مع إيماننا الكامل ويقيننا الذي لا يتزعزع بأن إرادة الله هي فوق كل شيء وأن ما هو مُقدّر في علم الغيب الإلهي حدوثه سيحدث شئنا نحن البشر أم أبينا، إلا أن هذا ينبغي ألا يقف عائقاً يمنعنا من أن نسلك مسار البحث عما هو أفضل من خلال تقصي الأخطاء ومعرفة مسبباتها وكيفية حدوثها وما يمكن فعله وما يتعين القيام به لتجنب ظهور هذه الأخطاء وغيرها والتأكد من سد المنافذ التي ربما تؤدي إلى حدوثها وحدوث غيرها مستقبلاً.
وفوق ذلك علينا جميعاً مسئولين ومواطنين أن نتسلح بالجُرأة على أن نتحدث بصوت مسموع عن الأخطاء وأن نناقش مكامن القصور التي قد تؤثر سلباً على مسيرة التنمية المتواصلة منذ تأسيس هذه المملكة على يد موحد الجزيرة الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله. فالمسئول مُطالبٌ وبكل أريحية بأن يعترف بأية أخطاء ربما كان مصدرها تلك الجهة التي وضع ولاة الأمر ثقتهم في هذا المسئول كي يشرف عليها ويُسّير أمورها وأن يبذل كل ما في وسعه كي يُصلح هذه الأخطاء ويضمن عدم تكرارها للتفرغ لمهام رفع المستوى الإنجازي فيما يتعلق بخدمات المواطنين؛ فيما المواطن أن يجهر وبشكل مسموع بأية مُخالفات تقع عينه عليها في دائرة عمله مقتدياً في ذلك بولاة الأمر الذي فتحوا أبوابهم للصغير قبل الكبير كي يكون عوناً على الحفاظ على مكتسبات التنمية في تجربة فريدة من نوعها. ذلك أن الفساد الذي يأتي في صور شتى ويتخذ أشكالاً عدة متى ما تفاقم وعظم بدأ ينخر في جسد التطور والإنجاز ويؤثر سلباً على الاستحقاق التنموي.
والمتابع للإعلام المحلي المسموع منه والمرئي والمقروء لا بد أنه اطلع على العديد من الأخبار والتحقيقات الإعلامية التي لها تماس مباشر بهموم المواطن وهي الهموم التي يسهر ولاة الأمر في متابعتها واضعين نصب أعينهم بذل الغالي والنفيس في سبيل التحقق من أن ابن الوطن ينعم على الدوام بالدرجة العالية من الرفاهية التي اعتاد عليها منذ انبثق فجر أول أيام توحيد هذه المملكة الغالية.
ما يجمع بين مختلف هذه الأخبار هو أنها تتمحور حول أخطاء فادحة البعض منها أدت إلى ضرر كبير في حق البعض من المواطنين والبعض منها ربما أفضت مستقبلاً إلى إيقاع أضرار مؤلمة أخرى في حق مواطنين آخرين. ريم المهيد وأنفلونزا الطيور واستبدال طفلين بالخطأ هي عناوين رئيسية احتلت أماكن بارزة من الصحف المحلية والقنوات الإخبارية وهي عناوين عريضة تندرج في أُطرِها أخطاء لا تُغتفر. والعامل المشترك بين هذه العناوين هو أنها تتحدث عن أخبار تعكس جانباً مظلماً وقاتماً في مسيرة العمل الإداري لبعض الوزارات والجهات الحكومية.
الأخطاء الطبية أضحت تنافس وزير الصحة في تصدر العناوين الصحفية وملء وسائل الإعلام بتفاصيلها كل يوم. وهذا التنافس على الظهور الإعلامي المكثف يبعث على القلق على كلا المستويين فالظهور الإعلامي المُبالغ فيه لمسئول ما يرتبط في الكثير من الأحيان بالقصور في تحقيق ما يتطلع إليه الجميع - ولي الأمر قبل المواطن - وكلما تزايد خروج المسئول في وسائل الإعلام كان ذلك دليلاً على تزايد القصور وتغلغل الفشل في بُنية الوزارة أو الجهة الحكومية. أو هكذا أراه بحسب فهمي البسيط.
وزير الصحة مُطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يخرج لنا بتفسير واضح عن الأسباب التي تؤدي إلى تكرار مختلف الأخطاء فكل الظروف المادية والمعنوية تمت تهيئتها له من قبل ولاة الأمر كي يتم رفع مستوى الخدمات الطبية غير أننا نتفاجأ بأن الوزارة عاجزة حتى أن تمنع أبسط الأخطاء وأوهنها وهو ما يجعلنا نضرب يداً بيد ونكتفي بالقول «لا حول ولا قوة إلا بالله»
وفي طيات عنوان صحفي آخر نشتم رائحة قصور الجانب الرقابي لإحدى الوزارات ألا وهي وزارة الزراعة التي أصدرت العديد من البيانات الصحفية التي تشير إلى اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في بعض مشاريع الدجاج اللاحم في العديد من المناطق القريبة من مدينة الرياض. وما يدعوني إلى الإشارة إلى ضعف الدور الرقابي أمران اثنان أولهما حقيقة أن من اكتشف المشكلة كانوا هم أصحاب المشاريع نفسها وثانيهما حقيقة وجود بؤر استوطنتها الطيور المهاجرة بالقرب من هذه المشاريعوحولها.وهو ما يحفزني على أن أتساءل وبكل براءة عن سبب عجز الوزارة عن متابعة هذه المزارع فلو أن هناك متابعة رقابية فاعلة لكان تم القضاء على بؤر الطيور المهاجرة المستوطنة حول هذه المشاريع وكفانا الله شر هذا الفيروس الخطير.
غير أن بصيص ضوء تفاؤلي يمكن لنا أن نلمحه في خبر إعلامي آخر بطلته ريم المهيد التي جسّدت لنا أنموذجاً مشرفاً للإنسان السعودي الذي يعلم يقيناً أن أبواب ولاة الأمر مفتوحة أمامه كي يجد من ينصفه، فهي تدرك أن ولاة الأمر لا يرضون بارتكاب أي خطأ في حق أي مواطن صغيراً كان أم كبيراً وهم الذين يسيرون في ذلك على نهج والدهم القائد عبدالعزيز بن عبدالرحمن، رحمه الله، الذي كان همّه أن يُحقَّ الحق ويضع قيم العدالة فوق أي اعتبار. وحتى تتضح صورة الوضع الذي تعيشه ريم وتكتمل المعطيات جميعها، ليس أمامي غير أن أحيي هذه المواطنة على جرأتها في البوح بمعاناتها وتحدثها عما تراه خطأ يجب تلافيه في لمحة تعكس غيرتها على وطنها كغيرها من المواطنين الآخرين الذين لا يرضون بارتكاب أية أخطاء تخدش الوجه الجميل للتجربة التنموية السعودية التي تمثل مفخرة لكل سعودي.
abanom@hotmail.com