مدى الشهرين الأخيرين. ففجأة كسر المؤشر هذا الأسبوع مستوى الـ7000 نقطة الذي كان يعتبره الكثيرون دعماً حصيناً يصعب كسره، بل إن كسره لم يستغرق وقتاً، بل جاء سريعاً. فضلاً عن أن الأمر لم يتوقف عند كسر الـ7000 نقطة، ولكن سرعان ما انحدر المؤشر إلى قاع عميق عندما لامس 6777.5 نقطة. فقد خسر المؤشر بلا مبرّر معروف 212.7 نقطة يوم السبت الماضي، وارتدّ يوم الأحد ليعوض 112.7 نقطة، ثم خسر يوم الاثنين 103.9 نقاط جديدة، وارتد يوم الثلاثاء ليعوض 167.6 نقطة، ثم خسارة طفيفة الأربعاء بنحو 16.1 نقطة.
صفات الهبوط الحالي للمؤشر
مَن يتتبع مؤشر السوق خلال الشهور الستة الماضية إجمالاً يلحظ اتجاهاً قوياً ناحية الهبوط السريع والقوي كمن يسابق الزمن لبلوغ نقطة محددة.. وهذا الأمر ظهر بوضوح الشهر الأخير.. ولكن مع ذلك فهو يسير في طريقه بخجل من كثرة ما يسبّبه من آلام للمتداولين، والدليل على ذلك هو أن كافة انخفاضاته جاءت سريعة وخاطفة. أما ارتداداته فقد جاءت معتدلة وبطيئة، كمن يرغب في عدم شعور الخاسرين بخسائرهم، في حين أنه يرغب بقوة في إحساس الرابحين بأرباحهم.
ثالث أدنى سيولة يومية يسجلها السوق منذ بداية التصحيح
سجلت السيولة اليومية المتداولة هذا الأسبوع ثلاثة أيام تداولت فيها قيمة تقلّ عن 5 مليارات ريال، وهي معدلات تعتبر متدنية لم يسجلها السوق سوى مرتين منذ بداية التصحيح في فبراير من العام الماضي. ويعتبر الوصول إلى هذه المستويات من السيولة مؤشراً لوضع حرج يمرّ به السوق. وهذا الوضع إن استمر قد يتسبب في هروب تلك السيولة التي طالت فترة انتظارها. وكل فرد تغادر سيولته السوق الآن يمثل ضغطاً جديداً على مؤشر السوق، وكل انحدار للسيولة يتسبب في سيادة حالة تشاؤمية أكثر حدة.
السيناريو المتكرر.. أين ذهبت سيولة الكبار؟
هذا السيناريو لا يلبث أن يتكرر من حين إلى آخر مع كل هبوط قويّ للمؤشر، وهو غياب سيولة المحافظ الكبيرة من السوق.. ففجأة يختفي كبار المضاربين من التداول.. وفجأة لا يصبح هناك مضاربات قوية على أسهم المضاربات.. وفجأة تنحدر قيمة التداول، وهي قيمة إن استمرت قد يشهد السوق أسهماً عديدة تتداول بأقلّ من قيمتها الاسمية.. فأين ذهبت سيولة هذه المحافظ؟ هل تم تجميدها، أم أنها غادرت السوق، أم أنها تنتظر في ساحات المتفرجين زاهية بخروج المنتصر قبل الهبوط؟ إن ما هو مؤكّد أن كبار المضاربين لن ينتظروا أو يجمدوا محافظهم وهم يعرفون أن قيمتها الرأسمالية ستنخفض دون تعاملات.. هم أذكى من أن يخسروا دون تداول.. إن المعضلة ليست في خروجهم من السوق؛ فهم يمتلكون من الحرفية ما يمكنهم من ذلك.. ولكن المعضلة هو خروجهم المبكر في كل مرة.. والتساؤل حول: هل هذا الخروج هو السبب في هذا الهبوط، أم أنهم خرجوا ليتوخَّوه؟ الأمر يبدو سيئاً لصغار المتداولين في الحالتين.
السؤال الأهم
البعض يفسّر غياب بعض المحافظ الاستثمارية الكبيرة التي كانت تغذي حركة التداول حتى في أيام الركود الكبير بأنه غياب شكلي للسوق وليس جوهرياً، حيث إن هذه المحافظ بدأت تفكر في شكل مؤسسي، ويشاع أن كثيراً منها كوّنت شركات مالية منفردة لقوة محافظها، وبخاصة أن كثيراً منها خرج بأرباح كبيرة، في حين أن بعضها اتّحد ليكون معاً مؤسسات مالية مستقلة. فلا يمرّ أسبوع إلا وتشهد شركات مالية جديدة، ثم تسمع عن تكوينها لصناديق استثمارية. هذه الصناديق في ضوء لائحتها الجديدة مقننة ورقابتها واضحة، إلا أنها يمكن أن تلبي بشكلها الحالي مطالب هؤلاء المستثمرين؛ فهي لا تقوم على أموالهم فقط، ولكن على تجميع أموال مستثمرين آخرين. إن هذه الصناديق لم تركز على سوق الأسهم بقدر ما تركز حالياً على سوق الأطروحات الجديدة، خصوصاً في ظل الآلية الجديدة لبناء الأوامر، هذه الآلية التي تتيح للصناديق فرصاً ذهبية للدخول والمضاربة أو المزايدة على سعر السهم، وهم بقوتهم قادرون على تصعيده إلى مستويات شرائهم، وبالتالي تحقيق الربح الوفير عن بيعه والمضاربة عليه خلال أيام قليلة، وخير مثال سهم الفخارية.
قطاع التأمين
العام الماضي كان المحللون يثيرون الجدل حول الأدوار المزدوجة للبنوك عندما كانت هي المستثمر والوسيط. الآن الأدوار المزدوجة تزايدت لتصبح البنوك هي المقرض (ائتمانها) والوسيط (شركاتها المالية) والمستثمر (صناديق شركاتها المالية)، وأيضاً الآن المالك ولكن لقطاعات جديدة غير البنوك.. اليوم قطاع التأمين، ذلك القطاع الذي يتصف بقلة عدد متداوليه الذين يمكن وصفهم بالصفوة الاستثمارية.. ويتصف مستثمرو التأمين بأنهم أقرب إلى المؤسسات من الأفراد... وتتوقع أن تلعب البنوك دوراً قوياً في تداولات هذا القطاع من خلال شركاتها المستقلة.
حديث الصغار
إن تحدّثت مع مستثمر صغير في السوق فلن تجد في حديثه سوى أن السوق أصبح استثمارياً، وأننا اقتربنا من القاع، ولن يكون هناك قاع بعده، وأن السوق سيتحسن، وأن هذا النزول سيدفع إلى مزيد من التجميع، وأن هذا التجميع سيبدأ اليوم، وأني بصدد تعديل أسهمي ومحفظتي وإيقاف خسارتي... هذا الحديث أصبح معروفاً وهو متكرر منذ منتصف العام الماضي؛ أي منذ 14500 نقطة للمؤشر.. وللأسف هم لم يعدلوا ولم يوقفوا الخسارة ولم يتمكنوا من معرفة كيفية التعامل مع استثمارية السوق المرتقبة... فبدايةً لقد بدأ تحسن استثمارية الأسهم والسوق ككل منذ 26 فبراير؛ أي منذ بداية الهبوط.. ولكن هل هذا يعني أن دخول أي مستثمر في السوق سيستفيد بسهولة من هذه الاستثمارية؟ إن غالبية صغار المتداولين تتغير حالتهم النفسية وقراراتهم وانطباعاتهم عن السوق بشكل يومي، وهذا هو الخطأ الكبير... لا بدَّ من أخذ السوق كمنظومة تتحرك في سياق كلي وليس يومياً... لا بدَّ أن يتخلص المتداولون من تأثير لون المؤشر أو لون السهم اليومي على قراراتهم... هذه الفلسفة لن تكبلهم إلا مزيداً من الخسائر... لا بد من بناء تصورات كلية تنبع من تخطيط شامل وليس وقتياً.
صغار المستثمرين وخسارة الأطروحات الجديدة؟
لا جدال أن الطريق الأسهل لتعويض خسائر صغار المتداولين الآن هو أطروحات الشركات الجديدة، خصوصاً الشركات التي تصدر دون علاوة إصدار. وحتى الآن كافة الأسهم، وبخاصة التي تطرح دون علاوة إصدار، وهي الأكثر، يفتتح التداول عليها بأسعار تزيد من 100 إلى 500% من قيمتها الاسمية، وبالتالي فإنها تحقق ربحاً مضموناً بعض الشيء لتعويض جزء من خسائر التداول في السوق. ولكن السؤال الآن: في ظل سياسة بناء الأوامر الجديدة في الاكتتابات ماذا سيتبقى لصغار المتداولين في السوق؟ إن سياسة بناء الأوامر قد تضاعف النسب التي يكتتب فيها المكتتبون الأوائل الذين هم غالباً صناديق استثمارية... فهم أصبحوا بمثابة الوسطاء الذين يكتتبون أولاً... ثم باستحواذهم يبيعون هذه الأسهم خلال فترات تداولها الأولى بالأسعار التي يرغبون فيها. إن آلية بناء الأوامر تحرم صغار المستثمرين نسبياً من البقية الباقية لأرباحهم. إن الاكتتابات على رغم ما تسبّبه للسوق ككل من اضطراب لغياب السيولة فإنها أصبحت الطريق ربما الوحيد المضمون لأرباحهم... فهل نحافظ عليها ونقلّص حدود بناء الأوامر؟
القابضة وبداية الطريق لهومرة شركات المالية المستقلة
المملكة القابضة من الشركات الضخمة التي ستطرح 315 مليون سهم تمثل نسبة 5% من إجمالي عدد أسهم الشركة التي يبلغ رأسمالها 63 مليار ريال. وقد بدأت عملية بناء الأوامر التي يعرض فيها الاكتتاب أولاً على المؤسسات الاستثمارية بسعر يزيد على القيمة الاسمية بنحو 0.5 ريال. وهذا السهم سيغير من خريطة السوق من عدة جوانب، بدايةً تزايد احتمالات اكتتاب الشركات المستقلة فيه، ثانياً احتمال حدوث اضطرابات سعرية نتيجة ضخامة عدد الأسهم المكتتب فيها، ثالثاً الحملة التسويقية والدعائية المنظمة والضخمة التي تساير طرح السهم تنبئ عن إمكانية قيام الشركة بخلق توجهات يحقق المؤسسون وكذلك المكتتبون من الصناديق أرباحاً غير عادية من وراء طرح السهم. ويتوقع أن يكون هذا السهم من الأسهم التي تبدأ معها طفرة هوامير السوق الجدد، وهم الشركات المالية المستقلة التي بدأت تدير صناديق استثمارية.
إعادة الباحة بربح 6.1%
أغلق سهم الباحة في السادس من هذا الشهر على 40.75 ريالاً، وأعلنت هيئة السوق عن عودته إلى التداول السبت المقبل بسعر 43.25 ريالاً؛ أي رابحاً نحو 6.1%.
إعلان هيئة السوق عن إنعام القابضة
أعلنت هيئة السوق المالية عن موافقتها على طلب شركة إنعام القابضة تخفيض رأسمالها من 1200 ?مليون ريال إلى 109 ملايين ريال، وبالتالي تخفيض عدد الأسهم من 120 مليون ?سهم إلى 10.9 ملايين سهم. وهذه الموافقة مشروطة بموافقة الجمعية العامة غير ?العادية للشركة واستكمال الإجراءات.? وهنا يُثار التساؤل: ماذا لو رفضت الجمعية العمومية ذلك القرار؟ هل يستمر الوضع على ما هو عليه؟ بل التساؤل الأهم: أليس من المفضَّل أن تتخذ هيئة السوق القرار الذي تراه بالطبع في صالح المساهمين في الشركة، وبخاصة في ظل توقع عدم امتلاك كثير من هؤلاء المساهمين الوعي الاستثماري الكافي بأبعاد هذه القرارات الأخيرة التي اتخذتها الشركة؟
البورصة الكويتية تقسم السوق إلى رسمية وموازية
بدأت البورصة الكويتية في إدراج أولى الشركات إلى السوق الموازية الجديدة التي ستعمل جنباً إلى جنب مع السوق الرسمية، ذلك السوق الذي ستدرج فيه الشركات ضعيفة التداول أو ذات المخاطرة المرتفعة. وقد بدأت البورصة في رصد الشروط التي تنقل بناءً عليها الشركات من السوق الرسمية إلى السوق الموازية التي تتمثل في تحقيق الشركة خسائر على مدى عامين متتاليين بواقع 25% من الرأسمال المدفوع، وعدم قيام الشركة بتوزيع أرباح نقدية لثلاث سنوات متتالية. ولعل هذا التقسيم هو الذي شاع خلال الشهور الماضية في السوق السعودية، إلا أن هيئة السوق نفت إجراءه مؤخراً.
خريطة الطريق
يوجد في السوق الآن 7 أسهم مكررات ربحيتها أعلى من 100 مرة، وأيضاً عشرة أسهم ذات مكررات ربحية سالبة. وإذا كنا نعوّل على التصحيح وهبوط أسعار المجموعة الأولى لكي تتحسن مكررات ربحيتها فهل الأمر كذلك لتلك الأسهم العشرة ذات مكررات الربحية السالبة؟ هل يوجد أمل أن تتحسن مكرراتها؟ وإذا لم يكن ذلك متاحاً فعلام تعوّل هيئة السوق لتصحيح هذه الأسهم؟ هل يمكن توقّع أن تتواجد هذه الأسهم في السوق بعد اكتمال تصحيحه؟ هل يمكن أن تتواجد بمكرراتها السلبية؟ ألن تشوّه صورة السوق الاستثماري المنتظرة؟ ألا يتطلب الأمر خريطة طريق منذ الآن؟
سابك ومستقبل السوق
كثير من الجوانب السيئة في التداول يمكن أن يقبلها السوق ويتكيف معها سواء بالهبوط الطفيف أو التراجع المعتاد، إلا هبوط سابك إلى قاعها السابق عند 93.5 ريالاً، حيث إن تماسك سابك حتى الآن هو الضمانة لعدم حدوث هبوط قويّ للمؤشر، إلا أن تماسك سابك من المعروف أنه ليس تماسكاً ذاتياً بقدر ما هو مساندة الصناع لها.. فكيف يفكّرون خلال الأسابيع القادمة؟
د. حسن الشقطي - محلل اقتصادي ومالي
hassan14369@hotmail.com